تجسد قصة علي قدسي، عالم الحاسوب ورائد الأعمال السويدي الأمريكي، نموذجًا بارعًا ومضيئا للتحول الفاعل من قاعات البحث الأكاديمي الرصين إلى قيادة الصناعات التكنولوجية الضخمة التي تشكل مستقبل البيانات.
يتمتع قدسي بمسيرة علمية زاخرة بالمنجزات؛ حيث تخصص بتركيز عميق في مجالات الأنظمة الموزعة والبيانات الضخمة. كذلك ساهم بتأليف أوراق بحثية مؤثرة، كان أبرزها عمله الرائد على محركي Apache Mesos وApache Spark SQL.
تُوِّجت هذه الجهود الأكاديمية بحصوله على درجة الدكتوراه من المعهد الملكي للتكنولوجيا السويدي. فضلًا عن مساهمته بتأسيس شركة Peerialism AB، وهو ما رسم خطاه المبكرة نحو الريادة التجارية.
ولاحقًا انضم قدسي إلى جامعة كاليفورنيا في بيركلي كباحث زائر، وهناك تبلورت إسهاماته الكبرى؛ إذ ساهم بفاعلية في إطلاق مشروعي Apache Mesos وApache Spark. ليؤسس بذلك البنية التحتية لجيل جديد من تحليل البيانات.
النشأة والتكوين العلمي الأكاديمي
وُلِد علي قدسي في 15 ديسمبر 1978، وهو عالم حاسوب ورائد أعمال سويدي أمريكي من أصل فارسي. ويعدّ أحد أبرز المتخصصين بالأنظمة الموزعة ومعالجة البيانات الضخمة.
كما يتميز بخلفية تعليمية متينة ومتعددة التخصصات، كان لها بالغ الأثر بمسيرته اللاحقة.
وعلميًا حصل قدسي على درجة الدكتوراه بعلوم الكمبيوتر عام 2006 من المعهد الملكي للتكنولوجيا (KTH) بالسويد، وكان ذلك تحت إشراف الأستاذ سيف هريدي. ويسبق هذه الدرجة العليا حصوله على ماجستير بهندسة الحاسوب عام 2002. إضافة إلى ماجستير بإدارة الأعمال بمجالات اللوجستيات والتسويق من جامعة ميد-سويدِن خلال العام ذاته.
المساهمات البحثية
بعد مسيرته الأكاديمية المبكرة عمل قدسي أستاذًا مساعدًا في المعهد الملكي للتكنولوجيا من عام 2008 حتى عام 2009. وخلال هذا العام تحديدًا، انضم إلى جامعة كاليفورنيا، بيركلي، بوصفه باحثًا زائرًا.
وهناك انخرط بالعمل البحثي مع مجموعة من الأكاديميين البارزين، منهم: سكوت شينكر وأيون ستويكا ومايكل فرانكلين وماتي زاهاريا؛ ضمن مشاريع تركّز على الأنظمة الموزعة وقواعد البيانات والشبكات.
وخلال هذه الفترة المثمرة في بيركلي ساهم قدسي بإطلاق مشروعي “Apache Mesos” و”Apache Spark”، اللذين يعدّان من أهم التقنيات المفتوحة المصدر بعالم البيانات.
كذلك شارك في ابتكار مفهوم عدالة الموارد المهيمنة، وذلك بورقة بحثية أثّرت بعمق في إدارة الموارد وتصميم الجدولة بالأنظمة الموزعة الكبرى مثل “Hadoop”.
تأسيس Databricks وبداية التحول التجاري
وفي عام 2013 شارك قدسي بتأسيس شركة “Databricks”، وهي شركة انطلقت بهدف تسويق وتطوير محرك التحليلات الشهير “Apache Spark”. وبدأ العمل بالشركة كمهندس بدوام جزئي، لكن مساره داخلها سرعان ما تغيّر.
جاء تأسيس “Databricks” بالتعاون مع ستة أكاديميين آخرين من جامعة كاليفورنيا في بيركلي، الذين كانوا جزءًا من الفريق المؤسس لمُحرك التحليلات “Spark”. ويذكر أن هذا التأسيس هو النقطة التي التقت فيها العبقرية العلمية بإمكانات السوق الهائلة مع معالجة البيانات الضخمة.
القيادة التنفيذية والتحول الناجح للشركة
وفي عام 2016 تولى قدسي منصب الرئيس التنفيذي لشركة “Databricks”. جاء هذا التعيين في وقت كانت الشركة تكافح خلاله لتوليد الإيرادات اللازمة لتحقيق نموها التجاري المطلوب.
لكن نجح الرئيس التنفيذي الجديد لأول مرة بإحداث تحول كبير وملموس بمسار الشركة. وذلك بعد تجديد هيكلها القيادي وتطوير عروض المنتجات.
هذا التحول الإداري والإستراتيجي قاد الشركة إلى مسار النمو المتسارع، الأمر الذي يؤكد قدرة قدسي على دمج القيادة الإدارية بالرؤية التقنية العميقة.
الإنجازات المليارية ومستودع البيانات
تقدّر قيمة هذه الشركة الناشئة، التي تستخدم الذكاء الاصطناعي لتشغيل ما وصفه قدسي بـ”مستودع البيانات” (Data Warehouse)، بمليارات الدولارات.
وبحسب تقديرات مستثمرين من القطاع الخاص قدرت قيمة “Databricks” بنحو 62 مليار دولار يناير 2025.
هذا التقييم الهائل يؤكد الأثر العظيم الذي يمكن أن يولّده دمج العبقرية العلمية بالتطبيق التجاري الرائد. كما تساعد منتجات “Databricks” الشركات على تخزين بياناتها بفاعلية والاستفادة منها وتحويلها إلى رؤى عملية باستخدام الذكاء الاصطناعي. وهو ما يعزز مكانتها بوصفها قوة مهيمنة بسوق تحليل البيانات.
رحلة نموذجية
في المحصلة يشكّل مسار علي قدسي المهني رحلة نموذجية تجسد التكامل الملهم بين الإنجاز الأكاديمي الرصين والريادة التجارية المبهرة.
بينما أسست مساهماته العلمية الرائدة في مشاريع Apache Spark وMesos القاعدة التقنية اللازمة. إذ شكّلت الأساس الذي انطلقت منه شركة Databricks.
وبذلك برهن علي قدسي على أنّ النجاح في قيادة شركات التكنولوجيا العملاقة يتطلب مزيجًا فريدًا يجمع بين الرؤية التقنية العميقة والقدرة الفائقة على التحول الإداري الإستراتيجي. لا سيما عند مواجهة تحديات النمو التجاري الأولية.