لا يُعد تطبيق المسؤولية الاجتماعية أمرًا سهلًا، ولا عملًا بمستطاع الجميع الخوض فيه دونما كدح وعناء، ولا نقصد هنا النجاح في هذا المسعى فحسب، وإنما حتى مجرد إمكانية التطبيق.
ومن المعلوم أن النجاح في تطبيق المسؤولية الاجتماعية ليس ممكنًا قياسه إلا بعد فترات زمنية طويلة من بدئه؛ إذ آثار هذه المساعي الاجتماعية لا تظهر ولا تؤتي ثمارها إلا بعد وقت طويل.
ولعله ليس بخافٍ على أحد أن تطبيق المسؤولية الاجتماعية ليس إلا نتيجة أو تبعة ثانوية؛ إذ لا بد أن يكون هذا التطبيق _هذا المسعى الاجتماعي المسؤول بالأحرى_ مسبوقًا بتغير جذري في بنية العقلية الحاكمة بالمؤسسة، وإدراك القائمين على هذه الشركة أو تلك أن مؤسستهم ليست كيانًا منفصلًا عن المجتمع الذي تعمل فيه، وإنما هي جزء منه، وحالما يضار المجتمع فستضار هي بالتعبية أيضًا؛ لا سيما أن الميكانيزمات العولمية قد جعلت من العالم كله قرية صغيرة، متداخل الأبعاد، متبادل التأثيرات.
اقرأ أيضًا: اليوم الوطني السعودي 91.. جهود المملكة الإنسانية إنجازات راسخة عالميًا
عوائق تطبيق المسؤولية الاجتماعية
ويرصد «رواد الأعمال» طائفة من العوائق والتحديات التي تعرقل تطبيق المسؤولية الاجتماعية وذلك على النحو التالي..
-
قلة الوعي
معلوم أن المسؤولية الاجتماعية _كمفهوم ونظرية_ حديثة إلى حد بعيد، وبالتالي فإن إدراك الناس لماهيتها وأهميتها ما زال في طور جنيني، إن لم يكن دون المأمول أصلًا.
لذا ترى من يتصور أن تطبيق المسؤولية الاجتماعية لا يعني سوى مجرد إهدار أموال الشركة على المجتمع، وتبديد مواردها! تلك نظرة قاصرة، لكنها في الأصل نابعة عن جهل بماهية المسؤولية الاجتماعية، وما تنطوي عليه من أهمية للشركة نفسها قبل أهميتها للمجتمع ذاته.
ولو انتقلنا إلى الشركات الصغيرة والمتوسطة فسنجد أن المشكلة هنا أعمق وأعوص، ليس فقط لأن القائمين جاهلين بأهمية المسؤولية الاجتماعية _عادة ما يكون هذا منتفيًا؛ فالشبيبة والأحدث سنًا يدركون أهمية المبادرات الاجتماعية نظرًا لأمور جمة لا يسعنا الخوض فيها_ وإنما لأنهم أيضًا يفتقرون إلى فهم كيفية البدء في تطبيق المسؤولية الاجتماعية للشركات؛ بمعنى أن المشكلة هنا ليست في عدم إدراك أهمية المسؤولية الاجتماعية وإنما في الجهل بكيفية تطبيقها.
اقرأ أيضًا: المسؤولية البيئية للشركات.. التزام قانوني ودوافع أخلاقية
-
قصر النظر
ذلك أيضًا واحد من تجليات العائق السابق، فلما كان الناس يجهلون أهمية المسؤولية الاجتماعية فإنهم ركزوا تفكيرهم في الحصول على المكاسب الآنية والعاجلة، والحق أن هذا محض قصر نظر، ومثل هذا التفكير يضر بالشركة ذاتها قبل أن يلحق الضرر بالمجتمع.
فأغلب المدراء والقائمون على الشركات يركزون على المكاسب العاجلة؛ ولذا فهم يرون أن السعي إلى تطبيق المسؤولية الاجتماعية لا يعني، بأي حال من الأحوال، سوى تبديد أموال الشركة.
فهم يسعون إلى تحصيل مكسب عاجل، وربح سريع، وأحيانًا قد يوفقون في هذا المسعى، غير أن تصرفًا كهذا لا يمكن أن ينجم عنه إلا ضرر على المدى البعيد.
علاوة على كل ذلك، فإن هناك جهلًا كبيرًا بالفوائد التي يمكن جنيها من خلال تطبيق المسؤولية الاجتماعية للشركات، وتلك أصلًا مسألة وعي.
اقرأ أيضًا: قواعد المسؤولية الاجتماعية للشركات.. إطار مرجعي لممارسات جمة
-
نقص الموارد
لو أنك تصورت أن نقص الموارد المالية هو العائق الوحيد أمام تطبيق المسؤولية الاجتماعية فستكون قد جافيت الصواب من أكثر من وجه؛ فأولًا لدى الشركات الكبرى الكثير من الأموال، ومع ذلك قد لا نراها تلعب أي دور على مسرح المجتمع؟
ناهيك عن أن الشركات الناشئة، رغم ما تعانيه من شح الموارد المالية، تسعى ما وسعها الجهد إلى لعب دور اجتماعي فاعل في مجتمعاتها المحيطة؛ ذلك لأنها أدمجت تطبيق المسؤولية الاجتماعية في استراتيجياتها العامة.
وبناءً عليه فإن نقص الموارد المالية ليس هو العائق الأوحد أمام تطبيق المسؤولية الاجتماعية، وإنما هناك أيضًا نقص الموارد البشرية التي يمكنها تطبيق برامج وممارسات خاصة بالمسؤولية الاجتماعية للشركات.
اقرأ أيضًا: الاقتصاد الدائري للكربون وتعزيز الاستدامة
-
التكاليف
مهما قلنا أو اقترحنا من طرق وبدائل يمكن من خلالها لعب أدوار إيجابية في المجتمع من دون إنفاق الكثير من المال فسيبقى تطبيق المسؤولية الاجتماعية نشاطًا مكلفًا؛ لأننا حتى لو قلنا إنه من الممكن القيام بذلك بمبلغ معين فإن هذا المبلغ المالي بالذات قد يكون كبيرًا أو غير محتمل بالنسبة لشركات حديثة العهد، أو تعاني من عقبات وعراقيل في مسار أو مسارات معينة.
-
غياب الرؤية الاستراتيجية
هناك من قسّم عوائق تطبيق المسؤولية الاجتماعية إلى عوائق ذاتية وأخرى موضوعية _وإن كانت هذه القسمة لا تعنينا هنا_ فإنه بالإمكان القول إن غياب الرؤية الاستراتيجية هو واحد من العوائق الذاتية أمام تطبيق المسؤولية الاجتماعية.
وذلك لأن كبار المدارء وربما حتى بعض أصحاب المصلحة لا يملكون أي أفق زمني متوقع لمستقبل الشركة، وإنما هم يركزون على الآني، والراهن، والعاجل، ومن سوء الحظ فإن الأثر المتوخى من المسؤولية الاجتماعية لا يمكن الحصول عليه ولا إدراكه إلا بعد ردح طويل من الزمن.
اقرأ أيضًا:
- مجالات المسؤولية الاجتماعية.. منهج جديد للتصنيف
- القيادة الأخلاقية والمسؤولية الاجتماعية للشركات
- الحوكمة البيئية.. التعريف والمبادئ العامة
- تنافسية الشركة.. عناصرها وتأثرها بالمسؤولية الاجتماعية
- القيمة الاجتماعية للأعمال وجذب الاستثمارات