في عام 2017 كتب زميلي “جاك فان بيك” مقالًا عن ماضي أعمال الاستشارات الإدارية ومستقبلها، وكانت رؤيته آنذاك أن الحاجة المُلحة لرواد الأعمال، لا سيما الناشئين منهم، لتلك الأعمال سوف ترفع سقف التوقعات لهذا النوع نحو اتجاهات جديدة.
واختتم سطوره بما أعتقد أنه رؤية عظيمة قائلًا: “لكن ما لم يتغير هو الحاجة إلى وجهات نظر على مستوى الشركات، والمرونة، والقدرة على التنفيذ السريع في معالجة الاحتمالات الكامنة في المشهد الديناميكي المدمر”.
وبالفعل تحققت رؤيته ونمت أعمال الاستشارات الإدارية لتصبح صناعة واسعة النطاق؛ حيث أظهرت الإحصائيات أن ناتج تلك الاستشارات بلغ أكثر من 250 مليار دولار بمتوسط نمو سنوي يبلغ 4.1% على مستوى العالم، وبالنظر إليها كصناعة مستقلة بعد استبعاد الاستشارات المالية وتكنولوجيا المعلومات فإنها لا تزال تقدم لنا إجمالي مبيعات سنوية يبلغ نحو 130 مليار دولار.
كما أظهرت تلك الإحصائيات أن شركات عديدة تستخدم خدمات الاستشارات الإدارية في الوقت الراهن، ولكن على الرغم من النمو الواضح لهذه الصناعة ما زلنا بحاجة إلى النظر في مستقبلها؛ لأنه ببساطة حتى صناعة الاستشارات الإدارية التي ترتكز على التغيير بطرق عديدة عرضة في حد ذاتها للاضطراب؛ لذا يطرح السؤال نفسه: ما هو مستقبل أعمال الاستشارات الإدارية كصناعة؟
عرض القيمة للاستشارات الإدارية
يتمثل عرض القيمة للاستشارات الإدارية في مساعدة الشركات لأداء عمل أفضل من خلال تحسين فعالية عملياتها الداخلية؛ حيث يسعى الجميع إلى تحقيق قيمة مضافة، ولا يختلف عملاء المستشارين الإداريين عن ذلك، وبمجرد أن نزودهم بهذه القيمة يمكنهم الاستمرار وتقديمها لعملائهم بعد أن يصبحوا أكثر فعالية في عملهم، ومن المؤكد أن كل ذلك يضع مسؤولية كبيرة على عاتق المستشارين الإداريين.
أما التحدي المتمثل في الاستشارات الإدارية هو أنه إذا تم تنفيذها بشكل سيئ فقد تتضرر الشركة أو تدمر؛ لذلك من واجب المستشارين التجاريين تجاه عملائهم أن يقدموا لهم أفضل الخدمات فقط.
جدير بالذكر أنه وفقًا لتقارير Consultancy.uk، التي استندت إلى البيانات الواردة من شركة Gartner، هناك بعض الأفكار المثيرة للاهتمام التي يمكننا استخلاصها من الإحصاءات العالمية للاستشارات الإدارية؛ حيث تقدم أكبر 10 شركات استشارات إدارية في العالم نحو 56% من خدماتها، في حين تستحوذ أكبر 200 شركة على ما يقارب 80% من الخدمات المقدمة عالميًا، ومن ناحية أخرى تشكل الشركات الاستشارية الصغيرة والمتوسطة الحجم حوالي 20% من الخدمات.
ومع ذلك، ووفقًا لاستطلاع تم إجراؤه في النمسا بواسطة (UBIT Austria / Gallup Consulting Survey 2012)، وهي سوق استشارية ناضجة للغاية، أشارت إلى أن حوالي 78% من 800 شركة شملها الاستطلاع ليست بحاجة إلى خدمات استشارية، وحددت نحو 5% فقط من الشركات بحاجة إلى خدمات استشارية متوسطة أو عالية، في حين أن هناك مجالات كبيرة لمستويات أعلى من تقديم الخدمات في الصناعات الكبيرة بالفعل.
ومع أخذ حجم السوق وإمكاناته في الاعتبار ليس هناك شك في أن الشركات الاستشارية لديها فرصة كبيرة عندما يتعلق الأمر بتقديم الخدمات، وقد تتغير أيضًا كيفية توزيع هذا العمل عبر الشركات الاستشارية للعديد من الأسباب الآتية:
انقسام الاستشارات التقليدية
على ما يبدو أن الانقسام الراسخ في الخدمات الاستشارية في طريقه إلى الانهيار، فمن جانب توفر الخدمات الاستشارية الاستراتيجية رفيعة المستوى الدعم للشركات التي تساعدها في وضع نفسها داخل السوق، ويتم النظر إلى هذه الخدمات بأنها خدمات النخبة؛ لأنها عادةً ما تتطلب رسومًا عالية.
وعلى الجانب الآخر تعين الشركات فرقًا كبيرة من الاستشاريين لتنفيذ عمليات محددة جيدًا، وهذا الانقسام أصبح في النهاية سلعة وتتنافس على السعر.
في حين أظهرت الدراسات التي أجريت على عملاء خدمات الاستشارات الإدارية أن هناك أربعة أسباب رئيسية لعدم رضا العملاء:
- يشعرون بأن الاستشاريين لا يقدمون نتائج مستدامة في كثير من الأحيان.
- يعتقدون بأن الاستشاريين يفتقرون إلى المعرفة ذات الصلة بالصناعة التي يعملون فيها.
- لا يشعرون بأنهم يحصلون على قيمة العمل الذي يؤديه المستشارون.
- لا يشعرون بأنهم حصلوا على الأدوات الصحيحة وفهم المنهجية التي يحتاجون إلى استخدامها بعد مغادرة الاستشاريين.
إن الانقسام الحالي للاستشارات التقليدية لا يعالج هذه الفجوات والقضايا التي يواجهها العملاء، فلا يدرب أي منهما العملاء بشكل مباشر، ولا يترك للعملاء فهمًا للمنهجية التي يحتاجون إلى استخدامها بعد انتهاء الاستشارة.
الشراكات كمستقبل الاستشارات
أغلب الظن أن الرد على المخاوف السابق الإشارة إليها يتمثل في تكوين شراكة أفضل بين الشركة الاستشارية والمؤسسة التي تخدمها، ولا ينبغي للنموذج الجديد أن يشمل مساعدتهم فحسب، بل يجب أن يشمل تدريبهم حتى تكون لديهم منهجية داخلية يمكنهم الاستفادة منها.
وبدلًا من أن يأتي المستشار إلى المؤسسة لحل مشكلة معينة فإنه يتعين عليه أن يجعل العميل يأخذ زمام المبادرة، ومن خلال خبرته الداخلية يحدد المشكلة، ومع ذلك رغم الإدراك التام أن هذا الأخير لا يملك الوسائل لحل المشكلة ولكنه يبحث عن الموارد الاستشارية الخارجية التي تتمتع بهذه الخبرة المتمثلة في مستشار الأعمال الإدارية ويجدها ويجد معها الأساليب لحل المشكلة.
بالطبع تعتمد هذه الآلية على حالة العميل “المؤسسة”، وخبرة الاستشاري، وطبيعة المشكلة.
وعادةً ما يتم تشكيل فريق داخلي وخارجي؛ بحيث يمكن دمج خبرة المستشار وأساليبه الخارجية مع المؤسسة العميلة، ويتم تنفيذ التغيير التنظيمي بطريقة مخططة ومنسقة، وكجزء من التنفيذ تُنقل الأساليب والخبرات إلى فريق العميل الداخلي؛ بحيث يمكن استدامة التغيير.
وبالإضافة إلى الشراكة بين مستشار الأعمال الإدارية والعميل فإن هذا يفتح الباب أمام شراكات الاستشاريين، الذين يمكنهم التعاون لوضع المشاريع والخبرات المتخصصة للاستجابة لاحتياجات العملاء، فذلك يمكّن المستشارين من القدوم إلى الشركات لتطوير وتقديم الخدمات التي يحتاجها العملاء بدقة متناهية، والمساهمة في شركات أقوى ومستقبل مزدهر أكثر إشراقًا لهذه الصناعة.