تُعد روح المبادرة في ريادة الأعمال محركًا رئيسًا للنمو الاقتصادي تُترجم بسعى الأفراد إلى خلق قيمة اقتصادية وفرص عمل، بغض النظر عن الموارد التي بين أيديهم, وهو مايتجلى في دور رائد الأعمال المتمثل في إنشاء أسواق ومنتجات وتقنيات جديدة.
ورواد الأعمال أناس مبدعون يتمتعون بالمهارة والابتكار والقدرة على خلق فرص عمل جديدة، وتقديم تكنولوجيا وصناعات ومنتجات جديدة؛ لذا تختلف عملية تنمية الدخول في مختلف مجالات ريادة الأعمال كثيرًا عن تنمية رجال الأعمال التقليديين الذين ينحصر دورهم في اقتناص الفرص، وتنحصر مهامهم في تنظيم الوظائف الإدارية التقليدية؛ كالتخطيط، وقد تصل إلى الإشراف على العمل,
لذلك، تُعد طريقة التعامل مع رواد الأعمال- من بداية الكشف عن مواهبهم وصلقها وإتاحه البيئة المناسبة لهم للنمو- عملية صعبة ومعقدة, تتطلب منظومات بيئية متكاملة توفر الرعاية والاهتمام والكفاءة في التعاطي معهم.
وفي هذا الإطار، يعد الإعلام أحد أهم مكونات دعم ريادة الأعمال, ففي جانب الصحف الورقية نجد في العالم حوالي 16 مجلة متخصصة في هذا المجال, منها Wired, Forbes, The Wall Street Journal, Money, Small Business Today, و Entrepreneur, وغيرها, تصدر تقريبًا بالإنجليزية مع عدد كبير آخر بعدة لغات أخرى, بينما لم يكن للغة العربية حظ كبير في هذا المجال؛ إذ لايزال الإعلام العربي بعيدًا عن الجانب الاقتصادي، وخاصة ريادة الأعمال, رغم وجود قلة من الصحف تخصص صفحات أو ملاحق اقتصادية غير دورية، وإن كان اعتمادها الإعلاني المدفوع، وطريقها تعاطيها مع الموضوع يبقيها بعيدة عن الجانب التثقيفي والتحليلي للواقع الاقتصادي.
والأمر موصول لعمل القنوات الفضائيات التي تكاد تتجاهل الجانب التحليلي في تعاملها مع الاقتصاد, خوفًا من تداخله مع الجانب السياسي، متجاهلة حقيقة أن الإعلام يشارك في عملية التنمية، وأنه بدون وسائل إعلام متخصصة، لا سبيل إلى التطور والتقدم الاقتصادي والاجتماعي.
وللأسف، يتناول كثير من الإعلاميين العرب، المفاهيم والأرقام الاقتصادية، من دون معرفة دلالاتها أو تحليلها أو مقارنتها، برغم أنها صماء، وقد تكون خادعة أحيانًا؛ إذ من السهل معرفة حجم الموازنة العامة للدولة مثلًا، لكن من الصعب تحليل مضمونها.
والنهوض بواقع الإعلام الاقتصادي العربي، يتطلب انفتاح الدوائر المعنية على الإعلام الاقتصادي، ووجود إعلام يتمتع باحترافية حقيقية، مع حرص الجهات الإعلامية على الارتقاء بمستوى أفرادها وتأهيلهم اقتصاديًا عبر دورات مستمرة. فإن لم يكن الاقتصاد يمثل أولوية للمواطن العربي الغارق في السياسة، فليس سهلًا على المواطن العادي تتبع قضايا اقتصادية متخصصة والانجذاب لتأسيس شركات جديدة ليكتشف بنفسه العوائد التي تحققها.
إن تدقيق النظر في الطفرة الاقتصادية والتكنولوجية التي تحققت في الغرب، ثم انتقلت إلى دول النمور الآسيوية نتيجة نهضة المشروعات الصغيرة التي أحدثت ثراءً مجتمعيًا ونهوضًا اقتصاديًا, يلفت الأنظار إلى القيمة الكبيرة التي يمكن أن تحققها ريادة الأعمال في المجتمعات؛ وبالتالي فإن درجة من الوعي والنضح في توجهات الأفراد وعلاقاتهم بتأسيس الشركات- وخاصة الشباب منهم- يجب أن تؤخذ بجدية في أية محاولة نحو التحول الاقتصادي.
وهنا، ينبغي نشر مفاهيم ريادة الأعمال والعمل الحر وتكثيف أدوات نشر الوعي, والتي بدورها تساعد على تغير نظرة الشباب للوظيفة الحكومية، وتقليل الاعتماد على انتظار التوظيف لدى الغير، وتسريع الخطوات نحو تنويع القاعدة الإنتاجية للاقتصاد الوطني، والمساهمة في إشراك أفراده في خلق فرص عمل، واستلهام الأفكار المبدعة.
وفي هذا المجال، فإن مجلة رواد الأعمال السعودية- التي تحتفل بعددها المئوي، ومرور عشر سنوات على إطلاقها, تمثل إحدى المبادرات التنموية الفريدة في المنطقة العربية, وتمثل منصة إعلامية وتثقيفية رائدة، توظف اللغة العربية، وتحاول الخروج بالمشاريع التجارية من النمطية والتقليد, والاحتفال بالنجاح والتميز، وتغيير وتطوير النظرة المأخوذة عن المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وتوفير مواد علمية عالية المستوى لتطوير قدرات أصحاب هذه المشروعات القائمة، وتحفيز أعداد جديدة للانضمام لها، والتبصير بأهمية تلك المشاريع ودورها في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية والتحول الاقتصادي.
ولا شك في أننا يجب أن نتوجه بالشكر والعرفان لمنْ أطلق هذا المبادرة؛ وهي سيدة الأعمال المبدعة, الجوهرة بنت تركي العطيشان, التي أخذت المبادرة، وغامرت بالاستثمار في هذا المجال، وأطلقت مجلة رائدة بكفاءة وجودة تناهز النسخة الأصلية الأمريكية.
وتتألق مجلة “رواد الأعمال” وتنفرد في المنطقة العربية؛ إذ يكاد يكون هذا المجال حكرًا على المجلات والدوريات الأجنبية التي لا تنتمي لقيمنا ولا لمجتمعاتنا؛ وبالتالي قد يصعب عليها فهم ثقافتنا والتأثير في المجتمع.
كل التمنيات باستدامة النجاح وتطوير المبادرة وجعلها في متناول الجميع، والخروج منها بنموذج عربي 100% يركز على تنمية الاقتصاد، وريادة الأعمال، والتنمية المستدامة، والمساهمة في خلق وإعداد قيادات أعمال عربية مبدعة ومحترفة ومسؤولة عن تنمية المجتمع تحتاجها المنطقة العربية بشدة, خاصة وأن غالبية الدول العربية قد أطلقت رؤى اقتصادية ووطنية تركز على دعم ريادة الأعمال وبيئة الأعمال؛ الأمر الذي يتطلب من تلك الرؤى احتضان هذه المبادرة ودعمها كجزء هام وضروري ومساعد لنشر الوعي بالاقتصاد الجديد ورجاله المبدعين الذين سوف يغيرون هذه المجتمعات ويحققون هذه الرؤى.