تُشكل قصة نجاح السير جيمس دايسون، المخترع البريطاني ومؤسس شركة دايسون، نموذجًا يحتذى به في عالم الابتكار وريادة الأعمال؛ إذ اشتهر دايسون باختراعه المكنسة الكهربائية دون كيس، التي تعمل بمبدأ الفصل الإعصاري. وهو ابتكار أحدث ثورة في صناعة الأجهزة المنزلية.
علاوة على ذلك يعد “دايسون” واحدًا من أغنى الشخصيات في المملكة المتحدة؛ حيث تقدر ثروته العائلية الصافية بـ 23 مليار جنيه إسترليني وفقًا لقائمة “سنداي تايمز ريتش” لعام 2023. بينما تدرج “فوربس” صافي ثروته بمبلغ 13.4 مليار دولار اعتبارًا من مارس 2025.
جيمس دايسون
كذلك لعب جيمس دايسون دورًا بارزًا في مجال التعليم؛ حيث شغل منصب رئيس الكلية الملكية للفنون خلال الفترة من أغسطس 2011 إلى يوليو 2017. وافتتح لاحقًا معهد دايسون للهندسة والتكنولوجيا في سبتمبر 2017. وهو جامعة جديدة تقع داخل حرم دايسون في ويلتشير.
كما يعد “دايسون” رمزًا للإصرار والمثابرة؛ حيث لم يستسلم أمام التحديات التي واجهته في بداية مشواره المهني. ومن الضروري الإشارة إلى أن دايسون لم يكتفِ بالنجاح المالي. بل سعى إلى ترك بصمة إيجابية في المجتمع؛ من خلال دعم التعليم وتشجيع الابتكار.
الحياة المبكرة والتعليم
وُلد جيمس دايسون يوم 2 مايو عام 1947م، في بلدة كرومر بمقاطعة نورفولك الإنجليزية، ليكون واحدًا من بين ثلاثة أطفال لـ “جانيت م.” (بولتون قبل الزواج) وأليك ويليام دايسون. حمل اسم جده، جيمس دايسون، الذي كان له تأثير كبير في حياته. لكن القدر لم يمهل والده طويلًا؛ إذ رحل بسرطان البروستاتا عندما كان جيمس في التاسعة من عمره، تاركًا العائلة في ظروف مادية صعبة، وصفها دايسون لاحقًا بأنها “معدمة”.
ومع ذلك لم تثنِ هذه الظروف جيمس عن السعي نحو المعرفة. فبفضل موافقة مدير مدرسة جريشام، وهي مدرسة داخلية مستقلة في هولت، نورفولك، على دفع رسومه الدراسية تلقى تعليمه هناك بين عامي 1956 و1965. وفي المدرسة برز في سباقات المسافات الطويلة. وهي الرياضة التي أكد أنها علمته الكثير عن التصميم والمثابرة.

بين الفن والهندسة
قضى دايسون عامًا دراسيًا، بين عامي 1965 و 1966، في مدرسة بيام شو للفنون، وهي مؤسسة مرموقة تحت قيادة المدير موريس دي سوسماريز.
ويعزو دايسون الفضل إلى توجيهات وتدريس دي سوسماريز في إلهامه ليصبح مصممًا، وتحدث عن ذلك في افتتاح معرض أعاد أعمال دي سوسماريز في جامعة ليدز عام 2015، مؤكدًا التأثير العميق الذي أحدثه الفنان والمدير السابق في حياته المهنية.
وبعد ذلك انتقل دايسون إلى الكلية الملكية للفنون بين عامي 1966 و1970م؛ حيث بدأ بدراسة تصميم الأثاث والتصميم الداخلي، قبل أن يتحول إلى الهندسة. وخلال فترة دراسته للفنون الجميلة انتقل إلى التصميم الصناعي، ويرجع ذلك جزئيًا إلى تدريس المهندس الإنشائي أنتوني هانت.
من الفشل إلى ريادة سوق المكانس الكهربائية
في أواخر السبعينيات انطلقت شرارة الإبداع لدى جيمس دايسون، المهندس البريطاني الذي راودته فكرة ثورية لتطوير مكنسة كهربائية تعتمد على تقنية الفصل الإعصاري.
وكان يعاني من تضاؤل أداء مكنسته الكهربائية “هوفر جونيور” بسبب انسداد مسام كيس الغبار. ما أثر سلبًا في قوة الشفط. فاستلهم فكرته من منشرة خشب تستخدم تقنية الإعصار لفصل النشارة، ليقرر تطبيق المبدأ ذاته في تصميم مكنسة كهربائية مبتكرة.
رحلة الـ 5,127 نموذجًا
بدعم من زوجته، وهي مدرسة فنون، انطلق دايسون في رحلة مضنية استغرقت خمس سنوات، أنتج خلالها ما يقرب من 5,127 نموذجًا أوليًا، حتى تمكن في عام 1983 من إطلاق مكنسة “جي-فورس”.
واجه دايسون صعوبات في تسويق منتجه بالمملكة المتحدة؛ حيث رفضت الشركات والموزعون التعامل معه خوفًا من الإضرار بسوق أكياس الغبار البديلة. ولكنه لم يستسلم وقرر إطلاق المنتج في اليابان عبر مبيعات الكتالوجات. وتميزت مكنسة “جي-فورس” بلونها الوردي الزاهي، وبيعت بنحو 2000 دولار، وهو ما يعادل حوالي 5500 دولار في عام 2023 مع الأخذ في الاعتبار التضخم. وحازت المكنسة على جائزة معرض التصميم الدولي لعام 1991 في اليابان.
تأسيس شركة دايسون المحدودة
لم يكتف دايسون بتطوير المكنسة بل قدم أيضًا سلسلة من براءات الاختراع لتصميمه المبتكر، بما في ذلك براءة الاختراع EP0037674 للمكنسة الكهربائية ذات الإعصار المزدوج في عام 1980. وعندما رفضت الشركات المصنعة الكبرى فكرته قرر تأسيس شركته الخاصة، “دايسون المحدودة”.
وفي يونيو 1993 افتتح مركز أبحاث ومصنعًا في مالمسبري، ويلتشير، لإنتاج وتسويق منتجاته.
وداعًا للكيس
حقق شعار دايسون “وداعًا للكيس” صدى واسعًا لدى المستهلكين، وسرعان ما أصبحت مكنسة دايسون ذات الإعصار المزدوج أسرع مكنسة كهربائية مبيعًا في تاريخ المملكة المتحدة.
وتفوقت مبيعات دايسون على مبيعات الشركات التي رفضت فكرته في البداية، وأصبحت العلامة التجارية واحدة من الأكثر شعبية في المملكة المتحدة. وفي أوائل عام 2005 تصدرت مكانس دايسون السوق في الولايات المتحدة من حيث القيمة، وإن لم يكن من حيث عدد الوحدات المباعة. ورخصت تقنيتها في أمريكا الشمالية من 1986 إلى 2001 لشركة فانتوم تكنولوجيز، قبل أن تدخل السوق مباشرة.
معركة براءات الاختراع
لم يسلم نجاح دايسون من المنافسة؛ فبدأت الشركات المصنعة الأخرى في تسويق مكانسها الكهربائية الإعصارية. وفي عام 1999 رفع دايسون دعوى قضائية ضد هوفر (المملكة المتحدة) بتهمة انتهاك براءات الاختراع، وحكمت المحكمة العليا بأن هوفر نسخت عمدًا جزءًا أساسيًا من تصاميمه الحاصلة على براءة اختراع في صناعة مجموعة مكانسها الكهربائية دون كيس “تريبل فورتكس”.
ووافقت هوفر على دفع تعويضات قدرها 4 ملايين جنيه إسترليني.

روبوت التنظيف الذكي
في منتصف عام 2014 كشف دايسون النقاب عن مكنسته الكهربائية الروبوتية “360 آي” في طوكيو. ويتميز هذا النموذج الجديد بتقنيات متطورة، مثل: المسح والخرائط بزاوية 360 درجة للملاحة. وفصل الغبار الإعصاري، ومحرك رقمي مصمم خصيصًا لشفط عالي، وجنازير دبابات للجر، وقضيب فرشاة بعرض كامل. وواجهة مستخدم عبر تطبيق مجاني لنظامي iOS أو Android.
في النهاية يؤكد دايسون أهمية الفشل في رحلة النجاح. وصرح في مقابلة مع مجلة “فاست كومباني” (مايو 2007): “صنعتُ 5,127 نموذجًا أوليًا لمكنستي قبل أن أصل إلى النتيجة الصحيحة. كان هناك 5,126 فشلًا. لكنني تعلمت من كل واحد. هكذا توصلت إلى حل؛ لذلك لا أمانع الفشل. ولطالما اعتقدت بأنه يجب تقييم تلاميذ المدارس بعدد مرات الفشل التي مروا بها. فالطفل الذي يجرب أشياء غريبة ويختبر الكثير من الإخفاقات للوصول إلى مبتغاه هو على الأرجح أكثر إبداعًا”.