ظهر مفهوم العمل التطوعي، في العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين والذي يُطلق عليه “عصر التغيرات السريعة والرقمنة”/ وفي ظل التطورات الاقتصادية، والاجتماعية ازدادت ضرورة تمكين الفرد لمواكبة هذه التغيرات في بيئته ومجتمعه.
كان لمفهوم العمل التطوعي في السعودية أثر كبير في غرس المبادئ الوطنية؛ بهدف إظهار جهود المملكة في تعزيز التنمية المستدامة، وقيادة التغيير لتحقيق أهدافها العالمية، وذلك يتحقق من خلال دعم المتطوعين الأفراد والمجتمعات والمنظمات؛ لتعزيز مساهمتها في التنمية على المستويات المحلية والدولية.
فقيمة العطاء وترك الأثر والسبق في التطلعات لمواكبة المُستقبل مِن أبرز سمات المواطن من خلال العمل التطوعي والمسؤولية المُجتمعية، ونحنُ الركيزة الأساسية التي تتقدم بها دولتنا العظيمة، والطاقة الداعمة والشُعلة التي تحترق لتقود العالم.
قال الله تعالى: ﴿فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ﴾ [البقرة: ١٨٣]
ظهور مفهوم العمل التطوعي
في عام 1996م كان أول ظهور لمفهوم العمل التطوعي داخل الأمم المتحدة في منتدى للسياسات العامة تم عقده في اليابان، وتم اعتماد القرار بالعمل التطوعي في عام 2001م وبعدها تم الإعلان عن “السنة الدولية للمتطوعين” من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة، بتوصيات من المجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة؛ حيث شارك في هذا القرار 132 بلدًا.
لم يكُن الإعلان عن هذا القرار محض صُدفة، فالتغيرات اليومية في حياة المجتمعات إضافةً إلى حاجة الدول لدعم القوى البشرية العاملة والثقافة المُتقدِمة حافزٌ أساسي لترسيخ دور المجتمعات المدنية التي تعمل بشكل متوازٍ مع سياسات الدول؛ لتحقيق أجندة 2030.
كما أن التطوع إحدى أدوات التغيير المُتفق عليها عالميًا، إلى جانب القيمة الذاتية المُضافة من العطاء الإنساني، وكسب الأجر، والارتقاء بالأوطان، فهو داعم أساسي للارتقاء بالأمم والشعوب، ومن خلال مناقشة قضايا العالم وإيجاد الحلول وإشراك الشباب يظهر مجتمع لا تقهره الصعاب.
نحن اليوم نواكب العالم في هذا التغيير، ونحمل الطموح كغيرنا للوصول إلى القِمم، وكان للمملكة العربية السعودية دور كبير في إطلاق المبادرات الطوعية محليًا ودوليًا وعلى كل الأصعدة، والتي تعد الرافد الأساسي لدعم جهود الشباب والمجتمعات بالدول لتطوير البنية التحتية المعرفية؛ من خلال صقل المهارات وتبادل الثقافات في المشاركات المحلية والدولية للنهوض بجيلٍ واعٍ، والذي يُعد وليد التطور الاقتصادي والاجتماعي.
” طموحنا أن نبني وطنًا أكثر ازدهارًا يجد فيه كُل مواطن ما يتمناه”.
محمد بن سلمان بن عبد العزيز
يتزايد ترسيخ الجانب التطوعي بالفرد والمجتمع من خلال دعم الدول للمنظمات المحلية والعالمية والجمعيات بِمُختلف أنواعها؛ لذا كان لانطلاق “مبادرة السعودية الخضراء والشرق الأوسط الأخضر” الأثر الكبير في مشاركة جميع القطاعات بالمملكة العربية السعودية في الحد من انبعاثات الكربون، ومواجهة تحديات المناخ ضِمْن مسيرة تحقيق أهداف التنمية المستدامة التي تسهم في زيادة قدرات المنطقة على حماية كوكب الأرض؛ من خلال وضع خارطة طريق طموحة تتحقق عن طريق مجتمع حيوي واقتصاد مزدهر ووطن طموح لا يعتمد اقتصاده على النفط ومشتقاته بل من خلال دعم الاقتصاد الدائري وتوفير الوظائف الخضراء.
وقد بلغ إجمالي المتطوعين خلال عام 2021، حسب إحصائيات رؤية 2030 ميدانيًا مــن خلال مركز التطوع الصحي، أكثر من 393 متطوعًا، كما بلغــت القيمــة الاقتصاديــة البديلة لأعمالهم التطوعيــة ما يزيد على مليـار و150 مليـون ريال.
وبلغ إجمالي المتطوعين 251.484 متطوع ومتطوعة، وتم إطلاق 805.242 فرصة تطوعية، وما يزيد على 42 مليون مستفيد مــن الأنشطة التطوعية، وكان العائد الاقتصادي من خلال الأعمال التطوعية أكثر من 916 مليــون ريال.
ونتيجة لهذه الجهود الجبارة والإنجازات المُكللة بالنجاح حققت المنظمـات غير الربحية المسجلة بالمملكة ارتفاعًا إلـى 3.068 منظمـة بنهاية 2021 بنسبة 88% مقارنة بعام 2017.
وفي الربع الثاني بالتحديد من عام 2022، حسب إحصائيات وزارة الموارد والتنمية الاجتماعية، تم الوصول إلى 258.304 بنسبة تخطت المستهدف؛ من خلال إطلاق 146.608 فرصة تطوعية، وكان من أبرز الإنجازات: 24 مليون مستفيد من التطوع، في حين بلغ العائد الاقتصادي التقديري من عملية التطوع 282.564.596 ريال سعودي.
كتجربة شخصية للتطوع أستطيع القول إنه ترك أثر إيجابيًا في كُل مكانٍ وزمان، سواءً على المستوى الشخصي أو الاجتماعي، وأيضًا هو وسيلة لكسب المهارات والعلاقات، والعمل من خلال منظومة عمل مؤسسية في كسب التأييد؛ فالمشاركات في المحافل الدولية بثقافات متنوعة تُعزز من الثروة المعرفية الشخصية، والاستثمار الجيد في المجالات المُتخلفة، إضافةً إلى نوع سوق العمل المطروح بناء على الخبرات المُكتسبة، والمهارات المصقولة دون الاقتصار على الاختصاص أو الشهادة الجامعية.
ومن تجاربي الشخصية لعام 2022 كانت رحلة قِمة المناخ COP27 في شرم الشيخ؛ حيثُ كانت فريدة من نوعها؛ إذ تم الاستماع لأصوات مُتطوعي المجتمعات المدنية من مختلف المنظمات في العالم ودعم مشاركاتهم ومراقبة جهود قادة العالم، وسن السياسات لمواجهة تحديات المناخ، ولقاء نُشطاء المنظمات والمناخ حول العالم؛ ما كان له أثر إيجابي بشكل كبير، فكأنما أرى خارطة العالم ونشاطاتهم نُصب عيني، والتي لم أجدها في محيطي العملي أو حتى الشخصي إلا بالعمل التطوعي.
التطوع العالمي له تاريخ عريق من أصالة الترابط الاجتماعي والثقافي على مستوى الدول والأديان. وتصل أعداد المتطوعين في برنامج الأمم المتحدة للمتطوعين في كل عام إلى حوالي 83% من دول الجنوب، ويتم تكليف 40% منهم داخل بلدانهم، لكن الشبكة العربية للمنظمات الأهلية أجرت دراسة في عام 2005م عن العالم العربي والعمل التطوعي وكان الشباب ما بين 15-30 عامًا هم أقل فئة عمرية مهتمة بالتطوع المجتمعي.
لطالما كنتُ أُردد “التاريخ من خِلال المجد، والمجد من خلال القِصة، والقِصة مِن خلال الطموح”.
نحن من يصيغ القصّة، ومن يكتب سيمفونيات لحن الرحلة، فالعالم عبارة عن تجربة تخوضها لتلقي العلم وحمل رسالةً سامية تكتبها بين طيات كتاب الرحلة لتُري العالم أن النجاح قائم على المبادرات واغتنام الفرص الذهبية.
حصة الصفار
اقرأ أيضًا من رواد الأعمال:
6 أمور أساسية عن الحوكمة البيئية
المسؤولية المجتمعية والأندية الرياضية
برامج المسؤولية الاجتماعية في المملكة.. آليات الدفع بالمجتمع قُدمًا
مبادرات المسؤولية الاجتماعية في وزارة الموارد البشرية
الاستثمار في الطاقة المتجددة.. مزايا وخطوات استباقية


