أولئك الذين قالوا إن الرأسمالية نظام يأكل نفسه، أو حتى الذين رأوا أن قمة نضج هذا النظام سيكون بداية انهياره لم يكونوا على حق، فلم يعرف الاقتصاد نظامًا استفاد من نقاده كما استفاد النظام الرأسمالي، كما أنه كان يستخدم هذه الانتقادات في تطوير نفسه وتعديل مساره، ولعل مفهوم الرأسمالية الواعية أحد تجليات هذا التطوير الدائم للمفهوم الأساسي. وليس الهدف هنا هو إحداث نوع من المقارنة مع المسؤولية الاجتماعية.
فهذا الطرح غير منطقي من الأساس، طالما أن المسؤولية الاجتماعية نفسها كانت وليدة نظم رأسمالية، والهدف منها هو تقديم حلول وسط تضمن بقاء الشركات الرأسمالية، من جهة، وخدمة المجتمع من جهة أخرى.
وبخلاف هذه النظرة التي ترى في المسؤولية الاجتماعية والرأسمالية الواعية مفهومين أو نظريتين متضادين، فإننا نذهب إلى أن الرأسمالية الواعية ليست سوى الشكل الأكثر نضجًا وتطورًا من المسؤولية الاجتماعية.
اقرأ أيضًا: نظرة على المسؤولية الاجتماعية عالميًا أثناء أزمة كورونا
إعادة النظر في الأخطاء
من المعروف أن الهدف في النظم الرأسمالية هو مراكمة الأرباح، لكن، وبما أن المسؤولية الاجتماعية ربما تكون انحازت لطرف على حساب الطرف الآخر كانت الحاجة ماسة إلى ظهور مفهوم الرأسمالية الواعية.
فالأساس في المسؤولية الاجتماعية للشركات هو إحداث نوع من التوازن بين مصالح الشركة ومصالح المجتمع، دون تغليب أيهما على الآخر، ولنتذكر أن الشركات المسؤولة اجتماعيًا هي شركات رأسمالية في الأساس، وأن تبنيها للمسؤولية الاجتماعية لأهداف ربحية كما لتحقيق منافع للمجتمع في الوقت ذاته.
إذًا، يمكن القول إن الرأسمالية الواعية هي سعي إلى وضع الأمور في نصابها الصحيح من جديد، ومحاولة ضبط طرفي معادلة الشركة/المجتمع.
اقرأ أيضًا: المسؤولية الاجتماعية وتحسين علاقات العملاء
تصورات الرأسمالية
الرأسمالية مفهوم غامض، ومع ذلك، عادة ما يتم تعريفها بأنها نظام اقتصادي واجتماعي مبنٍ على تراكم رأس المال؛ عبر الملكية الخاصة، والسيطرة الخاصة على وسائل الإنتاج، والربح هو أحد الأهداف الشاملة للرأسمالية.
هذا الربح لن يكون غائبًا عن مفهوم الرأسمالية الواعية؛ والتي تحاول الإجابة عن سؤال: هل بإمكان المنظمات المسؤولة اجتماعيًا والواعية تقديم أداء أفضل من نظيراتها؟
لا يحتل الربح مقعدًا خلفيًا لأغراض أخرى كما هو الحال في المسؤولية الاجتماعية للشركات، ولكنه يظل الدافع المركزي لكل الأنشطة والمبادرات التي تطلقها الشركة.
وتسعى المنظمات الملتزمة بالرأسمالية الواعية إلى توسع نطاق وصولها لخدمة البيئة والمجتمع وحتى موظفيها بشكل أفضل، وذلك بدلًا من التركيز على خدمة مجموعة ضيقة نسبيًا من المصالح التقليدية، مثل المساهمين والعملاء.
وتتمتع هذه النظرية بقدر كبير من الذكاء، فهي، على سبيل المثال، تعمد إلى دفع المزيد من المال للموظفين؛ لرفع الروح المعنوية وتحسين الإنتاجية، ورفع معدلات الرضا الوظيفي، بالإضافة إلى تقديم مكافآت مقابل كل منتج يتم بيعه.
اقرأ أيضًا: مفهوم حوكمة الشركات.. أهميته وأبعاده
“بُعد النظر” المحصلة النهائية
ولعل من أبرز مميزات الرأسمالية الواعية أنها بعيدة النظر؛ إذ لا تركز، مثلًا، على مقدار المال الذي تدفعه من أجل خدمة المجتمع، وإنما تفكر في المحصلة النهائية، والعادات التي يمكن أن تجنيها من خلال هذه المبادرات التي تقوم بها.
وعلى ذلك، تركز تقييمات الرأسمالية الواعية على كيفية تعظيم العائدات في المحصلة النهائية، على سبيل المثال، يمكن أن يؤدي دفع أجور أعلى للموظفين إلى تقليل معدل دورانهم بشكل كبير، ما قد يوفر أموالًا أكثر مما لو حاولت الشركة تقليص نفقات العمالة وواجهت احتمالية التناقص المرتفع والمكلف.
اقرأ أيضًا:
أهم 5 مفاهيم عن المسؤولية الاجتماعية
أخلاقيات العمل.. الأهمية والأبعاد
نماذج من واقع المسؤولية الاجتماعية للشركات