تشد الشركات الناشئة الأوروبية الرحال إلى أميركا. وقد حصل “براندون أبرو سميث” على تمويل أولي بقيمة 500 ألف دولار لشركته الناشئة Structured AI، المتخصصة في أتمتة سير العمل باستخدام الذكاء الاصطناعي، ذلك خلال أسبوع واحد فقط من وصوله إلى سان فرانسيسكو.
قبل انتقاله إلى الولايات المتحدة، كان سميث وشركاؤه المؤسسون يعملون في وظائف تقليدية بدوام كامل ويعتقدون أن عالم الشركات الناشئة هدف صعب تحقيقه.
ولكن تغير كل شيء فور انتقالهم إلى أمريكا، حيث تمكنوا من الحصول على التمويل، وتعيين مهندسين، والفوز بمكان في برنامج “واي كومبيناتور”. الذي يعد أحد أشهر مسرعات الأعمال في وادي السيليكون.
وفي السياق ذاته، قال سميث “: “سان فرانسيسكو هي المكان الذي يحدث فيه كل شيء”.
علاوة على ذلك، يتجه جيل جديد من قادة التكنولوجيا الأوروبيين عبر الأطلسي بحثًا عن أول استثماراتهم. وبعضهم ينقل شركاته بالكامل إلى الولايات المتحدة.
أيضا يرى المؤسسون أن جاذبية السوق الأمريكية اليوم أقوى من أي وقت مضى، نظرا لارتفاع تكاليف البنية التحتية الحاسوبية والاعتماد الكبير على الكوادر المتخصصة في مجال الذكاء الاصطناعي. ما مكن أمريكا من جذب الشركات الأوروبية الناشئة بفضل عمق أسواق رأس المال وثقافتها الأكثر تقبلًا للمخاطر.
أمريكا تحتضن شركات الذكاء الاصطناعي
من ناحية أخرى، يثير هذا التوجه جدلًا واسعًا في أوروبا، حيث تسعى لإظهار مكانتها كـ مركز عالمي للذكاء الاصطناعي ينافس الولايات المتحدة والصين. ولكن إخفاق الدول الأوروبية في دعم شركات تكنولوجية عملاقة يعتبر أهم أسباب تراجع نموها الاقتصادي.
وعلى الرغم من أن مشهد رأس المال المغامر الأوروبي شهد تطورًا في السنوات الأخيرة، إلا أنه لا يزال متراجعًا عن نظيره الأمريكي.
ووفقًا لبيانات شركة Pitch Book، جمعت الشركات الأمريكية في قطاع الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة أكثر من 160 مليار دولار في الأشهر التسعة الأولى من هذا العام، مقابل 20 مليار دولار فقط في أوروبا.
وجهة نظر المستثمرين الأمريكيين
من ناحية أخرى، يسيطر المستثمرون الأمريكيون بشكل متزايد على تمويل الشركات الأوروبية الناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي. حيث أنفقوا نحو 14.2 مليار دولار في 549 صفقة داخل أوروبا حتى سبتمبر 2025. ارتفاعًا من 11.7 مليار في 2024. ما يمثل 71.1% من إجمالي قيمة الصفقات مقارنة بـ 57.5% العام الماضي.
كذلك، يهدد هذا التفوق الأمريكي في تمويل الذكاء الاصطناعي بأن تتحكم واشنطن في حقوق الملكية الفكرية والعوائد الاقتصادية للتقنيات التي تطور داخل أوروبا.
ومن جهته، أوضح باتريك سميث، مؤسس شركة Zally للأمن السيبراني بالذكاء الاصطناعي، أن شركته احتاجت إلى كم هائل من الأموال للبحث والتطوير وتسجيل براءات الاختراع. وهو ما وصفه بـالمستحيل في أوروبا.
كما أضاف أن المستثمرين الأمريكيين على دراية كاملة بمتطلبات الإنفاق ومسار التمويل اللازم للوصول إلى السوق.
كذلك، قرر سميث الانتقال من مانشستر إلى سان فرانسيسكو في أغسطس لجمع جولة التمويل التأسيسية. ذلك بعد أن تواصل مع أكثر من 20 مستثمرًا بريطانيًا دون فائدة.
بالتالي، تعد التقييمات المرتفعة في السوق الأمريكية عامل جذب كبير. حيث حاولت شركة FLock.io العام الماضي جمع تمويلها الأول في أوروبا، لكن المستثمرين اعترضوا على غياب الإيرادات.
علاوة على ذلك، نجحت الشركة في جمع جولة استثمارية ملائكية بقيمة 2 مليون دولار. تلتها جولة تأسيسية بـ6 ملايين دولار، ثم استثمار استراتيجي بـ3 ملايين دولار جميعها بقيادة مستثمرين أمريكيين.
أيضًا يقول مؤسس الشركة، جياهاو سون: “كنا سنحصل على نصف تقييمنا الحالي فقط في لندن حيث يتمتع المستثمرون في وادي السيليكون بخبرة أكبر في تقدير الإمكانات السوقية لمنتجات الذكاء الاصطناعي”.
السوق الناشئة في أوروبا وأمريكا
كما تغلق الصفقات الأمريكية خلال أسابيع، مقارنة بالأشهر الطويلة التي تستغرقها نظيراتها في أوروبا وهو فارق حاسم في قطاع يتطلب التمويل قبل بناء المنتج الفعلي.
ويرى مؤسسون أوروبيون أن الصناديق المحلية أكثر تحفظًا، حيث تجري تحقيقات مطولة وتكتب شيكات أصغر. كذلك، يقول دانييل جونسون، مستشار الشركات الناشئة في لندن “الجدول الزمني أبطأ ونصيحتي لأي مؤسس يبحث عن تمويل محلي: “لا تفكر بالأمر من الأساس”.
ومع ذلك، يتطلب الوصول إلى رأس المال الأمريكي أحيانًا ما يسمى بـ “قلب ديلاوير” (Delaware Flip). أي تأسيس شركة قابضة أمريكية تستحوذ على شركة الأوروبية.
فـ على سبيل المثال، يتطلب Y Combinator مثلًا تسجيل الشركات في الولايات المتحدة قبل بدء البرنامج. كما يوصي بعض المستثمرين والمستشارين بالانتقال لتسهيل عمليات التمويل المستقبلية وعمليات التخارج.
وفي كثير من الأحيان، لا يكون الانتقال بسبب تندر المواهب، إذ تبقى فرق المهندسين في أوروبا حيث الرواتب أقل والجامعات تخرج نخبة من المبرمجين المهرة.
كما تشير بيانات Sequoia Capital إلى أن القوى العاملة الهندسية في أوروبا تضم نسبة متخصصة في الذكاء الاصطناعي. والتي تتفوق على نظيرتها الأمريكية بنسبة 30%. وتكاد تكون ثلاثة أضعاف نظيرتها في الصين.
القوانين الأوروبية تكبح لجام الشركات الناشئة
بالإضافة إلى ذلك، يفرض قانون الذكاء الاصطناعي الأوروبي (AI Act) تكاليف امتثال مرتفعة. ما يعتبر دافع تنظيمي قوي للهجرة، بينما تدرس المملكة المتحدة بدورها سن لوائح مشابهة، ما يجعل التسجيل في الولايات المتحدة ملاذا أكثر أمانًا.
أيضا، وجهت عشرات الشركات الأوروبية من بينها إيرباص وASML وMistral في وقت سابق من هذا العام رسالة إلى قادة الاتحاد الأوروبي. لتطالبهم بوقف دخول القانون المقترح إلى حيز التنفيذ، محذرين من أنه قد يعيق التقدم الاقتصادي.
ولكن، يرى بعض المحللين أن حيوية سوق الذكاء الاصطناعي تجعل التمويل متاحًا في أي مكان.
وقال جيسون سالتزمان من شركة CB Insights: “إذا كنت شركة ذكاء اصطناعي، يمكنك جمع التمويل الذي تريده من أي مكان في العالم”.
تباين ردود فعل مؤسسي الشركات الناشئة
أما بالنسبة للمؤسسين الذين فضلوا البقاء مؤقتًا في أوروبا، تأكدوا أن جاذبية أمريكا تبقى الأقوى، فقد جمعت شركة Trismik البريطانية، المتخصصة في اختبار أنظمة الذكاء الاصطناعي، جولة تمويل تأسيسية بقيمة أكثر من 3 ملايين دولار، لكنها استغرقت سبعة أشهر وأبطأت وتيرة العمل.
والآن، تعتزم الشركة جمع جولتها المقبلة في الولايات المتحدة، مدعومة بسرعة إتمام الصفقات والتوقعات الأعلى للإيرادات. ما يفسر انتقال أعضاء فريق العمل من بريطاني وإيطالي وفنلندي إلى أمريكا.
المقال الأصلي: من هنـا