حوار: حسين الناظر
أصبحت إدارة النفايات الصلبة تشكل تحديًا كبيرًا في ظل الزيادة المضطردة للنمو السكاني بالمملكة، وزيادة عدد المدن الجديدة وما تشهده البلاد من طفرة صناعية؛ ما أدى إلى زيادة معدلات التلوث والنفايات؛ حيث تنتج المملكة أكثر من 15 مليون طن نفايات صلبة سنويًا؛ الأمر الذي يعد مجالًا خصبًا للاستثمار في تدوير المخلفات.في ظل هذه المعطيات، ظهر اختراع ابن بريدة؛ عبد العزيز بن حمود البشري الذي يدرس إدارة الأعمال بجامعة القصيم؛ حيث ابتكرعربة قمامة تعمل بالطاقة الشمسية وذات ميزات متنوعة .. والذي حاورناه لنتعرف على تجربته الناجحة …
البداية
ــ كيف بدأت رحلتك مع الاختراع ؟
بدأت منذ الطفولة؛ حيث كنت أحب القراءة عن المخترعين والاختراعات، لكن لم أجد من يرشدني أو يضعني على الطريق المناسب. وفي السنة الثالثة من المرحلة الجامعية بجامعة القصيم، ومع دراستي لمقرر “مبادئ المشروعات الصغيرة وريادة الأعمال” تعرفت على عالم ريادة الأعمال، والمهارات الأساسية لعمل مشروع ناشئ. وبدأ يدور في ذهني تأسيس مشروع مبتكر, فقررت اتخاذ أول خطوة كما تعلمت في هذا الكتاب؛ وهي البحث عن مشكلة؛ لكي تبتكر لها الحلول.
دراسة وإبداع
ــ ما العلاقة بين دراستك في مجال إدارة الأعمال والاختراع ؟
دراسة إدارة الأعمال بلاشك مفيدة جدًا ، فأنت تتعلم أهم السمات التي يتمتع بها رائد الأعمال، والتي من ضمنها إدارة الإبداع الذي يعد السمة التي تعزز قدرة رائد الأعمال على التفكير المبدع ، وتحليل المشاكل ، وسعة الأفق، وكيفية تنمية الأفكار المبتكرة وتنميتها ، وتحويلها لتطبيق ومشروع اقتصادي، وغيرها من المهارات اللازمة لريادة الأعمال. أما الابتكار فإنه يمثل أحد المجالات المهمة التي تعزز ريادة الأعمال وتشجع الاستثمارات .
ــ وكيف جاءت فكرة اختراعك ؟
جاء الأمر مصادفة ،فعندما فكرت في عمل مشروع مبتكر، فإنه طبقا لما تعلمته؛ لكي ينجح المشروع فلابد أن يكون مبتكرًا ويحل مشكلة في المجتمع. كنت قد بدأت ألاحظ عمال النظافة وما يؤدونه من دور مهم في حياتنا ، ولاحظت حجم المعاناة التي يعانونها من تواجدهم في الشارع فترات طويلة تحت الشمس الحارقة وفي ظروف صعبة، ويستخدمون عربات لجمع القمامة تتجرد من كل أنواع السلامة المهنية، علاوة على عدم جدواها في أداء العمل بالشكل المطلوب. كتبت المشكلة وبدأت أفكر في الحلول وتقييمها،والعمل على ابتكار نموذج لعربة جديدة ومتطورة تلبي احتياجات متعددة، فاستغرق ذلك سنة من التفكير والتعديل حتى خرج الابتكار بهذا الشكل .
فكرة مُبتكرة
ــ حدثنا عن عربة النظافة المتطورة ..
الابتكار عبارة عن حاوية نفاية متطورة، تتكون من حاوية نفاية عادية بمكنسة تعمل بالشفط مع إضافة بعض الوسائل المساعدة لأداء العمل بصورة جيدة, تستخدم في تنظيف الشوارع والأماكن العامة, وتتمتع بعدة مميزات كشفط الأتربة والنفايات الصغيرة ومتوسطة الحجم الملقاة في الشوارع بجميع أنواعها , كما تحتوي على ثلاجة صغيرة لحفظ المشروبات الباردة , ومظلة تقي من حرارة الشمس، مع وسيلة تبريد عن طريق خرطوش صغير يقوم برش رذاذ الماء بصورة انسيابية , ويخرج من أعلاها ضوء تحذيري حفظًا لسلامة العامل من السيارات.
وتتميز هذه الفكرة بأنها تستمد طاقتها من الشمس؛ عن طريق الألواح الشمسية لتشغيل الأدوات التي تحتاج إلى الطاقة ,مع مراعاة وجود فتحات تهوية لجميع الأجهزة الموجودة بداخل الحاوية , كما يوجد في مقدمتها مكان مخصص للنفايات الكبيرة التي يصعب شفطها. وعندما تتعطل مصادر الطاقة، يمكن تحويلها يدويًا باستخدام الحاوية الأمامية في مقدمتها حتى يتم إصلاح العطل.
رؤية مستقبلية
ــ ما الهدف والفوائد من اختراعك ؟
يهدف اختراعي إلى رفع مستوى نظافة الشوارع والأماكن العامة، باستخدام تقنيات جديدة وتقديم خدمة نظافة بجودة عالية وسرعة أكبر، وتقليص عدد العمالة واستبدالهم بأجهزة شفط؛ فيمكن لعامل واحد تغطية مساحة كبيرة بسهولة وأداء جيد، وكنس الأتربة بدون إثارتها عن طريق شفطها؛ لأن الكنس اليدوي يثير الأتربة ويتسبب في إيذاء الناس، وينتج عنه أضرار صحية، أما الاختراع الجديد فيعكس المظهر الحضاري للبلد ، ويرفع مستوى أداء العامل بنتيجة توفير جميع الأدوات المساعدة على أداء عمله، و يحافظ على صحة العامل، ويستفيد من درجة حرارة الشمس ويحولها إلى طاقة كهربائية عن طريق الألواح الشمسية .
ــ لماذا اخترت مجال البيئة ؟
البيئة من أهم ركائز الحياة، وباتت موضوعَا ملحًا وحيويًا؛ ويشغل بال كل الناس، في ظل ما نعيشه من صور تعكس جور الإنسان على البيئة، وفي ظل النمو السكاني المتضاعف، وتوسع الإنسان في نشاطاته المختلفة، وبالأخص الصناعية في أجواء التقدم التكنولوجي التي نعيشها. وكلنا يلاحظ الكم الرهيب للمخلفات المنزلية كأحد المشكلات البيئية ، فالسعودية وحدها تنتج أكثر من 15 مليون طن نفايات صلبة سنويًا، بينما المعدل التقديري لنصيب الفرد يوميًا في إنتاج النفايات 1.5 – 1.8 كجم ، وبات رفع المخلفات و التخلص الآمن منها، وتدوير المخلفات، الشغل الشاغل للحكومة ، فالتفت القطاع الخاص لأهمية هذا، فبدأ يستثمر فيه ويحقق أرباحًا كبيرة .
من هنا قررت الاستثمار في هذا المجال، من منطلق المسؤولية الاجتماعية، فمطلب أساس العيش بهواء نقي في شوارع نظيفة, وقررت الاهتمام بعمال النظافة؛ لأننا عندما نهتم بهم بابتكار عربة تهيئ لهم العمل نفسيًا وأكثر أمانًا، فإنهم سيكونون على أتم الاستعداد للعمل بشكل ممتاز وجودة عالية، وبالتالي ننعم ببيئة أكثر نقاءً. لو أغمضنا أعيننا وتخيلنا أن هؤلاء العمال أضربوا عن العمل ؛ فكيف ستكون شوارعنا !! وهذا هو سبب اختياري .
دعم المشروع
ــ ما دور الجامعة في دعم مشروعك ؟
كان لها دور لا يُنكر ، ففيها تتم تهيئة الطالب ليعيش في بيئة تساعده على الابتكار من حيث توفير المناهج التي كشفت لنا عن طرق أفضل في كيفية التفكير بشكل صحيح, كما أنشأت كلية الاقتصاد والإدارة “نادي الابتكار” الذي بداخله كل ما يحتاجه المبتكر بداية من من نشأة الابتكار وحتى تطبيقه على أرض الواقع , وكذلك “مركزعقول” في عمادة شؤون الطلاب والذي قدم لي مساعدات مادية ومعنوية في جميع النواحي؛ وهو ما أفادني في تحويل ابتكاري إلى شركة قائمة على أرض الواقع.
ــ كيف حصلت على الدعم المالي ؟
حصلت على التمويل الذي غطى تكاليف النموذج كاملة من عمادة شؤون الطلاب بالجامعة، والتي لم تبخل بشئ عن دعمنا، فقدموا جميع المساعدات المادية التي يحتاجها الطلاب المبتكرون في الجامعة.
ــ ماذا عن الدعم الفني ؟
للأسف هناك ضعف في هذا الجانب، خاصة في النواحي التنفيذية وبناء النموذج الأول، ولكني اعتمدت على نفسي ومشورة بعض الخبراء في الأمور الفنية والهندسية .
ــ ما دور الأسرة في دعمك ؟
كان لها الدور الأكبر في التشجيع والدعم ، منذ نشأة الفكرة واقتراح الحلول، ودعمها لي في كل ما احتاجه الابتكار من أمور مادية ومعنوية, كما شاركتني ببعض الأفكار التي طورت من الابتكار وجعلته بأفضل صورة .
تكريم
ــ هل حصلت على جوائز تخص اختراعك ؟
نعم، جائزة المؤتمر العلمي السابع للطلاب والطالبات بجامعة القصيم , ولله الحمد تم تحقيق المركز الأول على مستوى المنطقة , وتأهلت إلى المؤتمر العلمي الأكبر في جامعة طيبة على مستوى المملكة .
ــ ما أثر ذلك عليك ؟
أسعدني كثيرًا؛ فهي تقدير كبير، وإشارة إلى أنني أسير في الطريق الصحيح ، فضلًا عن أن التكريم أعطاني دافعًا بأني لن أتوقف عن الابتكار، بل سأستمر واستمر.
معوقات وتحديات
ــ ما الصعوبات التي واجهتك ؟
بما أنه أول ابتكار لي، فالصعوبة الوحيدة التي واجهتني هي كيف أطبق الفكرة على أرض الواقع؛ وذلك لصعوبتها؛ إذ يجب أن تتوافق الطاقة الشمسية التي استخدمها مع الآلات, ولكن بفضل الله استطعت التغلب عليها، فقد قرأت في كتاب المشروعات الصغيرة وريادة الأعمال للدكتور أحمد الشميمري:” الكثير لديهم أفكار ولكن لا يطبقونها).
ــ هل حصلت على دعم من جهات حكومية بخلاف الجامعة؟
لا.. كان الدعم مقتصرًا على جامعة القصيم في تمويل تكاليف النموذج ، وأيضًا في تكاليف إرسال النموذج إلى الصين، والتكفل بعمل النموذج كاملًا هناك، فهم تبنوا الفكرة كاملة حتى أصبحت تطبق على أرض الواقع .
ــ هل اتخذ اختراعك طريقه للتطبيق ؟
نعم بفضل الله ، فقد تم الاتفاق مبدئيًا على أن يتم العمل على نموذج في دولة الصين، والعمل على تطويره بشكل أفضل وتصميم أجمل, بعدها ستبدأ مرحلة التسويق والتوسع في الإنتاج، وسيتم طرح النموذج وعرضه على الشركات والبلديات في المملكة والخليج .