غيّب الموت العالمة والناشطة العالمية جين جودال، التي كرّست حياتها لحماية البيئة ودراسة سلوك الرئيسيات؛ حيث أعلنت مؤسستها أنها توفيت اليوم الأربعاء عن عمر بلغ 91 عامًا.
كما أوضحت مؤسسة جين جودال في بيان على وسائل التواصل الاجتماعي أن جودال توفيت لأسباب طبيعية. وجاء في البيان: «إن اكتشافات الدكتورة جودال بصفتها عالمة سلوك حيواني أحدثت ثورة في العلم. وكانت مدافعة لا تكل عن حماية واستعادة عالمنا الطبيعي».
النشاط البيئي والحياة البرية
وحوّلت عالمة الرئيسات التي أصبحت ناشطة بيئية، شغفها بالحياة البرية إلى حملة عالمية امتدت طوال حياتها. كما أخذتها من قرية ساحلية في إنجلترا إلى أفريقيا ثم إلى مختلف أنحاء العالم. في مسعى لفهم الشمبانزي بشكل أفضل. وكذلك دور البشر في حماية موائلها وصحة الكوكب بأسره.
كما كانت جودال رائدة في مجالها. سواء بصفتها عالمة أنثروبولوجيا في ستينيات القرن الماضي أو من خلال عملها الرائد في دراسة سلوك الرئيسيات. وقد مهدت الطريق أمام نساء أخريات ليتبعن خطاها، من بينهن العالمة الراحلة ديان فوسي.
كذلك جذبت الجمهور إلى عالم الحياة البرية عبر شراكة مع الجمعية الجغرافية الوطنية. حيث جلبت الشمبانزي التي أحبتها إلى حياة الناس من خلال الأفلام والتلفزيون والمجلات.
وخرقت “جودال” الأعراف العلمية السائدة آنذاك، فأعطت الشمبانزي أسماء بدلًا من أرقام. ولاحظت شخصياتها المميزة، ودمجت علاقاتها الأسرية وعواطفها في عملها.
كما اكتشفت أنها، مثل البشر، تستخدم الأدوات. وقالت في محاضرة لها على منصة «تيد» عام 2002: «لقد وجدنا في النهاية أنه لا توجد حدود فاصلة حادة بين البشر وبقية مملكة الحيوان».
مواجهة تغير المناخ
ومع تطور مسيرتها، تحوّل تركيزها من دراسة الرئيسات إلى الدعوة البيئية بعدما شهدت دمار الموائل على نطاق واسع. فدعت العالم إلى التحرك السريع والعاجل لمواجهة تغيّر المناخ. وقالت لشبكة «سي إن إن» عام 2020: «نحن ننسى أننا جزء من العالم الطبيعي. لا يزال هناك متسع من الوقت».
وفي عام 2003، مُنحت لقب «سيدة الإمبراطورية البريطانية». وفي عام 2025 حصلت على «ميدالية الحرية الرئاسية» في الولايات المتحدة.
من لندن إلى كينيا أو من هي جين جودال؟
وُلدت جودال في لندن عام 1934. كما نشأت في مدينة بورنموث على الساحل الجنوبي لإنجلترا. وكانت تحلم منذ زمن بعيد بالعيش بين الحيوانات البرية. وقالت إن شغفها بالحيوانات، الذي أشعله إهداء والدها لها دمية غوريلا محشوة. تعزّز مع قراءتها لكتب مثل «طرزان» و«دكتور دوليتل».
لكنها اضطرت إلى تأجيل أحلامها بعد إنهاء المدرسة لعدم قدرتها على الالتحاق بالجامعة. فعملت سكرتيرة ثم في شركة أفلام. إلى أن جاءت دعوة من صديقة لزيارتها في كينيا. ففتحت أمامها الطريق إلى الغابة وسكانها.
كذلك بعد أن ادّخرت المال للسفر عبر البحر. وصلت “جودال” إلى شرق أفريقيا عام 1957. وهناك، قادتها مصادفة مع عالم الأنثروبولوجيا وعالم الحفريات الشهير لويس ليكي وزوجته عالمة الآثار ماري ليكي، إلى مسار البحث في الرئيسيات.
وبإشراف “ليكي”، أسست “جودال” محمية غومبي ستريم للشمبانزي. والتي أصبحت لاحقًا «مركز أبحاث غومبي ستريم». قرب بحيرة تنجانيقا في تنزانيا الحالية. وهناك اكتشفت أن الشمبانزي يأكل اللحم. ويخوض حروباً ضارية، والأهم أنه يصنع أدوات لصيد النمل الأبيض.
وعلّق “ليكي” على هذا الاكتشاف قائلًا: «علينا الآن إما أن نعيد تعريف الأداة. أو نعيد تعريف الإنسان، أو نقبل الشمبانزي كبشر».
ورغم أنها أوقفت أبحاثها مؤقتًا لنيل الدكتوراه في جامعة كامبريدج. فإن “جودال” ظلت لسنوات في الغابة. وكان زوجها الأول والمصور السينمائي للحياة البرية. هوغو فان لاويك، شريكها المتكرر في العمل.
ومن خلال تغطية الجمعية الجغرافية الوطنية، أصبحت الشمبانزي في غومبي أسماء مألوفة في العالم، ومن أبرزها «ديفيد ذو اللحية الرمادية» الذي أطلقت عليه هذا الاسم بسبب خصلة شعره الفضية.
وبعد نحو ثلاثة عقود من وصولها إلى أفريقيا، قالت “جودال” إنها أدركت أنها لا تستطيع حماية الشمبانزي من دون معالجة الخطر الأكبر المتمثل في تلاشي موائلها. وهكذا رأت أن عليها أن تخرج من غومبي والغابة، وتلعب دورًا أكبر كناشطة بيئية على الساحة العالمية.
«معهد جين جودال»
في عام 1977، أسست «معهد جين جودال». وهو منظمة غير ربحية هدفت إلى دعم الأبحاث في غومبي وجهود الحماية والتنمية في أنحاء أفريقيا. وقد توسعت أعماله منذ ذلك الحين لتشمل برامج للتعليم البيئي والصحة والمناصرة.
كما أسست لاحقًا برنامج «الجذور والبراعم» الموجه للأطفال. وأمضت معظم سنواتها متنقلة حول العالم بمعدل 300 يوم في السنة. للقاء المسؤولين المحليين، والتحدث إلى المجتمعات والمجموعات المدرسية. وظلت تقوم بجولاتها العالمية حتى عقدها التاسع.
وقالت لصحيفة «نيويورك تايمز» عام 2014، خلال زيارة إلى بوروندي ثم عودتها إلى غومبي: «لا يزال يدهشني أن هناك شخصاً يسافر ويقوم بكل هذه الأشياء. وهذا الشخص هو أنا. لا يبدو أنه أنا على الإطلاق».
كاتبة غزيرة الإنتاج
نشرت “جودال” أكثر من 30 كتابًا، منها كتابها الأكثر مبيعًا عام 1999 بعنوان «سبب للأمل: رحلة روحية»، إضافة إلى كتب عدة للأطفال.
وأكدت مرارًا أنها لم تفقد الثقة في قدرة الكوكب على التعافي أو في قدرة البشر على مواجهة التحديات البيئية. كما قالت عام 2002: «نعم، هناك أمل… إنه بين أيدينا، بين يديك ويديّ وأيدي أطفالنا. الأمر يعود إلينا حقًا»، داعيةً إلى أن «نترك أصغر بصمة بيئية ممكنة».
في نهاية المطاف، كان لها ابن واحد من فان لاويك، عُرف باسم «غروب»، قبل أن ينفصلا عام 1974. وتوفي فان لاويك عام 2002. وفي عام 1975، تزوجت ديريك برايسون الذي توفي عام 1980.
المصدر: رويترز