ماذا لو هناك مركز بيانات للذكاء الاصطناعي يقع على حواف صحراء جرداء، وسط صفوف لا تنتهي من الخوادم التي تدور مراوحها بلا توقف. حيث تضخ الهواء من خلال أبراج تبريد ضخمة وتستهلك كهرباء تفوق ما تستهلكه المدن المحيطة مجتمعة.
هذا هو الواقع الفعلي والمعروف اليوم بـ الحواسيب العملاقة للذكاء الاصطناعي. والتي تشبه عناقيد ضخمة من وحدات المعالجة الرسومية (GPUs) التي تدرب النماذج المتقدمة القادرة على تشكيل مستقبل التقنية.
وعلى الرغم من أن هذه الأنظمة تسمى “سوبر كمبيوترات”، إلا أنها تختلف عن الحواسيب الفائقة التقليدية التي تستخدم لمحاكاة المناخ أو الأبحاث الفيزيائية الدقيقة.
أيضا، تعتمد حواسيب الذكاء الاصطناعي على معالجات متخصصة مثل Nvidia H100 أو Google TPU. وموجهة لتسريع العمليات الرياضية المعقدة الخاصة بتقنيات التعلم العميق.
ولكن، يوجد تشابه واحد بين الحواسيب التقليدية وحواسيب الذكاء الاصطناعي وهو استهلاك كمية كبيرة من الطاقة الهائلة. بالإضافة إلى تكاليف تشغيل تفوق الخيال.
مستويات طاقة تشغيل آلات الذكاء الاصطناعي
أفادت دراسة حديثة حول 500 نظام حوسبة حول العالم إلى أن قدرة هذه الحواسيب تتضاعف كل تسعة أشهر، في حين تتضاعف تكلفتها واستهلاكها للطاقة سنويًا.
كذلك، لم يعد التقدم في الذكاء الاصطناعي متوقف على الخوارزميات فقط، بل أصبح يتعلق بمن يستطيع تحمل تكاليف بناء وتشغيل وتبريد هذه الوحوش الرقمية.
وتسببت هذه الفجوة في ما يعرف بـالخندق الأسي أي أنه مع كل قفزة جديدة في الأداء، يصبح الوصول إلى المستوى التالي أكثر صعوبة لغير القادرين على تمويله. وبالتالي، يتراجع مستوى أداء الجامعات، الشركات الناشئة، وحتى بعض الحكومات تعجز عن المواكبة.
نقاط القوة
وعلى الرغم من الترويج إلى فكرة أن الـAI سيمنح الجميع أدوات متساوية ويوفر مساحة للإبداع، لكن الواقع يشير إلى العكس. حيث أصبحت القوة الحقيقية اليوم في يد مالكي مقرات الحوسبة العملاقة، فهم من يقررون أي النماذج تدرب، وأي الأفكار تستحق مليارات البيانات والمعالجات لتتحقق.
كذلك لم يعد الأمر مرتبط بالمال فقط، بل بـ البنية التحتية كأداة حكم وتحكم. حين تملك ثلاث أو أربع شركات فقط القدرة على تدريب النماذج العملاقة، حيث تضع حدودًا لما هو ممكن في عالم الذكاء الاصطناعي.
الدور الجغرافي لحواسيب الذكاء الاصطناعي
أدركت الحكومات أن السيادة الرقمية تتطلب سيطرة على موارد الحوسبة والطاقة.
كذلك، التزمت دول عديدة، بينها فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة، باستثمار مليارات الدولارات في بناء بنى تحتية سيادية للذكاء الاصطناعي. ذلك على هامش قمة باريس للذكاء الاصطناعي 2025.
علاوة على ذلك، أطلقت الولايات المتحدة الأمريكية مبادرات ضخمة لتعزيز إنتاج الرقائق محليًا. بينما تمضي الصين بخطى متسارعة نحو بناء محطات طاقة شمسية ورياح لتأمين الكهرباء الرخيصة اللازمة لتشغيل أنظمتها الذكية.
أيضا تمتلك قارة أوروبا أطر تنظيمية متقدمة، لكنها تفتقر إلى القدرات التشغيلية والطاقة الكافية للمنافسة. وبدون ذلك، تبقى السيادة في الذكاء الاصطناعي مجرد شعار.
وجدير بالذكر أن المفارقة الحقيقية في سباق الـAI قد لا يكونوا دول، بل الشركات، حيث تتجه السيطرة شيئًا فشيئًا نحو القطاع الخاص، لتتحول هذه الشركات إلى كيانات أقوى من الحكومات نفسها في رسم مسار المعرفة البشرية.
تأثير الذكاء الاصطناعي على السلامة البيئية
يعد تدريب نماذج الـAI واحد من الفئة العليا قد يستهلك طاقة تعادل استهلاك مدينة صغيرة لعام كامل. أما أنظمة التبريد فتتطلب كميات هائلة من الماء، وتؤدي إلى ضغط بيئي خطير في المناطق الجافة.
أيضا تعتمد البصمة الكربونية لتدريب نماذج الـAI على مصدر الكهرباء، فالنموذج الذي يدرب باستخدام طاقة الفحم يسبب انبعاثات أكبر بمئات المرات من نموذج يعتمد على الطاقة المتجددة.
كذلك، تعتبر استدامة الـAI قضية طاقة بالأساس. وليست قضية تقنية حيث إن النماذج ليست نظيفة أو ملوثة بحد ذاتها، بل تعتمد على نوع الإلكترونات التي تغذيها.
معالجات الـAI
تصبح المعالجات أسرع وأكثر كفاءة كل عام. حيث يتزايد الطلب على الحوسبة بوتيرة أسرع.
أيضا، يحفز كل تحسين صغير في الأداء مزيدًا من التجارب والنماذج الأكبر. ما يجعل الكفاءة paradoxically تسهم في تسارع الاستهلاك بدلاً من الحد منه.
بإختصار، إن الحواسيب العملاقة التي تدرب النماذج أصبحت الحاكم الفعلي للتطور. حيث تحدد ما هو ممكن وما هو مؤجل.
بالتالي، سنواجه نظامًا مركزيًا للذكاء الاصطناعي، حيث الابتكار المحدود، والرقابة الاختيارية، بجانب التكاليف البيئية والطاقة المهدرة التي لا تدرك إلا بعد فوات الأوان.
المقال الأصلي: من هنـا