تحظى ليزا كوك بمكانة بارزة في عالم الاقتصاد، فهي لم تكتفِ بتحقيق إنجازات أكاديمية مرموقة، بل أصبحت أول امرأة سوداء تتولى منصبًا في مجلس محافظي الاحتياطي الفيدرالي، وهو إنجاز تاريخي يعدّ تتويجًا لمسيرة حافلة بالجهد والتميز.
وقبل تعيينها في هذا المنصب الرفيع كانت ليزا انتُخبت عضوة في مجلس إدارة بنك الاحتياطي الفيدرالي في شيكاغو. ما يؤكد خبرتها الواسعة وثقة المؤسسات المالية بها.
وتعدّ ليزا من الخبراء في الاقتصاد الدولي، لا سيما الاقتصاد الروسي، فقدمت المشورة لصناع السياسات بدءًا من إدارة أوباما وصولًا إلى حكومتي نيجيريا ورواندا، وهو ما يبرهن على تأثيرها العالمي.
وتركز أبحاثها على تقاطع الاقتصاد الكلي والتاريخ الاقتصادي، مع أعمال حديثة تتعلق بتاريخ الأمريكيين الأفارقة واقتصاديات الابتكار. وهي من بين القلائل من النساء السود البارزات في مجال الاقتصاد.
كما حظيت باهتمام واسع في الأوساط الأكاديمية؛ بفضل جهودها في توجيه النساء السود وتشجيع إدماجهن في هذا المجال.
الحياة المبكرة والتعليم
وُلدت ليزا كوك في 13 يونيو عام 1964م، وهي واحدة من ثلاث بنات لقسّ معمداني يعمل في المستشفى (بايتون بي. كوك) وأستاذة التمريض في كلية جورجيا (ماري موراي كوك).
ونشأت في مدينة ميليدجفيل بولاية جورجيا، وخلال طفولتها شاركت في جهود إنهاء الفصل العنصري بالمدارس، وما زالت تحمل ندوبًا جسدية جراء اعتداءات من مناصري الفصل العنصري عندما التحقت بمدرسة كانت مخصصة للبيض سابقًا. وهو ما يعكس صراعها المبكر ضد الظلم.
وهي ابنة عم الكيميائي بيرسي جوليان؛ أول أمريكي من أصل إفريقي يترأس مختبرًا بحثيًا لشركة كبرى.
وفي إطار تعليمها حصلت ليزا على بكالوريوس في الفيزياء والفلسفة (مع مرتبة الشرف) من كلية سبيلمان عام 1986؛ حيث اختيرت ضمن برنامج منح هاري إس. ترومان. ثم التحقت بكلية سانت هيلدا في جامعة أكسفورد كأول طالبة من سبيلمان تحصل على منحة مارشال، ونالت بكالوريوس آخر في الفلسفة والسياسة والاقتصاد عام 1988.
وبعد رحلة تسلق جبل كليمنجارو مع اقتصادي بدأت تفكر بجدية في نيل الدكتوراه بالاقتصاد. وبفضل إصرارها حصلت على دكتوراه في الاقتصاد من جامعة كاليفورنيا – بيركلي عام 1997 تحت إشراف باري إيشنغرين وديفيد رومر؛ حيث تناولت أطروحتها ضعف النظام المصرفي في روسيا القيصرية وما بعد الاتحاد السوفيتي.
المسيرة المهنية
عملت ليزا كوك كأستاذة زائرة في كلية كينيدي بجامعة هارفارد وكلية إدارة الأعمال بهارفارد بين عامي 1997 و2002. وشغلت منصب نائبة مدير برنامج بحوث إفريقيا في مركز هارفارد للتنمية الدولية.
ومن 2000 إلى 2001 كانت مستشارة أولى في وزارة الخزانة الأمريكية في مجالي التمويل والتنمية ضمن زمالة العلاقات الدولية بمجلس العلاقات الخارجية.
كما عملت زميلة في مؤسسة هوفر بجامعة ستانفورد بين عامي 2002 و2005، وهو ما يدل على خبراتها المتنوعة. وقدمت المشورة للحكومة النيجيرية في إصلاحاتها المصرفية عام 2005، ولحكومة رواندا في التنمية الاقتصادية.
خبيرة اقتصادية أولى
وفي سياق مسيرتها التحقت ليزا بجامعة ولاية ميشيغان عام 2005 كأستاذة مساعدة، وأصبحت أستاذة مشاركة دائمة عام 2013. كذلك عملت كخبيرة اقتصادية أولى في مجلس المستشارين الاقتصاديين التابع لإدارة أوباما بين عامي 2011 و2012.
في حين ركزت أبحاثها المبكرة على الاقتصاد الدولي، خاصة الاقتصاد الروسي، ثم اتسع نطاقها ليشمل التاريخ الاقتصادي للأمريكيين الأفارقة. وأظهرت أبحاثها أن العنف ضد السود في حقبة قوانين “جيم كرو” أدى إلى انخفاض عدد براءات الاختراع المسجلة مقارنة بالمعدل المتوقع.
كما شاركت في إنشاء قاعدة بيانات طويلة الأمد عن جرائم الإعدام خارج نطاق القانون في الولايات المتحدة.
ومنذ عام 2016 أشرفت على البرنامج الصيفي لجمعية الاقتصاد الأمريكية للطلاب من الأقليات غير الممثلة.
وفي 2019 أصبحت عضوة في اللجنة التنفيذية للجمعية. وخلال نوفمبر 2020 شاركت كعضوة متطوعة في فريق مراجعة الوكالات ضمن مرحلة انتقال إدارة بايدن، لدعم جهود الانتقال المتعلقة بالاحتياطي الفيدرالي.
اتهامات الاحتيال ومحاولة العزل
شهد الرابع عشر من يناير 2022 ترشيح الرئيس جو بايدن لليزا لتكون محافظة الاحتياطي الفيدرالي. ولاحقًا؛ أي في العاشر من مايو، أقرّ مجلس الشيوخ الأمريكي تعيينها بتصويت متكافئ (50-50)، حسمته نائبة الرئيس كامالا هاريس، لتتولى المنصب رسميًا الثالث والعشرين من مايو 2022. وجرى المصادقة على ترشيحها لفترة كاملة مدتها 14 عامًا، وذلك سبتمبر 2023.
وعلى صعيد آخر اتهمها مدير وكالة التمويل العقاري الفيدرالية، بيل بولتي، بارتكاب احتيال عقاري يوم الخامس عشر من أغسطس 2025. وبناءً عليه أرسل خطاب إحالة إلى المدعية العامة بام بوندي، طالبًا فتح تحقيق من وزارة العدل.
وبالتالي بدأ مكتب العفو بوزارة العدل تحقيقًا جنائيًا بحق ليزا كوك سبتمبر 2025 إثر هذه الاتهامات. ولكن نشرت وكالة “رويترز” تحليلًا لوثائق قروض وسجلات عقارية قدمتها ليزا يوم الثاني عشر من سبتمبر، ناقض بشكل مباشر مزاعم إدارة ترامب ضدها.
محاولات “ترامب”
في الخامس والعشرين من أغسطس 2025،د أعلن الرئيس دونالد ترامب إقالتها من مجلس محافظي الاحتياطي الفيدرالي بحجة “سلوك مخادع وربما إجرامي”. إلا أن القانون الفيدرالي يسمح بإقالة المحافظين فقط “لسبب مشروع”، وهي آلية وضعت لحماية استقلالية البنك المركزي.
وردًا على هذه المحاولات رفضت ليزا كوك الاتهامات ورفعت دعوى قضائية في محكمة فدرالية. مؤكدة أن إقالتها غير قانونية وذات دوافع سياسية. ومع استمرار القضية ما زالت تعد قانونيًا محافظة نشطة بانتظار قرار قضائي بشأن ما إذا كان للرئيس صلاحية عزلها.
وفي سبتمبر 2025 أصدر مئات الاقتصاديين (منهم حائزون على نوبل) رسالة مفتوحة تحذر من تقويض استقلالية البنك المركزي إذا استمرت محاولات عزلها.
ويوم التاسع من سبتمبر أوقف قاضٍ اتحادي قرار ترامب بشكلٍ مؤقت. ما سمح لها بالتصويت في اجتماعات الاحتياطي الفيدرالي.
وأظهرت وثائق جديدة نشرتها “رويترز” أن ليزا كوك صرّحت بأحد العقارات كـ”منزل عطلات” وليس كإقامة رئيسة. ما يدحض بشكل مباشر مزاعم الاحتيال. وفي الخامس عشر من سبتمبر أيدت محكمة الاستئناف القرار، فيما لجأت إدارة ترامب إلى المحكمة العليا بطلب عاجل لإلغاء الحكم.