تشعل مسألة إدارة أصحاب المصلحة نقاشًا حادًا في أروقة المؤسسات والشركات حول العالم. ففي ظل عالم الأعمال المتسارع والتغيرات المتلاحقة بات من الضروري أن تتجاوز الشركات حدودها التقليدية وتنظر إلى البيئة الأوسع التي تعمل فيها.
فإدارة أصحاب المصلحة ليست مجرد ممارسة اختيارية، بل هي ضرورة ملحة لضمان استمرارية النجاح وتحقيق الأهداف الاستراتيجية.
وتكمن أهمية إدارة أصحاب المصلحة في كونها بمثابة جسور التواصل بين المؤسسة وجميع الأطراف المعنية بقراراتها وأنشطتها. فمن خلال فهم احتياجات وتوقعات الموظفين والعملاء والموردين والمستثمرين والمجتمع المحلي تستطيع المؤسسة بناء علاقات قوية مبنية على الثقة والتعاون. وهذا بدوره يساهم في تعزيز سمعتها وزيادة ولاء العملاء وتحسين أداء الموظفين وجذب الاستثمارات.
إدارة أصحاب المصلحة
وليس هذا فحسب بل إن إدارة أصحاب المصلحة تساهم بشكل كبير في الحد من المخاطر التي قد تواجهها المؤسسة. فمن خلال تحديد أصحاب المصلحة الرئيسيين وتقييم تأثيرهم في المؤسسة يمكن للأخيرة التعامل مع التحديات المحتملة واتخاذ الإجراءات اللازمة لتجنب الأزمات. كما أنها تساعد في اكتشاف فرص جديدة للنمو والتوسع.
علاوة على ذلك فإن إدارة أصحاب المصلحة ليست مجرد عملية تفاعلية، بل استراتيجية شاملة تتطلب تخطيطًا دقيقًا وتنفيذًا متقنًا. فهي تتضمن تحديد أصحاب المصلحة، وتقييم تأثيرهم، وتطوير خطط تواصل فعالة، وبناء علاقات قوية معهم.
وعندما يتم تطبيق هذه الاستراتيجية بشكل صحيح فإنها تساهم في تحقيق ميزة تنافسية للمؤسسة وتعزيز قدرتها على التكيف مع التغيرات المستمرة في بيئة الأعمال.
وفي ظل التطورات التكنولوجية المتسارعة أصبحت إدارة أصحاب المصلحة أكثر أهمية من أي وقت مضى. فمع ظهور وسائل التواصل الاجتماعي والذكاء الاصطناعي صار لدى أصحاب المصلحة صوت أقوى وقدرة أكبر على التأثير في سمعة المؤسسات. لذلك ينبغي على الشركات أن تتبنى أدوات وتقنيات جديدة لإدارة تفاعلاتها مع أصحاب المصلحة بشكل فعال.
من هم أصحاب المصلحة؟
يمكن تعريف صاحب المصلحة بأنه أي فرد، مجموعة، أو منظمة تتأثر بشكل مباشر أو غير مباشر بقرارات وأنشطة مشروع معين، أو تمتلك القدرة على التأثير في مساره ونتائجه. فصاحب المصلحة ليس بالضرورة أن يكون مشاركًا فعليًا في تنفيذ المشروع، بل يكفي أن تتوفر لديه مصلحة في نجاحه أو فشله.
قد يكون هذا الشخص مستثمرًا يسعى لتحقيق عائد مادي، أو موظفًا يتطلع إلى تحسين ظروف العمل. أو مواطنًا يهتم بالتأثير البيئي للمشروع؛ أو حتى منافسًا تجاريًا يسعى إلى تقويض جهود الشركة.
وبالإضافة إلى ذلك فإن إتقان مفهوم صاحب المصلحة يعد أمرًا بالغ الأهمية في إدارة المشاريع؛ حيث يساعد في تحديد الأطراف التي يجب أخذ آرائها ومصالحها بعين الاعتبار عند اتخاذ القرارات. فإشراك أصحاب المصلحة بشكلٍ فعّال في عملية صنع القرار يساهم في زيادة فرص نجاح المشروع، وتعزيز الثقة بين الأطراف المعنية، والحد من الصراعات المحتملة.
كما أن تحديد أصحاب المصلحة وتقييم تأثيرهم في المشروع يساعد في إدارة المخاطر بشكل أفضل، والتخطيط الاستراتيجي، وتحسين التواصل بين مختلف الأطراف.
خطوات إجراء تقييم شامل لأصحاب المصلحة
حان الوقت لإلقاء الضوء على أهمية تقييم أصحاب المصلحة في أي مشروع أو مبادرة؛ حيث يعد هذا التقييم بمثابة البوصلة التي توجهنا نحو اتخاذ القرارات الصائبة وإدارة العلاقات بكفاءة.
فيما يلي 4 خطوات أساسية لإجراء تقييم شامل لأصحاب المصلحة، وذلك من أجل ضمان نجاح أي مشروع وتحقيق أهدافه المنشودة:
1. تحديد أصحاب المصلحة
يمثل تحديد أصحاب المصلحة الخطوة الأولى والأكثر أهمية في عملية التقييم الشامل. فمن خلال تحديد جميع الأفراد والجماعات التي قد تتأثر بالمشروع أو التي قد يكون لها تأثير فيه نضع حجر الأساس لبناء علاقات قوية وفعالة مع جميع الأطراف المعنية.
تبدأ هذه الخطوة بجلسات عصف ذهني مكثفة تجمع مختلف الفرق والأقسام المعنية بالمشروع. يتم خلال هذه الجلسات تبادل الأفكار والآراء وتوظيف أدوات التحليل المختلفة مثل: الرسوم البيانية التنظيمية والبيانات التاريخية. الهدف منها هو رسم صورة واضحة عن جميع الأطراف المعنية وتحديد أدوارهم ومصالحهم.
وبالطبع الشمولية في تحديد أصحاب المصلحة هي مفتاح النجاح، فإغفال أي طرف قد يؤدي إلى عواقب وخيمة على المشروع. لذلك يجب أن تكون عملية التحديد دقيقة وشاملة؛ بحيث تشمل جميع الأطراف سواء كانوا داخليين أو خارجيين، مباشرين أو غير مباشرين.
2. تقييم التأثير والتأثر
بعد تحديد أصحاب المصلحة تأتي الخطوة التالية وهي تقييم مدى تأثيرهم في المشروع ومدى تأثير المشروع فيهم. هذه الخطوة تساعد في فهم ديناميكيات العلاقات بين أصحاب المصلحة وتحديد أولويات التعامل مع كل منهم.
وهنا يتم استخدام أدوات تحليلية متخصصة مثل: مصفوفة التأثير/التأثير لتصنيف أصحاب المصلحة بناءً على مجموعة من المعايير. والتي تشمل: مستوى استعداد كل صاحب مصلحة للتغيير، ومدى ذكائه العاطفي، ومستوى خبرته في المجال، وديناميات القوة التي يتمتع بها.
ومن خلال تقييم هذه المعايير يمكننا تحديد أصحاب المصلحة الأكثر تأثيرًا وأكثر اهتمامًا بالمشروع. وبالتالي توجيه جهودنا نحو إشراكهم وتلبية احتياجاتهم. كما يمكننا تحديد أصحاب المصلحة الذين قد يواجهون مقاومة للتغيير، واتخاذ الإجراءات اللازمة لمعالجة مخاوفهم.
3. فهم احتياجات أصحاب المصلحة ومخاوفهم
بعد تحديد أصحاب المصلحة وتقييم تأثيرهم يأتي الدور الحاسم لفهم احتياجاتهم ومخاوفهم بشكل عميق. هذه الخطوة تمثل نقطة التحول في بناء علاقات قوية وفعالة مع جميع الأطراف المعنية.
في هذه الخطوة يتم جمع البيانات اللازمة لفهم احتياجات أصحاب المصلحة ومخاوفهم من خلال مجموعة متنوعة من الأدوات والأساليب. تشمل هذه الأدوات الاستبيانات التي تساعد في جمع بيانات كمية ونوعية حول آراء وتوقعات أصحاب المصلحة، والمقابلات التي توفر فرصة للحصول على معلومات أكثر تفصيلًا حول وجهات نظرهم. كما تتضمن أيضًا مجموعات التركيز التي تسمح بإجراء حوار مفتوح مع مجموعة من أصحاب المصلحة حول موضوع معين.
ومن خلال طرح أسئلة مفتوحة وموجهة، مثل: “ما هي مخاوفك الرئيسية بشأن هذا التغيير؟” و”كيف تتوقع أن يؤثر ذلك في مسؤولياتك اليومية؟”، يمكننا الحصول على رؤى قيمة حول توقعات أصحاب المصلحة والتحديات التي قد يواجهونها.
هذه المعلومات تساعدنا في تطوير استراتيجيات فعالة للتعامل مع كل صاحب مصلحة على حدة، وبناء خطط عمل تلبي احتياجاتهم وتخفف من مخاوفهم.
4. تحديد أولويات أصحاب المصلحة
الخطوة الأخيرة في عملية تقييم أصحاب المصلحة هي تحديد أولوياتهم. هذه الخطوة تساعد في توزيع الموارد والمجهودات بشكل فعال، وضمان أن يتم توجيه الاهتمام الأكبر إلى أصحاب المصلحة الأكثر أهمية.
ويستخدم العديد من المنظمات طريقة ABCD لتحديد أولويات أصحاب المصلحة. هذه الطريقة تصنف أصحاب المصلحة إلى أربع فئات بناءً على تأثيرهم وأهمية تأثرهم بالمشروع:
أ: أصحاب المصلحة الذين يتمتعون بتأثير عالٍ واهتمام عالٍ بالمشروع. هؤلاء هم الأكثر أهمية ويجب إيلاء اهتمام خاص لاحتياجاتهم ومخاوفهم.
ب: أصحاب المصلحة الذين يتمتعون بتأثير عالٍ واهتمام منخفض بالمشروع. يجب إبقاء هؤلاء على اطلاع دائم بالتطورات، ولكن لا يتطلبون نفس مستوى الاهتمام مثل الفئة الأولى.
ج: أصحاب المصلحة الذين يتمتعون بتأثير منخفض واهتمام عالٍ بالمشروع. يجب الاستماع إلى آرائهم ومخاوفهم، ولكن لا يتطلبون جهدًا كبيرًا لإدارتهم.
د: أصحاب المصلحة الذين يتمتعون بتأثير منخفض واهتمام منخفض بالمشروع. يمكن إبلاغهم بالتطورات الرئيسية في المشروع، ولكن لا يتطلبون اهتمامًا خاصًا.
في النهاية يمكن القول إن إدارة أصحاب المصلحة هي استثمار طويل الأجل يؤتي ثماره على المدى البعيد. فمن خلال الاهتمام بأصحاب المصلحة تضمن المؤسسات استدامة أعمالها ونموها المستمر في بيئة أعمال متغيرة ومتحدية.