تتجه المملكة بقوة لضخ استثمارات كبيرة في مشروعات الطاقة المتجددة(الطاقة الشمسية، طاقة الرياح، والطاقة الذرية)، وذلك بعد طرح البرنامج الوطني للطاقة المتجددة من قبل وزارة الطاقة والصناغة والتعدين ؛ حيث يرى خبراء أن تأخر الاعتماد على الطاقة المتجددة في المملكة يرجع إلى معوقات تقنية وغياب الجانب المعرفي، بينما يرى آخرون أن انخفاض تكلفة المصادر التقليدية هو من حال دون ذلك.
سألنا الخبراء حول مدى قدرة البنى التحتية على استيعاب هذا النوع من الطاقة، وأسباب تأخر الاعتماد عليها، وقدرة القطاع الخاص على المساهمة في تنفيذ تلك المشروعات، والتحديات الموجودة في هذا الإطار، ومستقبل تلك الصناعة، فكان هذا الملف…
الفجوة التقنية:
كشف الدكتور حسن بن محسن خرمي؛ المتخصص في نظم المعلومات الجغرافية وعضو هيئة التدريس بقسم الجغرافيا بجامعة أم القرى ووكيل معهد البحوث والدراسات الاستشارية ، عن حاجة المملكة لإنفاق هائل خلال السنوات القادمة لتلبية الطلب المحلي المتزايد على المياه والكهرباء بشكل خاص والطاقة بشكل عام.
وأشار إلى أن معوقات نشر الطاقة المتجددة كالطاقة الشمسية في المملكة، معوقات فنية تتمثل في الفجوة التقنية وغياب الجانب المعرفي، موضحًا أهمية بناء القدرات المعرفية من خلال نقل صناعة تقنية الطاقة الشمسية الضوئيّة والحراريّة وتوطينها، وتطويرها وبما يتلاءم مع بيئتها، مع تصميم أنظمة الطاقة الشمسية المتكاملة والملائمة لأجواء المملكة وإجراء التجارب الميدانية لتطوير هذه التقنيات، ودراسة مدى جدوى استخدامها في المملكة ، علاوة على التعاون الوثيق مع الهيئات العلمية المختلفة محليًا ودوليًا.
وزارة للطاقة
وقال خرمي إن إنشاء وزارة للطاقة، يعجل من وضع الخطط والتصاميم وكيفية الاستثمار في صناعة الطاقة المتجددة ويسهم في دمج جهود الجهات الحكومية والخاصة المعنيّة في المملكة وتوفيرفرص استثماريّة جديدة في القطاع الخاص،وتطويرالقوى العاملة المؤهلة في هذا القطاع والذي يمكن استهدافه من قبل رواد الأعمال والمبتكرين.
وأضاف أن المملكة بدأت فعليًا في الإنفاق على دراسات الجدوى والأبحاث والدراسات العلمية، وأقامت مشاريع بالتعاون مع أرامكو وغيرها في هذا المجال، وبدأت في وضع خطط للاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة كالطاقة الشمسية والرياح لتلبية الطلب المحلي المتزايد على المياه والكهرباء بشكل خاص، والطاقة بشكل عام؛ حيث يمكن استخدام الطاقة الشمسية في تحلية مياه البحر وتبريد المباني، وإنتاج الكهرباء وخصوصًا في المناطق النائية والريفية.
عدم وجود تشريعات :
ويرجع خرمي محدودية الاستثمارفي الطاقة المتجددة بشكل عام – رغم وجود جهات ذات خبرات متراكمة مثل أرامكو وشركة الكهرباء السعودية- إلى عدم وجود تشريعات وضوابط للاستثمار في مشاريع هذا القطاع وتمويله ، مشيرًا إلى عزم الحكومة على التغلب على هذه العوائق عبر توطين نسبة كبيرة من سلسلة قيمة الطاقة المتجددة في الاقتصاد حسب رؤية٢٠٣٠؛ حيث تشمل تلك السلسلة خطوات البحث والتطوير والتصنيع وغيرها.
وقال إن الحكومة حددت خطوات لتحقيق هدف توطين الطاقة المتجددة من خلال وضع إطار قانوني وتنظيمي يتيح للقطاع الخاص الملكية والاستثمار في هذا القطاع ،ويوفر التمويل اللازم،متوقعًا أن يكون صندوق الاستثمارات العامة أو الصندوق السيادي المزمع إنشاؤه أحد مصادر التمويل.
دعم الاستثمار:
ودعا خرمي إلى بناء شراكة قوية بين وزارة التعليم ومدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتكنولوجيا ووزارة البترول والثروة المعدنية ووزارة التجارة والصناعة؛ لتمثل انطلاقة قوية لتكوين مجتمع معرفي حول أحدث مشاريع البحوث والتطوير في مجالات الطاقة المتجددة والتقنيات النظيفة، وتجري فيه المشاريع التجريبية، واختبارات التكنولوجيا، وبناء بعض أحدث المباني وأكثرها استدامة على مستوى العالم.
الطاقة النووية
وأكد خرمي ضرورة الاستثمار في الطاقة النووية، خاصة وأنها برزت مؤخرًا كخيار أمثل للمملكة في زيارة سمو ولي ولي العهد إلى روسيا ؛ حيث تم توقيع ست اتفاقيات تشمل تعاونًا في مجال الاستخدام السلمي للطاقة النووية، مشيرًا إلى إسهامها في تنويع إمدادات الطاقة في المملكة مع ضمان أمن الطاقة في المستقبل، بالإضافة لدعم التنمية الاقتصادية.
مستقبل واعد:
وأكد الدكتور أمين يعقوب؛ رئيس الجمعية السعودية للطاقة الشمسية أن صناعة الطاقة المتجددة تشهد تسارعًا في الاستثمار حول العالم؛ لكونها توفر مصادر بديلة عن الطاقة الأحفورية؛ وبالتالي تزيد نسبة مستوى أمن الطاقة المحلي، كما أنها مصادر نظيفة تقلل من انبعاث الكربون و تحقق الأهداف البيئية واستراتيجيات تغير المناخ، علاوة على تناقص كلفتها عبر الزمن نتيجة زيادة الإنتاج، كما توفر طاقتا الشمس و الرياح فرصًا استثمارية ذات عوائد متميزة.
وقال إن توجه المملكة للاستثمار في الطاقة المتجددة – والذي جاء ضمن رؤية المملكة 2030 و خطة التحول الوطني ٢٠٢٠ – جاء بعد عمل دراسات تقنية و اقتصادية مستفيضة، قامت بها جهات كثيرة مثل مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية و المتجددة، و مدينة الملك عبد العزيز للعلوم و التقنية وغيرهما ؛ حيث تم بحث استخدام هذه المصادر في ظل وجود تحديات مناخية في المملكة كالحرارة العالية و العواصف الترابية، بالإضافة إلى تراجع أسعار النفط خلال السنوات الأخيرة وما نتج عنه من تداعيات اقتصادية على الدول المصدرة للنفط.
مبادرات صناعية
ويرى “يعقوب” أن مستقبل الطاقة المتجددة واعد جدًا، مبينًا أن صناعات الطاقة البديلة بالمملكة ، بدأت في عام ٢٠١١ ، سبقها عدة مبادرات صناعية في مجال الطاقة الشمسية كان من ضمنها مصنع البولي سليكون بمدينة الجبيل الصناعية، و مصانع للألواح الشمسية كمصنع التكنولوجيا الخضراء بالرياض، ومصنعي تقنيات الصحراء الأفندي في جدة، ومصنع تقنية بالطائف، ومصنع شركة التقنيات المتقدمة في مجال المحولات الكهربائية الخاصة بالطاقة الشمسية، علاوة على تحالفات سيعلن عنها قريبًا.
وحول إمكانية استيعاب البنية التحتية لهذه الصناعة، يرى يعقوب أن هناك مؤشرات إيجابية تدل على ذلك، منها سياسات خصخصة قطاع الكهرباء، وتقسيم شركة الكهرباء إلى شركات مستقلة للإنتاج والنقل والتوزيع.
ويتفق يعقوب مع من يرى أن الفجوة التقنية وغياب الكادر التقني والهندسي المحلي من معوقات هذه الصناعة؛ أما المعوق الرئيس فهو التنظيمات والسياسات التي تحفز على استخدام مشاريع الطاقة المتجددة، مثل مسودة تنظيم لأنظمة الطاقة الشمسية الصغيرة والتي أعلنت عنها هيئة تنظيم الكهرباء والإنتاج المزدوج.
استقطاب الخبرات
ويرى “يعقوب” أن القطاع السعودي ينقصه الخبرة الكافية في هذا المجال إذٰا ما قورن بالشركات الأجنبية، مشيرًا إلى أن استقطاب الخبرات، وإجراء الشراكات و التحالفات، فضلًا عن استراتيجيات الاستثمار والاستحواذ سوف يمكن الشركات السعودية من المساهمة في تنفيذ مشاريع البرنامج الوطني للطاقة المتجددة.
وأضاف أن هناك شركات سعودية عالمية يمكنها دعم صناعة الطاقة المتجددة مثل شركة أكواب اور، وعبد اللطيف جميل، وفاس الحكير، والفنار وغيرها، ممن تمكنوا في المنافسة على مستوى العالم العربي بالإضافة الى الأسواق العالمية المنافسة مثل جنوب افريقيا، و المكسيك وأستراليا.
وقال إن الجمعية السعودية لصناعات الطاقة الشمسية تعمل على رفع مستوى الوعي بإمكانيات الطاقة الشمسية وأهمية الاستثمار في صناعاتها، علاوة على التدريب و البحث و التطوير؛ وذلك عبر تنظيم الندوات والمؤتمرات، واستضافة البعثات الأجنبية المهتمة بالاستثمار في السوق السعودي، وبناء شراكات و تحالفات مع كلٍ من القطاع العام والخاص في المملكة، كما تنظم بعثات للخارج للشركات السعودية للتعرف عن قرب على التجارب العالمية الرائدة.
طاقة لا تنضب:
ويقول الدكتور عبد رب النبي أبو أيوب؛ مدير الطاقة المتجددة بالشركة الأساسية للإلكترونيات المحدودة إن ميزة الطاقة المتجددة أنها لا تنضب (الشمس – الرياح – الحرارة … إلخ)، وغير مُلوِثة للبيئة، ومنافسة من حيث سعر الكهرباء المستمدة من مصادر الطاقة التقليدية.
وأوضح أن المملكة تتمتع بموقع متميز يسمح لضوء الشمس بالسطوع لمدة أطول، خاصة وأن الطاقة الإشعاعية للشمس تبلغ نحو 2200 كيلووات / ساعة / متر مربع؛ ما يتيح لها استخدام الطاقة الشمسية بفعالية وكفاءة عالية.
وأضاف أن الطاقة المتجددة تقلل من ظاهرتي انبعاث ثاني أكسيد الكربون وتقلل من ظاهرة الاحتباس الحراري، واللتان تؤثران سلبًا على صحة الإنسان، مشيرًا إلى أن المملكة ينتظرها مستقبل واعد يتيح لها لاحقًا تصدير الطاقة الكهربائية؛ وبالتالي يشكل مصدرًا للدخل القومي.
ويؤكد د.أيوب أن المملكة مؤهلة للعمل بهذه المصادر بما تمتلكه من مؤسسات تعليمية ومراكز بحثية ومراكز تدريب، تتيح للعلماء والباحثين والمهندسين وطلاب الجامعات والمراكز البحثية والعلمية، العمل على تطوير ونقل العلوم والمعارف في هذا المجال عبر المشاركة في مؤتمرات وندوات ودورات علمية وتدريبية وإنشاء محطات طاقة متجددة لإجراء الدراسات والتجارب.
ومثَّل ذلك بما قامت به الشركة الأساسية للإلكترونيات المحدودة، من بناء نظام للطاقة المتجددة يحوي عددًا من تقنيات الطاقة المتجددة في وادي الرياض للتقنية بجامعة الملك سعود، ساهم في مساعدة بعض الباحثين من طلاب الماجستير والدكتوراة في دراساتهم.
ويرى د.أيوب أن سبب تأخر نشر الطاقة المتجددة هو انخفاض سعر الطاقة الكهربائية، علاوة على عدم انتهاء كافة التشريعات والقوانين واللوائح المنظمة لتوليد وتوزيع واستخدام الطاقة المتجددة، وعدم تقديم حوافز ومميزات من قبل الدولة لتشجيع الاستثمار الداخلي والخارجي في هذا المجال.
ترجمة الابتكارات
ويرى المخترع علي علاء الدين أن هذا النوع من الطاقة في المملكة في طور التشكَل، ويحتاج إلى جهود مضنية من حيث الاستثمارات الضخمة، مؤكدًا أن السبب الرئيس وراء تأخر نشر الطاقة المتجددة ، هو أنها لم تكن ذات جدوى اقتصادية.
ويوضح “علاء الدين” أن القطاع الخاص السعودي المختص بصناعة الطاقة المتجددة، ليس مؤهلًا حاليًا لخوض تجربة الاستثمار في هذا المجال؛ لتكلفته العالية، ،وطول وقت المردود المالي؛ لأنه استثمار استراتيجي؛ وذلك بالرغم من تمتع المملكة بحركة رياح نشطة طوال العام ؛ ما يوفر طاقة إنتاجية كبيرة تبلغ نحو 20% من إجمالي الطاقة السعودية على المدى البعيد.
ودعا الجهات المختصة، إلى تشجيع الباحثين للتعمق في دراسة هذا المجال، وعمل مراكز بحثية متخصصة فيه لمواكبة التطور فيه، وإنشاء معامل متخصصة، واستقطاب العلماء من الخارج لتطوير هذه الأنظمة ، وترجمة كل الابتكارات والاختراعات الخاصة بهذا الجانب لواقع عملي، مع تحفيز هذه المجموعة ماديًا ومعنويًا.
تقارير:
من جهة أخرى أفاد تقرير لـ “أورينت بلانيت للأبحاث”- بعنوان “الطاقة النظيفة في دول الخليج العربي”- أنّ التحول نحو الطاقة النظيفة والمتجددة يحقق وفرًا هائلًا يبلغ نحو 87 مليار دولار، فضلًا عن تخفيض الانبعاث الكربوني إلى1 جيجا طن بحلول عام 2030.
وتوقع التقرير أن تحقق المملكة ، وفرًا بقيمة 170 مليون برميل من مصادر النفط والغاز بحلول عام 2030؛ أي ما يعادل 44% من إجمالي الوفر في منطقة الخليج العربي.
برواز 1
حزمة مشروعات:
أعلنت المملكة مؤخرًا عن حزمة من مشروعاتها للطاقة المتجددة؛ إذ أطلق د. خالد الفالح؛ وزير الطاقة والصناعة والتعدين وثائق مناقصات مشروع سكاكا للطاقة الشمسية بطاقةٍ قدرها 300 ميجاواط، كما أعلن عن إطلاق مناقصة مشروع لطاقة الرياح طاقته 400 ميجاواط، عقب اكتمال دراسته.
وقال الفالح، إن المرحلة الثانية من البرنامج الوطني للطاقة المتجددة – التي تبلغ الطاقة الإجمالية لمشروعاتها1200 ميجا واط- ستبدأ بإطلاق وثائق طلبات التأهيل لمشروعٍ طاقة الرياح بطاقة تبلغ 400 ميجا واط ، في دومة الجندل شمال المملكة، خلال الربع الأخير من عام 2017م.
برواز 2
يتم إنشاء مشروعات للطاقة الشمسية، في مواقع مختلفة، بطاقةٍ إجمالية تبلغ 620 ميجا واط ؛ حيث يشمل برنامج الطاقة المتجددة تطوير 30 مشروعًا تُنفّذ خلال السنوات السبع القادمة، لتضيف نحو 10 جيجاواط من الطاقة الكهربائية، المُنتجة من المصادر المتجددة، إلى مزيج الطاقة الكهربائية في المملكة.
وتأهلت لهذه المشروعات 27 شركة لمناقصة مشروع الطاقة الشمسية بحجم 300 ميجاواط، و24 شركة لمناقصة مشروع طاقة الرياح بحجم 4000 ميجاواط؛ حيث تم تقسيم الشركات إلى 3 فئات: هي “مدراء مشاريع” أو “مدراء فنيّون” أو كلاهما، وذلك بناءً على خبرتهم في العمل على مشاريع إنتاج مستقل بهذا الحجم.
تحقيق: محمد فتحي