منذ أن وضع فرويد أولى نظرياته حول التحليل النفسي وهذا المجال آخذ في التطور؛ أي أن نظريات فرويد نفسها خاضعة للتطوير، خاصة أن هناك مؤيدين له ومعارضين، لا يفتأون يطورون من نظرياته أو يعارضون بعضها.
لكن المنفعة الأساسية هي أن نظرية التحليل النفسي خاضعة لتطور دائم، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن تطبيقات هذه النظرية آخذة في الازدياد يومًا تلو الآخر، ففرويد نفسه قد طبقها على مجالات عدة كالدين ودراسات الحضارة وغيرهما.
ثم أتى بعده قوم آخرون وسعوا من تطبيق هذه النظرية _التحليل النفسي أقصد_ وطبقوها في الأدب والفلسفة وما إلى ذلك.
وتطبيقات هذه النظرية تحفز العقل على التفكير في مناطق لم يكن ممكنًا له التفكير فيها بدونها، كما أنها تعطي الدارس والباحث كفاءة تفسيرية وقدرة تأويلية ليس ممكنًا له الحصول عليها من دونها.
اقرأ أيضًا: فشل إدارة الموارد البشرية.. 6 علامات تحذيرية
التحليل النفسي في إدارة الموارد البشرية
وإن كنا قد عرّجنا، فيما سبق، على بعض المجالات التي تم فيها استخدام التحليل النفسي، فإن أحدث هذه المجالات هو استخدامه في إدارة الموارد البشرية، وهو استخدام واجه الكثير من الانتقادات وكثيرًا من الترحاب أيضًا.
وعلى الرغم من أن بعض الاعتراضات التي قد يبديها معارضو استخدام التحليل النفسي في إدارة الموارد البشرية _وأغلب هؤلاء من الأكاديميين والمحللين النفسيين_ قد تبدو شكلية؛ فهم في نهاية المطاف غيورون على تخصصهم، لكن ثمة منافع جمة من جرّ هذه النظرية إلى ميدان ومجال إدارة الموارد البشرية.
اقرأ أيضًا: كورونا.. وإدارة الموارد البشرية
علم نفس الموارد البشرية
نحن نعلم أن هناك ما يسمى «علم النفس الصناعي»، ذاك الذي كان «ألتون مايو» رائدًا فيه، منذ تجاربه في هاوثورن، وهو ذاك العلم الذي يعرف بأنه “الدراسة العلمية للعمل وتطبيق هذا العلم على قضايا مكان العمل التي تواجه الأفراد والشركات والمجتمع”.
وتتمثل أهدافه في فهم وتحسين فعالية وصحة ورفاهية كل من الأفراد والمنظمات على حد سواء، ومن ثم فهو يهتم بالتجربة الإنسانية في العمل، ويعتمد على نظريات علم النفس والمفاهيم السائدة فيه، كما يولي اهتمامًا خاصًا بعلم النفس الاجتماعي، ويتداخل مع مجال السلوك التنظيمي.
لكن الأمر مع استخدام التحليل النفسي في إدارة الموارد البشرية، أو ما يسميه «غودارد» علم نفس الموارد البشرية، مختلف بعض الشيء، ليس من حيث الأهداف، فأهداف علم النفس الصناعي/ التنظيمي وعلم نفس الموارد البشرية واحدة تقريبًا، لكن الأمر من حيث الإجراءات جد مختلف.
ولا غرابة في هذا الأمر؛ إذ إن جزءًا كبيرًا من ثورة التحليل النفسي متمثل في أدواته وإجراءاته، ولنتذكر أن استخدام التنويم المغناطيسي _حين كان يطبقه فرويد_ لم يكن محل ترحاب ولا قبول من قِبل الأوساط الجامعية والأكاديمية آنذاك.
ويمكن القول، من دون كبير مجازفة، إن علم نفس الموارد البشرية ينقل المحاجة برمتها من مجال المعرفة إلى مجال العمل والصناعة، أو قل إنه يوظف هذه المعرفة من أجل المعرفة والبراعة في العمل والصناعة معًا.
اقرأ أيضًا: العنصر البشري أساس النجاح.. كيف تكسب ولاء الموظفين؟
علاقات العمل والتحليل النفسي
تُعرّف إدارة الموارد البشرية بأنها العملية التي تبني الإدارة من خلالها القوى العاملة وتحاول الوصول للأداء البشري الذي تطمح إليه المنظمة.
لكن الوصول إلى هدف كهذا ليس من السهولة بمكان؛ فإدارة الموارد البشرية ترتكز حتمًا على مجموعة من المنظورات التأديبية والفرعية، مثل العلاقات الصناعية والاستراتيجية وعلم الاجتماع والاقتصاد وكذلك علم النفس.
وسر هذا التعقيد ليس كون الهدف الذي تطمح للوصول إليه عظيمًا، وإنما لأن العلاقات الإنسانية بحد ذاتها معقدة، سواءً كنا نتحدث عن علاقات العمل أو العلاقات الشخصية.
ولأن الحال كذلك، فلا مناص _حسبما يرى كثير من مؤيدي استخدام النظريات النفسية الحديثة في المجالات المختلفة_ من جلب التحليل النفسي إلى العمل.
وإن حدث وتم ذلك فلا أحد مخول ولا مكلف بهذا الاستخدام سوى القائمين على إدارة الموارد البشرية؛ فهم المعنيون بعلاقات العمل، وتحسينها، والاستثمار فيها، كما أنهم أقرب القوم، من جهة الأهداف والإجراءات، إلى التحليل النفسي.
ولعل الهدف النهائي من كل هذه العملية _أي استخدام التحليل النفسي في إدارة الموارد البشرية_ هو الوصول بأداء العمال والموظفين إلى أقصى مدى ممكن، ولئن كان صحيحًا أن هناك محاولات جمة تتم من أجل ذلك، فإن براعة التحليل النفسي تكمن في أدواته وآليات عمله.
اقرأ أيضًا:
شريك النجاح.. خدعة استغلال المواهب
توقعات إدارة الموارد البشرية.. مهارة لا بد منها
مدير الموارد البشرية.. خيار مهني محتمل