يبدو أن مسألة دخول شركة أنثروبيك إلى أسواق المال عبر طرح عام أولي لم تعد مجرد احتمال بعيد، بل تحوّلت إلى خطوة قيد الإعداد في ظل اهتمام المستثمرين العالميين بقطاع الذكاء الاصطناعي وتوسع الشركات الناشئة فيه بوتيرة غير مسبوقة.
ويأتي هذا التوجه نتيجة حاجة الشركة إلى بناء قناة تمويلية مستقرة تتيح لها تعزيز قدراتها التقنية وتوسيع نطاق استثماراتها المستقبلية. لا سيما في ظل المنافسة الشرسة مع شركات عملاقة مثل: “أوبن إيه آي” و”جوجل” و”مايكروسوفت”.
وبحسب ما نقلته “رويترز”، فقد استعانت الشركة الناشئة بمكتب المحاماة الأمريكي ويلسون سونسيني، أحد أبرز المكاتب المتخصصة في شؤون الشركات التقنية. وذلك للتحضير لعملية إدراج محتملة قد تتم في أقرب وقت بحلول عام 2026. وتعد هذه الخطوة إشارة واضحة إلى نية الشركة تبني مسار الاندماج في السوق المالي، رغم تأكيد المتحدث باسمها أنها لم تتخذ قرارًا نهائيًا بشأن الموعد أو حتى إمكانية الطرح من الأساس.
وعلى الرغم من عدم حسم القرار، فإن التقارير تؤكد أن الشركة أجرت بالفعل مناقشات مبكرة وغير رسمية مع بنوك استثمارية كبرى لبحث الخيارات المتاحة. بما يعكس اهتمامًا واسعًا من المؤسسات المالية الكبرى بالمشاركة في واحدة من أبرز عمليات الطرح المرتقبة في قطاع الذكاء الاصطناعي.
تعزيز القدرة التمويلية
وتسعى أنثروبيك من خلال الطرح العام الأولي إلى الحصول على وسيلة أكثر كفاءة لجمع رأس المال. بما يتيح لها زيادة قدرتها على تنفيذ عمليات استحواذ ضخمة وتعزيز حضورها في سوق تتسارع فيه المنافسة بشكلٍ هائل. كما يأتي ذلك في ظل الطفرة العالمية في تبنّي حلول الذكاء الاصطناعي؛ حيث ارتفع إنفاق الشركات على هذا القطاع، وتزايدت شهية المستثمرين للمساهمة في الشركات التي تقدم نماذج لغوية ومنتجات ذكية قادرة على إحداث تحولات جوهرية في كل القطاعات الاقتصادية.
وفي الوقت نفسه، تعكف الشركة على التفاوض بشأن جولة تمويل خاصة جديدة، قد تمنحها تقييمًا يتجاوز 300 مليار دولار، وفقًا لتقرير صحيفة فاينانشال تايمز. وهي قفزة كبيرة مقارنة بتقييمها الأخير الذي بلغ نحو 183 مليار دولار. وتعكس هذه الأرقام مدى الثقة الكبيرة التي يحظى بها نموذج أعمال الشركة، سواء من قبل المستثمرين التقليديين أو من شركات التكنولوجيا العملاقة.
كما حققت أنثروبيك نموًا ماليًا لافتًا؛ إذ تتوقع مضاعفة إيراداتها السنوية -وربما زيادتها إلى ثلاثة أضعاف- لتصل إلى 26 مليار دولار في العام المقبل. مستفيدة من قاعدة واسعة تضم أكثر من 300 ألف عميل من الشركات والمؤسسات. وهذا النمو يعزز مكانتها كلاعب رئيسي في السوق، ويجعل مسألة الطرح العام خطوة منطقية في مسارها التوسعي.
منافسة محتدمة في قطاع الذكاء الاصطناعي
وعلى الجانب الآخر، تبدو المنافسة محتدمة بين أنثروبيك وشركة أوبن إيه آي، المدعومة من مايكروسوفت. والتي تستعد بدورها لطرح عام أولي قد يكون من بين الأكبر في التاريخ بقيمة تصل إلى تريليون دولار.
ورغم أن المديرة المالية لشركة أوبن إيه آي أكدت في نوفمبر الماضي أن الطرح ليس ضمن الخطط القريبة. فإن مصادر متعددة تشير إلى أن الشركة تجهّز بنيتها التنظيمية والمالية لاتخاذ هذه الخطوة في النصف الثاني من عام 2026.
وتتزامن هذه التحركات مع استثمارات ضخمة تضخها شركات التكنولوجيا العملاقة في الشركات الناشئة المتخصصة في الذكاء الاصطناعي. فقد أعلنت كلٌّ من مايكروسوفت وإنفيديا مؤخرًا عن خطط لاستثمار 15 مليار دولار في أنثروبيك. بينما التزمت الشركة باستخدام خدمات مايكروسوفت السحابية بقيمة 30 مليار دولار ضمن اتفاقية إستراتيجية طويلة الأمد.
كما يذكر أن أنثروبيك تأسست في عام 2021 على يد فريق من الموظفين السابقين في شركة أوبن إيه آي. وهو عامل يعزز رؤيتها المتخصصة ويمنحها مكانة تنافسية مبنية على خبرة عملية في تطوير النماذج اللغوية وأنظمة الذكاء الاصطناعي التوليدي.
الطرح العام بين الطموح والتحديات
ورغم كل التوقعات المتفائلة، إلا أن مسألة الطرح العام تظل خطوة محفوفة بالتحديات، لا سيما في ظل تقلبات الأسواق المالية واشتداد المنافسة العالمية في قطاع الذكاء الاصطناعي. كما أن القرارات التنظيمية المتعلقة بالذكاء الاصطناعي في الولايات المتحدة وأوروبا قد تلعب دورًا مهمًا في تحديد توقيت الطرح وجدواه.
ومع ذلك، فإن الاتجاه العام يشير إلى أن الشركات الناشئة الكبرى في الذكاء الاصطناعي أصبحت تستعد لدخول مرحلة جديدة، عنوانها: التمويل المفتوح عبر الأسواق العامة. والتوسع السريع، والهيمنة على منتجات الذكاء الاصطناعي التي أصبحت محركًا رئيسيًا للتحول الاقتصادي العالمي.
وفي ضوء ذلك، يتوقع أن تستمر أنثروبيك في تعزيز موقعها التنافسي، سواء من خلال مزيد من جولات التمويل. أو عبر المضي قدمًا في خطوات الطرح العام الأولي في الوقت الذي تراه الأنسب إستراتيجيًا.



