شهدت سبعينيات القرن الماضي بزوغ نجم المسؤولية الاجتماعية للشركات، وأخذ الاهتمام بها يتزايد يومًا تلو الآخر، بيد أن هذا الأمر لم يدم طويلاً.
ظل الأمر هكذا، حتى حدثت كوارث بيئية متلاحقة مثل كارثة بوبال Bhobal، وهو ما كان سببًا في إعادة المسؤولية الاجتماعية إلى المسرح من جديد، بل ظهور ما أُطلق عليه فيما بعد «الإبلاغ الاجتماعي».
سنحاول، في هذا المقال، إماطة اللثام عن هذا المفهوم، وما ينطوي عليه من دلالات، وكذلك تلك العلاقة التي تربطه بالمسؤولية الاجتماعية للشركات، وعلاقته، كذلك، بالتنمية.
الإبلاغ الاجتماعي.. سلاح في يد المجتمع:
كانت مفاعيل هذا المفهوم منصبة، في البداية، على الأحداث البيئية فقط، فكان الإبلاغ يتم فقط عن الأمور المتعلقة بالقضايا البيئية فحسب، ثم توسع الاهتمام بها فيما بعد، خاصة أن القضايا الاجتماعية والاقتصادية لا تقل أهمية عن نظيرتها البيئية.
تتم عملية الإبلاغ الاجتماعي على نحوين، أو تقوم بها جهتان مختلفان؛ فمن الممكن أن تؤسس الشركة بداخلها فريقًا مختصًا لتقييم أدائها وأنشطتها المجتمعية، وربما يلعب المجتمع هذا الدور من تلقاء نفسه؛ أملًا في الحفاظ على نفسه من العواقب الوخيمة التي قد تجنيها عليه الأنشطة الصناعية لهذه الشركة أو تلك.
ونظرًا للاهتمام المتزايد بالإبلاغ الاجتماعي وما يستتبعه من ضغط جماهيري، تم وضع العديد من الأنظمة واللوائح، والقوانين، التي تنظّم عملية الإبلاغ، من جهة، وتُلزم الشركات، من جهة أخرى، بتقديم كشوف أدائها، ومدى إسهامها في حماية المجتمع من عدمه.
ووفقًا لهذا الطرح، يمكننا اعتبار الإبلاغ الاجتماعي، سواء قامت به الشركة نفسها أو ممثلون عن المجتمع، سيف مسّلط على رقاب الشركات المختلفة، وآلية مثلى لتقييم أدائها ودورها الاجتماعيين، ومحاولة جادة لوضعها على الطريق الصحيح، ودفعها للعب دور محوري على صعيد المسؤولية الاجتماعية.
مبادرة الإبلاغ العالمية:
ولكي يتم تحفيز الشركات والمؤسسات على تقديم إبلاغاتها وتقاريرها المختلفة حول المسائل والقضايا البيئية والاجتماعية؛ تم إطلاق مبادرة الإبلاغ العالمية، والتي تتضمن مبادئ إبلاغ يتعين على معدي التقارير اتباعها.
وتحدد المبادرة، كذلك، محتويات التقرير، وتقترح مؤشرات للإبلاغ؛ شملت 50 مؤشرًا اجتماعيًا، واقتصاديًا، وبيئيًا، و47 مؤشرًا إضافيًا آخر. وتعتبر هذه المؤشرات حيوية، وذات فعالية كبرى للأفراد والمؤسسات معًا.
وبطبيعة الحال، ليست هذه المبادرة الوحيدة في مجال الإبلاغ الاجتماعي؛ فهناك الكثير من المبادرات التي سارت في هذا الإطار، لكنها المبادرة الأحدث نسبيًا.
الإبلاغ من أجل التنمية!
هل يمكننا القول إن هناك علاقة بين الإبلاغ (عن مدى مساهمة الشركة بأنشطة اجتماعية مختلفة) والتنمية؟
لا يمكن الإجابة عن هذا السؤال بصيغته الحالية، بل يمكن قلبه؛ حتى تسهل إجابته، ومن ثم علينا أن نسأل عن مدى العلاقة بين المسؤولية الاجتماعية والإبلاغ الاجتماعي؟ وسنفهم، تبعًا لذلك، العلاقة بين الإبلاغ والتنمية.
إن الإبلاغ الاجتماعي، بشتى صوره وأنماطه، ليس أكثر من أداة من أدوات ضمان تطبيق معايير ومبادئ المسؤولية الاجتماعية من قِبل الشركات المختلفة، وبالتالي هو كلما كان الإبلاغ ناجعًا وذا جدوى، كانت معدلات الالتزام بالمسؤولية الاجتماعية مرتفعة، إنها، إذن، علاقة طردية.
وبناءً على ذلك، يمكن القول إن العلاقة بين الإبلاغ والتنمية علاقة وطيدة؛ فهذا المفهوم، بما طرأ عليه من تعديلات وتحويرات، لم ينشأ إلا من رحم أزمات اجتماعية وبيئية متراكبة، وبالتالي كان هو الأداة التي يمكن من خلالها التقليل من هذه الأزمات، والحد من تلك الأخطار.
تقارير الإبلاغ الاجتماعي.. هل هي ضرورية؟
ما الذي يدعو شركة ما لتقديم تقريرًا عن أنشطتها الاجتماعية، البيئية المختلفة؟ يبدو هذا السؤال منطقيًا للغاية، لا سيما أن المؤسسات الاقتصادية المختلفة لا تفكر إلا في هوامش أرباحها، بل تضع هذا الهدف على رأس أولوياتها.
في الحقيقة، هناك الكثير من الفوائد التي يمكن أن تجنيها الشركات من جراء تقديم هذا النوع من التقارير، وتتمثل هذه الفوائد فيما يلي:
1-الاطلاع على ماهية التطوير والتحسين الذي حدث على صعيد الإدارة الداخلية.
2- إدارة المخاطر وحماية الصورة الذهنية للشركة.
3- اكتساب ميزة تنافسية جديدة.
4- تعزيز قيمة الحوار، سواء على المستوى الداخلي أو مع المجتمع بشكل عام.
5- جذب المستثمرين والاحتفاظ بهم لأطول مدة.
ربما تكون هذه الفوائد، وغيرها بالطبع، السبب الذي جعل هناك إقبالاً كثيفًا على ما بات يُعرف بالإبلاغ الاجتماعي، وذيوع هذا المفهوم، وتدشين العديد من المبادرات والمعاهد والمؤسسات التي تعمل على تعزيز هذا النوع من الممارسات الاجتماعية.
اقرأ أيضًا:
التدقيق الاجتماعي.. مقياس أداء فعّال