ما من ريبٍ أن الأداء الاستراتيجي هو القلب النابض لأي مؤسسة تسعى لتحقيق التميز والريادة في سوقها. فهو بمثابة البوصلة التي توجه مسارها نحو تحقيق الأهداف المنشودة، وتحديدًا تلك الأهداف الطموحة التي تتجاوز مجرد البقاء والتنافس.
فمن خلال مراجعة الأداء الاستراتيجي الدورية والشاملة تستطيع المؤسسات قياس مدى تحققها من تلك الأهداف، وتحديد نقاط القوة والضعف، ووضع الخطط اللازمة لتحسين الأداء المستقبلي.
ولا تقتصر أهمية مراجعة الأداء الاستراتيجي على المؤسسات الكبرى والشركات متعددة الجنسيات، بل تمتد لتشمل المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وحتى المنظمات غير الربحية. والتي تحتاج إلى آلية فعالة لتقييم مدى نجاح استراتيجيتها، وتحديد ما إذا كانت تسير في الاتجاه الصحيح أم لا. وعبر هذه المراجعة يمكن للمؤسسات اكتشاف الفرص الجديدة التي قد تكون فاتتها، وتجنب المخاطر المحتملة التي تهدد استمراريتها.
الأداء الاستراتيجي
واقعيًا تتعدد الأدوات والتقنيات المستخدمة في مراجعة الأداء الاستراتيجي، بدءًا من المؤشرات الرئيسية للأداء (KPIs) ووصولًا إلى تحليل SWOT. وتعد هذه الأدوات بمثابة مرآة تعكس صورة واضحة عن أداء المؤسسة، وتساعدها في اتخاذ القرارات الصائبة بشأن المستقبل.
ومن خلال تحليل هذه المؤشرات تستطيع المؤسسات تحديد الأنشطة التي تساهم بشكلٍ كبيرٍ في تحقيق الأهداف، والأخرى التي تحتاج إلى تحسين أو إلغاء.
وعلى الرغم من أهمية مراجعة الأداء الاستراتيجي إلا أنها لا تزال تواجه العديد من التحديات، من أبرزها: نقص الوعي بأهميتها، وعدم توفر الكفاءات اللازمة لإجرائها، وتغير البيئة الخارجية بسرعة كبيرة. ومع ذلك فإن التطور التكنولوجي المتسارع يوفر العديد من الأدوات والحلول التي يمكن للمؤسسات الاستفادة منها لتسهيل عملية المراجعة وتحسين دقتها.
وعن طريق الاستثمار في هذه الأدوات تضمن المؤسسات استدامة أدائها وتحقيق أهدافها على المدى الطويل.
ما هي مراجعة الأداء الاستراتيجي؟
وفقًا لتعريف كلية هارفارد للأعمال فإن مراجعة الأداء الاستراتيجي تمثل نقلة نوعية في عالم إدارة الموارد البشرية؛ إذ تتجاوز حدود التقييمات السنوية التقليدية لتقدم رؤية شاملة تربط بين أداء الموظف وأهداف المنظمة الاستراتيجية.
ولا تقتصر هذه الاستراتيجية على تقييم الأداء الفردي بل تتعداه لتشمل إدارة الأداء على مستوى المنظمة بأكملها. ما يساهم في تحقيق التنفيذ الفعال للاستراتيجيات التجارية.
وتعد مراجعة الكفاءة الاستراتيجية بمثابة خريطة طريق واضحة المعالم توجه المنظمات نحو تحقيق أهدافها، فهي توفر إطارًا عملًا متكاملًا يربط بين مختلف المستويات التنظيمية، بدءًا من الموظف الفرد ووصولًا إلى الإدارة العليا. من خلال هذا الإطار يتمكن الموظفون من فهم كيف يساهم عملهم في تحقيق الأهداف الكبرى للمنظمة. ما يعزز من شعورهم بالانتماء والمسؤولية.
كما تساعد هذه الاستراتيجية الإدارات العليا في تتبع التقدم المحرز نحو تحقيق الأهداف الاستراتيجية، وتحديد المجالات التي تحتاج إلى تحسين.
وتتميز مراجعة الكفاءة الاستراتيجية بمرونتها وقدرتها على التكيف مع مختلف البيئات التنظيمية، فهي ليست مجرد مجموعة من القواعد واللوائح، بل تعد فلسفة إدارية ترتكز على الشراكة والتعاون بين الإدارة والموظفين. من خلال تطبيق هذه الاستراتيجية يمكن للمنظمات أن تحقق العديد من الفوائد، بما في ذلك: زيادة الإنتاجية، وتحسين الابتكار، وتعزيز ولاء الموظفين. وبالتالي تحقيق ميزة تنافسية مستدامة في السوق.
إدارة الأداء الاستراتيجي
لطالما كانت تقييمات الأداء السنوية هي الأداة التقليدية التي تستخدمها الشركات لتقييم أداء موظفيها. إلا أن هذا النهج التقليدي بات يواجه تحديات كبيرة في ظل التغيرات المتسارعة التي تشهدها بيئة العمل.
ومع تزايد أهمية الابتكار والمرونة في تحقيق الأهداف التنظيمية. برزت الحاجة إلى أدوات تقييم أكثر شمولية ومرونة، وهنا يأتي دور مراجعة الأداء الاستراتيجي.
-
رؤية مستقبلية للأداء
تختلف إدارة الكفاءة الاستراتيجية عن المراجعات السنوية التقليدية بشكلٍ جذري. بينما تركز الأخيرة على تقييم الأداء السابق للموظف. فإن إدارة الأداء الاستراتيجي تنظر إلى الأمام؛ إذ تسعى إلى ربط أداء الموظف بأهداف المنظمة الاستراتيجية. كما أنها تعتمد على نهج تقييمي مستمر طوال العام، بدلًا من التركيز على فترة زمنية محددة.
-
التركيز على القوة والضعف
في حين تهتم المراجعات السنوية بشكلٍ أكبر بتحديد نقاط الضعف لدى الموظف، فإن مراجعة الكفاءة الاستراتيجية تعمل على إبراز نقاط القوة وتنميتها. إلى جانب تحديد المجالات التي تحتاج إلى تطوير.
علاوة على هذا الأمر فإن إدارة هذه الكفاءة تعتمد على أساليب تقييم متنوعة. تشمل الأساليب النوعية والكمية؛ ما يوفر صورة أكثر شمولية عن أداء الموظف.
-
المشاركة والمرونة
تتميز إدارة الكفاءة الاستراتيجية بكونها عملية تشاركية؛ حيث يشمل المشاركون فيها الموظف ومديره والمشرفين عليه. في حين أن المراجعات السنوية غالبًا ما تكون عملية أحادية الاتجاه. فإن مراجعة الكفاءة الاستراتيجية تشجع الحوار والتعاون بين الأطراف المعنية.
كذلك تتميز هذه الكفاءة بمرونتها؛ إذ يمكن تكييفها لتناسب احتياجات كل منظمة وفريق عمل.
-
أداة استراتيجية فعّالة
يعتبر الخبراء في مجال إدارة الموارد البشرية أن مراجعة الكفاءة الاستراتيجية هي أداة استراتيجية تساهم في تحقيق الأهداف التنظيمية. بينما تصنف المراجعات السنوية على أنها أداة تشغيلية.
رغم ذلك يتطلب الانتقال من المراجعات السنوية إلى إدارة الأداء الاستراتيجي تغييرًا ثقافيًا داخل المنظمة. وتدريب الموظفين والمديرين على الأساليب الجديدة للتقييم.
-
الاستثمار في المستقبل
باختصار يمكن القول إن إدارة الأداء الاستراتيجي تمثل تحولًا جذريًا في كيفية تقييم أداء الموظفين. فهي توفر نهجًا أكثر شمولية ومرونة، وتربط أداء الموظف بشكلٍ مباشر بأهداف المنظمة الاستراتيجية. بينما تتطلب هذه العملية بعض الجهد والاستثمار إلا أنها في النهاية تؤدي إلى زيادة إنتاجية الموظفين وتحسين أداء المنظمة بشكلٍ عام.
ركيزة أساسية لتحقيق التميز المؤسسي
يتطلب بناء منظمة قوية ومرنة اعتماد آليات فعالة لإدارة الأداء الاستراتيجي؛ إذ يُعد هذا النظام بمثابة خارطة الطريق التي توجه الموظفين نحو تحقيق أهداف الشركة. وتضم هذه الآلية مجموعة متكاملة من المكونات تعمل بشكلٍ متناغم لضمان تحقيق الأداء الأمثل.
1. وضع الأهداف
تشكل مرحلة وضع الأهداف نقطة الانطلاق في عملية إدارة الأداء؛ حيث يتم تحديد الأهداف الاستراتيجية للمنظمة وترجمتها إلى أهداف محددة لكل وظيفة وموظف.
وتهدف هذه المرحلة إلى ربط جهود الأفراد بأهداف المنظمة الكلية. ما يضمن التزام الجميع بالاتجاه المرسوم. وهي تتطلب تشاركًا فعالًا بين الإدارة والموظفين لضمان وضوح الأهداف وقبولها من الجميع.
2. تقييم الأداء
يمثل تقييم الأداء بوصلة توجه المنظمة نحو تحقيق أهدافها؛ إذ يتم من خلاله قياس أداء الموظفين بشكلٍ دوري ومقارنته بالأهداف المحددة. ويساعد هذا التقييم بشكلٍ كبير في تحديد نقاط القوة والضعف لدى فرق العمل في الشركة أو المنظمة. ما يوفر الأساس لاتخاذ القرارات المناسبة بشأن التطوير والتدريب.
وتعد الشفافية والعدالة من أهم مبادئ تقييم الأداء؛ حيث يجب أن يكون التقييم مبنيًا على معايير واضحة وموضوعية.
3. آليات الملاحظات
تعد آليات الملاحظات أداة فعالة لبناء علاقات عمل قوية بين المديرين والموظفين؛ إذ تسمح بتبادل الآراء والملاحظات بشكلٍ مستمر. وتهدف هذه الآليات إلى تقديم التوجيه والدعم اللازمين للموظفين. ما يساهم في تحسين أدائهم وزيادة مستوى رضاهم الوظيفي. وتشمل هذه الآليات: الملاحظات الفورية، والمقابلات التقييمية، واستبيانات الرأي.
4. التطوير والتدريب
لا شك أن الاستثمار في تطوير وتدريب الموظفين من أهم العوامل التي تساهم في تحقيق النجاح المستدام للمنظمة. ويهدف التدريب إلى تزويد الموظفين بالمهارات والمعارف اللازمة لأداء مهامهم على أكمل وجه. بينما يهدف التطوير إلى صقل قدراتهم ومساعدتهم على تحقيق تطلعاتهم المهنية.
وتتطلب هذه المرحلة تحديد الاحتياجات التدريبية للموظفين بشكل دقيق، وتصميم برامج تدريبية مخصصة تلبي هذه الاحتياجات.
5. تحليل البيانات
تؤدي البيانات دورًا حاسمًا في عملية اتخاذ القرارات؛ إذ تساعد في تحديد الاتجاهات والأنماط التي تؤثر في أداء المنظمة. ويتم تحليل هذه البيانات وإعداد التقارير الدورية التي تقدم رؤى قيمة للمديرين. ما يمكنهم من اتخاذ قرارات استراتيجية مدروسة.
وتتطلب هذه المرحلة استخدام أدوات تحليلية متطورة، وتطوير لوحات معلومات تفاعلية لعرض البيانات بشكل واضح ومبسط.
6. نظام المكافأة والاعتراف
بالطبع نظام المكافأة والاعتراف من العوامل المُهمة التي تحفز الموظفين على بذل أقصى جهودهم لتحقيق الأهداف المرجوة. ويهدف هذا النظام إلى تقدير الإنجازات والمساهمات التي يقدمها الموظفون. ما يعزز من شعورهم بالانتماء والولاء للمنظمة. وتشمل أنظمة المكافأة والاعتراف: الحوافز المالية، والجوائز، والتقدير العام، والترقيات.
في النهاية يُمكن القول إن مراجعة الأداء الاستراتيجي هي أكثر من مجرد أداة تقييم؛ فهي فلسفة إدارية شاملة تساهم في بناء منظمات أكثر مرونة وابتكارًا. ومن خلال ربط أداء الأفراد بأهداف المنظمة، وتبني ثقافة الشفافية والتعاون تسطيع الشركات تحقيق نتائج استثنائية وميزة تنافسية مستدامة.