عند الحديث عن رمضان فإن أغلب الظن يذهب نحو الروحانيات، وكيفية الاستفادة من الشهر الفضيل لتجديد الآمال والتضرع إلى الله -سبحانه وتعالى- من أجل الوصول إلى أسمى الأهداف المتمثّلة في كسب رضاه، واكتساب الفرصة الأكبر في الخروج من الشهر بميلاد شخص جديد.
نعم هذه حقيقة مجردة لكن عندما قررنا في «رواد الأعمال» الانخراط في البحث عن إمكانية وجود علاقة بين الشهر الفضيل وطبيعة العمل الريادي وجدنا أنه الفرصة الذهبية أيضًا لميلاد رائد أعمال جديد في سوق المال والأعمال.
يفتح شهر رمضان آفاقًا جديدة لرواد ورائدات الأعمال بهدف المساهمة بدورهم الفعّال والمؤثر في تأسيس المشاريع الصغيرة، أو تعزيز دور الشركات الناشئة لتوفير ما يحتاجه السوق؛ خاصة في ظل الاحتياج المتزايد من العملاء للعديد من المنتجات والخدمات خلال هذا الشهر، فضلًا عن أداء دور المسؤولية الاجتماعية على أكمل وجه؛ سعيًا لاكتمال عمل الخير في شهر الخير.
تتعدد فرص رواد الأعمال في شهر رمضان الفضيل؛ خاصة مع احتياج العملاء إلى منتجات مثل: المأكولات الغذائية والمشروبات، التمور، البخور، العطور.. وغيرها من المشاريع التي قد يجد رائد الأعمال المحتمل ضالته فيها.
وإن كان الامتياز التجاري «الفرنشايز» ضمانًا للنجاح؛ عبر استغلال اسم علامة تجارية شهيرة فإنَّ العلامة التجارية الأشهر في العالم الإسلامي هي شهر «رمضان»؛ فهو لا يحمل الكثير من الخير فقط بل العديد من الفرص الموسمية أيضًا، التي تتخطى الفترة الزمنية للشهر المتمثلة في 30 يومًا.
فرص ريادية وسوق واعد
تصل نسبة إنفاق السعوديين في رمضان إلى مئات المليارات، وتعدُّ تجارة التمور من أفضل أنواع التجارة المربحة في المملكة العربية السعودية، خاصة في مدينة الرياض ومكة وجدة وغيرها من مناطق المملكة، وخلال شهر رمضان الكريم تزداد الأرباح؛ إذ تعمل المملكة العربية السعودية على رفع حصتها من صادرات التمور العالمية إلى 20% قبل نهاية عام 2025م؛ ما يضمن وضعها في المرتبة الأولى بين الدول المصدِّرة للتمور عالميًا.
يستهلك السعوديون نحو 30 إلى 45% (تقريبًا 300 إلى 400 ألف طن) من إجمالي التمور المنتجة في السعودية خلال شهر رمضان المبارك، بينما تتوزع النسبة الباقية على الـ 11 شهرًا المتبقية من السنة، بحسب إحصائية أجرتها جهات استثمارية في مجال التمور.
وبحسب دراسة بعنوان «سوق التمور – النمو والاتجاهات والتوقعات (2023 – 2028م)» فإنَّ سوق التمور العالمي سوف يشهد معدل نمو سنوي مركب بنسبة 5.1% حتى عام 2027م.
وعلى المدى الطويل من المتوقع أن يؤدي الاستهلاك المتزايد للتمور في جميع أنحاء العالم، مع زيادة الوعي حول الفوائد الصحية، ورفع الطلب على التمور من الصناعات التحويلية، إلى دفع نمو السوق خلال فترة الدراسة.
وتعدُّ منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا أكبر سوق للتمور على مستوى العالم؛ إذ تهيمن دول عدة، في مقدمتها المملكة العربية السعودية، على حجم استهلاك التمور بسبب الطلب المتزايد عليها؛ لذلك من المتوقع أن ينمو استهلاكها بشكل ملحوظ خلال فترة التنبؤ.
لذلك فإن التمور تعدُّ الوقود المحرك لفكرة مشروع ناجح؛ خاصة في ظل استهلاكه المتزايد في شهر رمضان، ويمكن البدء به فورًا.
قطاع الحج والعمرة.. وسيلة رواد الأعمال للاستثمار الآمن المستدام
تعمل وزارة الحج والعمرة على تطوير القطاع بما يتلاءم مع مكانة مكة المكرمة والمدينة المنورة، والعمل على زيادة أعداد الحجاج والمعتمرين في المستقبل، وتجويد الخدمات المقدمة لضيوف الرحمن؛ لتواكب أهداف ورؤية المملكة 2030.
وتستقبل الوزارة الأفكار الإبداعية، وتحرص على تطوير صناعة خدمات الحج والعمرة، وضمان الجودة فيها، واستكشاف خدمات جديدة، وتفعيل الخدمات التكاملية، وإثراء تجربة الحاج والمعتمر، علمًا بأن شهر رمضان يعدُّ فرصة موسمية ذهبية نظرًا لتوافد الكثير من ضيوف الرحمن لأداء مناسك العمرة.
ويُشكل قطاع الحج والعمرة نحو 60% من الإيرادات السياحية للمملكة العربية السعودية، وهو ما يساوي حوالي 15 مليار دولار سنويًا على الأقل -طبقًا للبيانات الرسمية الصادرة عن الهيئة العامة للإحصاء السعودية- أي ما يقارب 55% من إيرادات قطاع السياحة بالمملكة، وهو بدوره يوفر ما يقرب من مليون وظيفة، يستحوذ المواطنون السعوديون على حوالي ثلثها؛ أي أن الحج والعمرة هنا يمثلان واحدًا من أكبر وأهمّ الاستثمارات في السعودية، وهو ما يمكن أن نراه من خلال رؤية المملكة 2030، التي ترتكز على تنويع مصادر الدخل القومي بدلًا من الاعتماد على الإيرادات النفطية فقط؛ ليحتل قطاع الحج والعمرة المحور الأول في تلك الرؤية المستقبلية، التي تؤكد أنَّ الاستثمار في ذلك القطاع ربما سيكون الاهتمام الأول للمملكة خلال الفترة المقبلة.
ورغم معاناة السعودية من تراجع كبير لميزانيتها أعقاب جائحة كورونا، بعد إلغاء موسم الحج والعمرة لعامين متتاليين، ليبلغ إجمالي خسائرها في موازنتها للعام المالي 2021م ما يعادل 455 مليار ريال سعودي؛ إلا أن ذلك جعل الفرصة تزدهر أمام الاستثمار التقني بذلك القطاع، وفتح الباب على مصراعيه للتطبيقات الدينية والتعليمية، وأيضًا الابتكارات التكنولوجية فيما يخص الاستثمار بقطاع الحج والعمرة.
وتمثّل نسبة المعتمرين السعوديين 46.7% من إجمالي معتمري الداخل، وقد بلغت نسبة معتمري الخارج 0.19% بينما بلغت نسبة معتمري الداخل 99.81%، في حين وصل عدد المعتمرين لعام 2022م إلى 895.499.
وبسبب العدد الهائل للمعتمرين والحجاج في المواسم تزيد الحاجة إلى بذل جهود ضخمة لخدمة ضيوف الرحمن، والعدد الضخم من الزوار يزيد من معدّل الإنفاق، والحاجه الماسة إلى موارد وخدمات القطاع الخاص المختلفة.
ويعدُّ الاستثمار في هذا المجال من الاستثمارات التي تعود على صاحبها بالربح، فالنقل والمواصلات من الأمور التي لا يستطيع المعتمرون والحجاج الاستغناء عنها للتنقل بين مناسك العمرة؛ والنقل يتضمن 6 مجالات مهيأة ليستثمر فيها رائد الأعمال، تتضمن: البحوث والدراسات، الدعم والتدريب، التطوير والتشغيل والصيانة، عدا مجالين يصعب الاستثمار المباشر فيهما وهما: البنى التحتية، وسائل النقل.
يأتي ذلك إضافة إلى إمكانية الاستثمار في الإرشاد السياحي؛ إذ حصرت لجنة ريادة الأعمال بوزارة الحج والعمرة الفرص الريادية، وكان منها الإرشاد السياحي داخل الحافلة وخارجها، ونقل أمتعة الحجاج، التي تعدُّ إشكالية تواجه ضيوف الرحمن خلال تنقلاتهم بين مدن الحج.
وسعت الوزارة؛ من خلال توقيع اتفاقية مع البنك الأهلي السعودي، إلى إيجاد مسرّعات للأعمال تحتضن منشآت ومشاريع ريادية في منظومة الحج والعمرة، وتسهم في استكمال البنية التحتية المناسبة لتوفير ضيافة دينية بجودة عالية، سعيًا لتحقيق مستهدفات المنظومة ورؤية المملكة 2030، وامتدادًا للجهود المبذولة من خلال مركز ريادة الأعمال التابع لوزارة الحج والعمرة.
الاستثمار التكنولوجي في العمرة
نظراً لتزايد أعداد المعتمرين في رمضان فإن المناسك تحتاج إلى تبسيطها لضيوف الرحمن الوافدين للمرة الأولى؛ لذلك برزت فكرة “المتحف الافتراضي” الذي يعرض التنمية الإسلامية في المجالات الهندسية والعلمية والثقافية، وكل ما يتعلق بالثقافة الإسلامية والحج والعمرة.
وفي دراسة بعنوان «دراسة تحليلية لتطبيقات الحج والعمرة»، صدرت عن المجلة البحثية Applied Computing and Informatics، في الإصدار 14 العدد الأول لعام 2018م، أظهرت النتائج أنَّ خدمة «مناسك الحج» لها النصيب الأكبر مقارنة بالخدمات الأخرى التي تقدمها التطبيقات الهاتفية؛ حيث توجد خدمة «شعائر الحج» في 68.7% من التطبيقات المستهدفة، تليها «مناسك العمرة» و«الأذكار» بنسبتي 47.5% و32.5% على التوالي.
وتعد شركة «وادي مكة» للتقنية واحدة من أكبر شركات رأس المال الاستثماري في المملكة العربية السعودية، تتفرع منها 3 شركات رائدة؛ هي: وادي مكة للاستثمار، التقنية، المعرفة. وقد تمكنت من الاستثمار في 40 شركة ناشئة، وحققت تلك الشركات مبيعات تزيد على 45 مليون ريال سعودي، كما أسست “وادي مكة” أول صندوق للاستثمار في الشركات الناشئة التي تعتمد على التقنيات المتطورة وتعمل في قطاع الحج والعمرة، بقيمة بلغت 40 مليون ريال.
وأشار تقرير بعنوان «الحج والعمرة: تطويرات وفرص»، صدر عن Thomson Reuters and Dinar Standard، في يناير 2017م، إلى أنَّ هناك فرصًا استثمارية عديدة بقطاع الحج والعمرة أمام منصات الضيافة؛ لتوفير إقامة مميزة حسب الاحتياجات للحجيج والمعتمرين وضيوف المملكة، وكذلك هناك سوق واعد فيما يتعلق بتجارة «الملابس الذكية».
ريادة الأعمال الاجتماعية
يعتمد هذا النوع من الريادة على تقديم الخدمات أكثر من المنتجات، وتضمنت مبادرات برنامج التحول الوطني إنشاء وحدة للأعمال التطوعية الخيرية لمنظمي الحج والعمرة التي تقع تحت مظلة الأعمال الخيرية، نظرًا لأهمية المسؤولية المجتمعية، وعدم وجود جهة معنية بتنظيم أعمال التطوع والتبرعات والأعمال الخيرية وتنظيم آلية توزيعها، والاستفادة من الخدمات المقدمة، بما يساهم في تفعيل روح المبادرة، وتثقيف وتوعية أفراد المجتمع.
وذلك يساعد الدولة في تحقيق أهدافها التنموية الاجتماعية، بمساهمة القطاع الخيري من أفراد ومؤسسات، وتشجيعهم من خلال الإعلام المقروء والمرئي والمسموع لتحفيزهم، وتوحيد جهودهم ضمن عمل جماعي منظم، يعزز ثقافة تعظيم المملكة، ويوحد تقديم الخدمة من جهة واحدة تستعرض الفرص والمحفزات المتاحة، والتنسيق مع الراغبين ضمن مفهوم المسؤولية الاجتماعية؛ لذا جاءت توصية لجنة الخدمات بالإسراع بإنشاء وحدة للمسؤولية المجتمعية والأعمال التطوعية.
ويعد شهر رمضان المعظم فرصة ذهبية أخرى لكل رائد ورائدة أعمال لاقتحام عالم ريادة الأعمال الاجتماعية.
وفي النهاية فإن الفرص التي يطرحها شهر رمضان لرواد الأعمال تحتاج إلى الدعم والإشراف؛ لتحقيق الأهداف المرجوة والتأثير المنشود.
اقرأ أيضًا من رواد الأعمال:
مشروع تطوير المربع الجديد في الرياض.. تقنيات عالمية تعزز مستقبل العاصمة
يوم التأسيس.. الاعتزاز بجذور المملكة الراسخة
مطار الملك سلمان.. نجم جديد يتلألأ في سماء المملكة
منتدى مسك العالمي.. الرياض تستضيف المبدعين الشباب
المنتدى الخليجي لرواد الأعمال في الرياض.. التحديات والفرص