يا قدس يا مدينة تفوح أنبياء، يا أقصر الدروب بين الأرض والسماء، يا قدس يا منارة الشرائع، ياطفلة جميلة محروقة الأصابع، حزينة عيناك يا مدينة البتول، يا واحة ظليلة مرّ بها الرسول، حزينة حجارة الشوارع، حزينة مآذن الجوامع، يا قدس يا جميلة تلف بالسواد، من يحمل الألعاب للأولاد، من يوقف العدوان، عليك يا لؤلؤة الأديان.
كانت هذه بعض كلمات الشاعر نزار قباني، فليس هناك من يوقف العدوان المتكرر على القدس الشريف، وقتل الأطفال والنساء في غزة، في الوقت الذي يضرب فيه الأشقاء الفلسطينيون أروع الأمثلة على الصمود والتشبث بالأرض، والرجاء بالنصر القريب.
صائدو الفرص
دعتني هذه الأحداث، إلى تذكير رواد الأعمال بالجوانب الاقتصادية في أوقات الحروب؛ إذ يرتفع الطلب على سلع كانت تُعاني من الكساد قبل هذه الأحداث، ويتقلص الطلب على سلع أخرى كانت تتمتع برواج كبير.
إنها نظرية اقتصادية تُلقي بظلالها على أرباح المتاجرين بهذه السلع، فصائدو الفرص هم “صُناع المظلات” الحاذقون الذين ينتظرون الغيوم الممطرة، ليجنوا الأرباح مع سقوط أول قطرة مطر، وربما يخرج البعض من هذه الأحداث عضوًا بنادي المليونيرات.
منتهزو الفرص الأشرار
إنَّ لكل حرب أغنياءها الجدد الذين تستفيد بضائعهم من حالة الحرب، وتلقى رواجًا هائلًا بأسعار مضاعفة، ولكن من المهم التفريق بين منتهزي الفرص الأشرار الذين يزدادون تُخمة على حساب دماء المحرومين والمُضارين بسبب الحروب أو الكوارث، وبين صائدي الفرص الذين يتمتعون بُحسن التوقع والتخطيط لاغتنام الفرص المتاحة كرجال أعمال شرفاء ومجتهدين.
رواد أعمال مبتكرون
أذكر من الحوادث الطريفة التي تتعلق برواد الأعمال المبتكرين، أنه أثناء العدوان الأمريكي على أفغانستان، توصل شاب أفغاني بسيط إلى فكرة حولت مجرى حياته؛ حيث كان يصعد كل يوم إلى جبل خارج قريته ويضع كشافًا وسط الصخور، ثم تأتي الطائرات الأمريكية لتطلق وابلًا من صواريخها باتجاه ضوء الكشاف البسيط؛ فيستقل الشاب صباحًا عربة لتجميع الحديد الناتج عن الصواريخ ويخزنه، فلما انتهت الحرب باع الحديد لجهات مختلفة؛ ليصبح في شريحة اقتصادية أعلى من ذي قبل.
وكان العَلَمُ المصري دائمًا هو السلعة الأولى التي يزيد الإقبال على شرائها في أوقات الحروب التي مرت بها مصر؛ حيث كانت تنهال الطلبات على صانعي الأعلام لطلب كميات كبيرة منها وبأحجام مختلفة؛ وهو نفس الأمر الذي يحدث الآن للعلم والشال الفلسطيني الشهير.
في حرب الخليج الثانية في مطلع التسعينيات، توصل أحد صغار التجار بالمنطقة الشرقية بالسعودية إلى فكرة الانتقال إلى مدينة الجبيل؛ لافتتاح محل صغير لبيع مستلزمات ومواد وأدوات تساعد الجنود الأجانب المتجهين إلى الكويت للتغلب على شمس الخليج الحارقة، وآخر يبيع تذكارات ومجسمات للبعير ومكونات الصحراء لنفس الجنود ليحتفظوا بها بعد عودتهم إلى بلادهم.
تأسيس شركات متنوعة
في أوقات الحروب، يمكن -على سبيل المثال- تأسيس شركة لتصميم وتنفيذ تطبيق جوال يوفر معلومات عن طرق السلامة والوصول إلى الخدمات الإنسانية، وشركة لإنتاج أغذية وملابس مقاومة للظروف القاسية، وللاجئين بالمخيمات، وشركة تقدم خدمات التعليم عن بُعد، وشركة تزود الناس بالطاقة الشمسية أو غيرها من مصادر الطاقة المتجددة، في ظل انقطاع الكهرباء وقصف البنَى التحتية، وشركة تنظم أنشطة اجتماعية وثقافية لتعزيز التماسك الاجتماعي، وغيرها من أفكار الشركات التي تستفيد من فرص جديدة؛ بسبب الطلب على الإمدادات العسكرية، وزيادة الحاجة إلى الابتكار، وتغير الاحتياجات والأولويات.
الاحتياجات الأساسية
وتركز هذه الشركات على الاحتياجات الأساسية؛ مثل الطعام والمأوى والمياه والأدوية، والمنتجات والخدمات التي تساعد الناس على التواصل؛ مثل خدمات الاتصالات ووسائل الإعلام، والمنتجات والخدمات التي تساعد الناس على البقاء آمنين؛ مثل معدات الحماية الشخصية وخدمات الأمن، والمنتجات والخدمات التي تساعد الناس على التكيف مع الحياة الجديدة؛ مثل التعليم والتدريب والدعم النفسي.
تراجع الاستثمارات
على الجانب الآخر، تكمن التأثيرات السلبية للحروب في تراجع الاستثمارات؛ نتيجة القلق بشأن الاستقرار السياسي والاقتصادي، وصعوبة الوصول إلى الموارد؛ مثل التمويل والمواد والعمالة، فتزيد المخاطر التي تتعرض لها الشركات الناشئة؛ كصعوبة الوصول للعملاء، وضعف قوتهم الشرائية.
التفكير خارج الصندوق
بقدر ما تكون أوقات الحروب والكوارث مؤلمة، بقدر ماتكون مُلهمة للمبتكرين والمبدعين ذوي القدرة على التفكير خارج الصندوق ومواجهة التحديات، وتحويل المِحَن إلى مِنَح، مثلما نجحت المقاومة الفلسطينية في إدخال طائرات شراعية مُحملة بمقاتلين، مُحدثةً تقدمًا لم يتوقعه جيش الاحتلال، رغم أنها تعمل بمحركات بدائية، بل وتجاوزت الحدود وأبراج المراقبة والأسلاك الشائكة من السماء، بينما القبة الحديدية الإسرائيلية مصممة لردع صواريخ الفصائل التي تُطلَق من قطاع غزة، وليست مُعدة للطائرات الشراعية.