في حياة الكاتب الأمريكي جيروم ديفيد سالينجر العديد من العظات التي تجعله خليقًا بكل هذه الضجة المثارة حول موته وحياته؛ فهو فنان يشك في موهبته، كما أنه آثر الاعتزال الحرفي للعالم وناهض الظهور ما وسعه الجهد، حتى إنه وصل إلى المحاكم ذات مرة لكي يمنع المهتمين بكتابة سيرته الذاتية، كما أنه رفض إعادة نشر أعماله أكثر من مرة.
لكن الأهم من هذا كله أنه تماهى تمامًا مع بطل روايته الوحيدة «الحارس في حقل الشوفان» هولدن كولفيلد؛ فالفتى «هولدن» _مثل سالينجر بالضبط_ رافض لكل شيء، ويقرر أنه لن يدخل أي مدرسة من المدارس بعد الآن؛ كي لا يقابل مزيفين في حياته أبدًا، ويقرر، عوضًا عن ذلك، أن يكون «حارسًا في حقل الشوفان».
لكن خاتمة الرواية مفاجئة تمامًا؛ إذ يعود الفتى إلى بيته ويقرر الذهاب إلى مدرسة جديدة مطلع الخريف القادم.
وعلى ما يبدو، فإن جيروم ديفيد سالينجر وطّد عزمه على عدم الوصول إلى ذات النهاية التي وصل إليها «هولدن كولفيلد» وآثر العناد ولاذ بالعزلة حتى النفس الأخير من حياته.
واحتفاءً بهذه الموهبة الفنية الفذة؛ يرصد «رواد الأعمال» نُبذًا من سيرة حياته وذلك على النحو التالي..
اقرأ أيضًا: لويس برايل.. موهبة عاندت الفقر والإعاقة
الطفولة والسنوات الأولى
-وُلد جيروم ديفيد سالينجر في 1 يناير عام 1919 م، في منهاتن بنيويورك، كانت والدته تدعى “ماري جيليتش”؛ وهي نصف اسكتلندية نصف أيرلندية، أما والده فكان يهوديًا من أصل بولندي.
-تردد ديفيد سالينجر على العديد من المدارس الحكومية في الجانب الغربي بمنهاتن، ثم انتقل إلى مدرسة مكبري الخاصة في الصفين التاسع والعاشر.
-مثّل العديد من المسرحيات المدرسية وأظهر موهبة درامية رغم معارضة والده لأن يصبح ابنه ممثلًا، والتحق بأكاديمية وادي فورغ العسكرية في وين ببنسلفانيا. وهناك كتب قصصه (تحت الغطاء) في حجرته ليلًا على مصباح يبعث ضوءًا شحيحًا.
-التحق بجامعة نيويورك عام 1936م، لكنه غادرها في الربيع التالي، وفي خريف العام نفسه دفعه والده لتعلم تجارة اللحوم؛ ولذلك أرسله ليعمل بشركة في فيينا، وغادرها قبل وقوعها في أيدي النازيين بشهر.
اقرأ أيضًا: جوزيف باربيرا.. الأكثر تأثيرًا في عالم الرسوم المتحركة
محاولات في الكتابة
وفي مارس 1938 داوم في كلية أورسينوس في بنسلفانيا لفصل دراسي واحد فقط. وفي 1939 حضر درسًا مسائيًا للكتابة في جامعة كولومبيا، كان يقدمه وايت بورنيت؛ المحرر بمجلة ستوري.
ووفقًا لبورنيت؛ فإن سالينجر لم يظهر نفسه إلا في الأسابيع القليلة قبل نهاية الفصل الدراسي الثاني؛ حيث أكمل ثلاث قصص قصيرة. وتم إخباره بأن قصصه محكمة وجيدة، ونُشر له في مجلة “ستوري”.
في 1941م بدأ سالينجر في إرسال قصص للنيويوركر، والتي رفضت سبعة منها، من بينها (غداء لثلاثة) و(أنا ذهبت للمدرسة مع هتلر)، لكنها قبلت قصته (عصيان ماديسون)، وهي قصة عن مراهق غير مبالٍ بأحداث ما قبل الحرب؛ ما جعلها غير قابلة للنشر حتى 1946. خاصة مع أحداث الهجوم الياباني على ميناء بيرل هاربور.
في 1948 ظهرت قصته «يوم مثالي لسمك الموز» في مجلة نيويوركر، والتي ساهمت أيضًا في نشر العديد من أعمال سالينجر فيما بعد.
في 16 يوليو 1951 تم نشر رواية “الحارس في حقل الشوفان” من قِبل شركة ليتل براون؛ حيث تحدثت الرواية عن الفتى ذي الست عشرة عامًا في مدينة نيويورك الذي طُرد ونُبذ من مدرسته بالإضافة لطرده من ثلاث مدارس سابقة.
تمضي أحداث الكتاب على لسان شخصيته الرئيسية هولدن كولفيلد؛ الذي يظهر كراوٍ ذي نظرة ثاقبة وغير نمطية؛ ليشرح أهمية الوفاء والإخلاص ومدى الزيف والنفاق الملازمين للبالغين، بالإضافة للازدواجية التي يعاني منها هو نفسه.
اقرأ أيضًا: بول سامويلسون.. رائد الاقتصاد الرياضي
علاقاته وزواجه
تزوج جيروم ديفيد سالينجر من سيلفيا ويلتر وجلبها معه من ألمانيا إلى الولايات المتحدة في أبريل 1946، غير أن زواجهما انتهى بعد ثماني أشهر وعادت سيلفيا إلى ألمانيا.
في فبراير 1955 وحين كان يبلغ من العمر 36 عامًا تزوج سالينجر من كلير دوغلاس؛ إحدى طالبات جامعة رادكليف، والتي كان أبوها “روبرت لانغتون دوغلاس” ناقدًا فنيًا، وكان لهما طفلان، مارغريت المولودة في 1955 وماثيو في 1960. أصرّ سالينجر على زوجته كلير لتترك دراستها وتعيش معه، وفعلت ذلك.
اقرأ أيضًا: محطات في حياة «ألكسندر دوما».. الكاتب المُغامر
نهاية تاريخ العزلة
توفي سالينجر لأسباب طبيعية داخل منزله في نيو هامبشاير في 27 يناير 2010م، عن عمر 91 سنة.
وكان ديفيد سالينجر أُصيب بكسر في الفخذ في مايو 2009، إلا أن حالته الصحية كانت جيدة جدًا، حتى حدث له هبوط مفاجئ في العام الحالي، ولم يعانِ من ألم قبل وفاته.
وعُرض في عام 2017 فيلم ثائر في حقل الشوفان (Rable In The Rye)، وهو فيلم سيرة ذاتية عن حياة الكاتب، أخرجه المخرج الأمريكي داني سترونغ؛ وأدى دور “سالينجر” الممثل نيكولاس هولت.
اقرأ أيضًا:
نيلسون مانديلا.. الزعيم والقدوة
الكاتبة الهندية أرونداتي روي.. الأديبة المناضلة
ما لا تعرفه عن إيلون ماسك.. الثاني في قائمة الأثرياء