أتابع بفخر واعتزاز هذه النجاحات المتوالية والقفزات الواسعة للاقتصاد السعودي، وسعدت أيما سعادة بتصريحات معالي الدكتور محمد بن سليمان الجاسر وزير الاقتصاد والتخطيط السعودي التي تعكس النجاحات المتوالية التي حققتها المملكة على الرغم من الأزمات الاقتصادية العالمية الطاحنة التي لم تنج منها حتى الولايات المتحدة الأمريكية أو أوروبا. ولعل من الشواهد على هذه النجاحات استقرار معدل التضخم في المملكة، كما أن الناتج المحلي الإجمالي لعام 2011 حقق ارتفاعًا يصل إلى 2.163 تريليون ريال (576.8 مليار دولار)، بنسبة ارتفاع 27.96عن العام السابق له، وبالأسعار الثابتة بلغت قيمة الناتج المحلي عام 2011 ما يلامس بنسبة ارتفاع 6.77% بلغت فيه مساهمة القطاع الخاص بالأسعار الجارية، ما نسبته 14.25%، وبالأسعار الثابتة ما نسبته 8.28%. وفي رأي الدكتور توفيق بن فوزان الربيعة وزير التجارة والصناعة السعودي، فإن ذلك يعكس ما يشهده القطاع الخاص من نمو إيجابي في أنشطته الاقتصادية المختلفة، مبينًا أن من أبرزها قطاع الصناعات التحويلية، الذي حقق نموًا نسبته 22% لعام 2011، ونتطلع لأن يسهم القطاع الخاص في تنوع مصادر الاقتصاد في عام 2025م.
لقد ساعد في ذلك المزايا الكثيرة التي تتميز بها المملكة وأهمها مركزها المالي المرموق، الذي يشكل فيه الدين الحكومي نسبة لا تزيد على 6% فقط في الناتج المحلي الإجمالي، فضلًا عما تملكه من احتياطيات خارجية كبيرة، بجانب الإنفاق الهائل على التجهيزات الأساسية والتعليم والصحة، إضافة إلى تمتع المملكة بنظام مصرفي يستند إلى أسس متينة وصناعات نفطية وبتروكيماوية تضاهي أرقى المستويات العالمية، بالإضافة إلى وجود صناعة تعدينية واعدة وفق أعلى المستويات العالمية، خاصة في مجالات الفوسفات والألمنيوم.
وما كان ليتحقق كل هذا إلا بالاستقرار الذي تعيشه المملكة في ظل رعاية خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز- حفظه الله- الذي أولى شعبه الرعاية ومكنه من الصدارة؛ فالسعودية الآن صاحبة الاقتصاد الأكبر في منطقة الشرق الأوسط،، وباتت ذات أهمية قصوى للاقتصاد العالمي بوصفها عضوًا في مجموعة العشرين الدولية.
ولعل ما ساعد في الحفاظ على ما وصلنا إليه وما يدفعنا لنجاحات مستقبلية تمكن لمكانة السعودية إقليميًا ودوليًا، هو هذا التوجه في توظيف استثمارات هائلة في مجال التحول المعرفي، والتوسع في قطاع اقتصاد المعرفة وانتشار خدمات تقنيات الاتصالات الحديثة وقيام الجامعات السعودية بتعزيز البحث العلمي وإسباغ المكانة العليا للباحثين والمطورين والاهتمام بتعليم الرياضيات والعلوم في مناهج التعليم العام في مراحل سنية مبكرة تتوق للمعرفة وبناء العبقرية، ولعل قرار الحكومة في البلاد برصد 1.4 تريليون ريال (373 مليار دولار) لتنفيذ الخطة التنموية التاسعة الحالية وتوجيه نصف هذا المبلغ؛ أي 731 مليار ريال (194 مليار دولار) لتنمية الموارد البشرية بما في ذلك تطوير التعليم العام والتعليم العالي والتدريب الفني والمهني والعلوم والتقنية والابتكارات، يعكس إيمانًا عميقًا بمستقبل اقتصاد المعرفة، وأيضًا ريادة الأعمال في إنجاح خطط التنمية والعمل على القفز بخطوات واثقة وسريعة في طريق التقدم المنشود.
وإذا كانت البطالة من التحديات الكبرى التي تواجه المجتمع، فإن هذا التوجه بضخ الاستثمارات الحكومية الكبيرة في الصناعات التحويلية الكبرى، ودعم الاستثمارات في اقتصاد المعرفة، والاهتمام بريادة الأعمال، ودعم أصحاب المبادرات، وتشجيع الصناعات الصغيرة والمتوسطة لكافٍ للحد من البطالة وخلق الملايين من فرص التشغيل.
فلا يخفى على أحد أن ريادة الأعمال والقطاع الخاص والمشروعات الصغيرة والمتوسطة لقادرة على استحداث الأعداد الكبيرة والمتنوعة من الفرص الوظيفية المتنوعة وغير التقليدية لاستيعاب الأعداد المتزايدة من العمالة الوطنية التي تدخل سوق العمل سنويًا.
ولا ننسى أن الدعم الكبير للموارد البشرية سيوجه فيه جانب كبير لرفع القدرة التنافسية ورفع كفاءة الإنتاجية للفرد السعودي من خلال التدريب والتأهيل وبرامج رفع القدرات تماشيًا مع سوق العمل والتقدم الهائل في التكنولوجيا والتقنية، الأمر الذي سيقلل من اعتماد المملكة على العمالة الوافدة والعودة للاعتماد على العمالة السعودية.
إنني أستشرف ما ستكون عليه الصورة عما قريب في المملكة العربية السعودية بفضل قيادتها الحكيمة والواعية التي لا تبخل بدعم أو جهد، فما تقوم به يصب في صالح تحقيق الأهداف البعيدة المدى، وذلك من خلال توفير قوة عاملة ذات محتوى معرفي عالٍ، وكفاءة إنتاجية مرتفعة تبوء القطاعات ذات المهارات العالية والأجور المرتفعة موقع الصدارة في الاقتصاد المحلي المتنوع في القطاعات.