أصبح دور ريادة الأعمال في التنمية الاقتصادية والاجتماعية بارزًا ومهمًا؛ فمن الناحية الاقتصادية يتجاوز في عصرنا الحالي المفاهيم التقليدية القديمة إلى مفاهيم أعمق وأكثر شمولية، وإنشاء المشاريع الجديدة القائمة على الابتكار والتجديد لخدمة المجتمع يقود إلى توفير فرص عمل، ويحفز الأسواق، وبالتالي تتوفر حلول لمشاكل كثيرة مثل البطالة.
أما من الناحية الاجتماعية؛ فإن ريادة الأعمال تعمل على تمكين المواطنين وتوليد روح المبادرة والابتكار وتغيير العقليات النمطية المعتمدة على التكرار، ولهذه التغييرات المحتملة القدرة على دمج الدولة في الاقتصاد العالمي؛ ولهذا تعد ريادة الأعمال محركًا لدعم النمو الاقتصادي؛ بل من أهم محددات النمو الاقتصادي في مختلف دول العالم؛ نظرًا لأهميتها في الابتكار والإنتاجية وتوفير فرص العمل.
لهذا اهتمت كثير من الدول المتقدمة بتنمية ثقافة ريادة الأعمال كهدف استراتيجي تنموي ضمن الأولويات، والذي يمكن تحقيقه عن طريق توفير البيئة المواتية لدمج ريادة الأعمال في المجتمع والنظام التعليمي والمساعدة الفنية والتشريعات، والتكامل بين جميع الجهات المعنية.
ولأن ريادة الأعمال تلعب دورًا مهمًا في التنمية الاقتصادية؛ حيث تعتبر مساهمًا رئيسيًا في الابتكار وتحسين المنتج، كما تساهم في توفير فرص عمل جديدة وبناء المجتمعات؛ اهتمت العديد من دول العالم الساعية لتحقيق تنمية مستدامة بتبني سياسات اقتصادية، تعتمد على تمكين القطاع الخاص من أداء دور أكبر في عملية التنمية وتشجيع وتحفيز المبادرات الذاتية لرواد الأعمال؛ من خلال توفير بيئة مشجعة لقطاع الأعمال لينمو ويزدهر، وهذا ما يجب أن تحققه الدول العربية في إطار سعيها إلى تنويع مصادر الاقتصاد الوطني وتقليل الاعتماد على مصدر واحد للدخل.
المملكة الرائدة
أولت رؤية المملكة 2030م، في سعيها لتنويع روافد الاقتصاد الوطني، اهتمامًا كبيرًا بجميع مجالات الاقتصاد، خاصة ريادة الأعمال والمشاريع الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر؛ من خلال استراتيجية وضعت أسسها وخططها بطرق علمية للاستفادة من كل الإمكانات المتاحة، وتشجيع المبادرين وأصحاب الأفكار الجديدة المبتكرة لتنفيذ مشاريعهم وأفكارهم، أبرزها: خدمات الهيئة العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة «منشآت»، التي تُعد من الجهات الرائدة في المملكة لدعم رواد الأعمال وأصحاب المشاريع الصغيرة الراغبين في تطوير أعمالهم عبر مصفوفة متكاملة من البرامج والمبادرات والخدمات،
وتُقدم أكاديمية “منشآت” عددًا لا يحصى من البرامج التدريبية، داخل قاعات الهيئة أو المنصات الإلكترونية عن بُعد، معتمدة على إعداد برامج تدريبية ذات مستوى عالٍ من الجودة والدقة؛ حيث توفر برامج في مختلف المجالات المتخصصة بريادة الأعمال، إضافة إلى مسرعة التجارة الرقمية، إحدى مبادرات منشآت، والتي تم إطلاقها بالتعاون مع مجلس التجارة الإلكترونية؛ حيث تعمل على تقديم برامج مكثفة؛ لتسريع نمو الشركات الريادية والناشئة في قطاع النقل والتخزين والتجارة الإلكترونية خلال مدة لا تتجاوز 12 أسبوعًا.
وهناك خدمة “جدير” التي تعمل على تأهيل وتمكين المنشآت الصغيرة والمتوسطة؛ من خلال ربطها بالفرص الشرائية التابعة للقطاعين العام والخاص، ومراكز “ذكاء” التي تختص بالتقنيات الصاعدة، وهي تهدف إلى تمكين المنشآت ورواد الأعمال من تأسيس شركات ابتكارية ناشئة وزيادة كفاءة المنشآت الصغيرة والمتوسطة.
وأطلقت الهيئة كذلك منصة “فكرة” التي تعمل على تعزيز جانب الابتكار والتفكير التشاركي؛ حيث تعتمد على تـقـديـم الأفـكـار، والحلول للتحديات التي تواجه القطاعين العام والخاص؛ من خلال منصات مفتوحة وتطبيق نوافذ المتخصص في تقديم استشارات عن بُعد في شتى المجالات، سواءً مالية أو تقنية أو الابتكار والقانون والتسويق والمبيعات.
واهتمت الهيئة بالمخترعين والمبدعين؛ حيث توفر لهم خدمات الدعم والاستشارة وتساعدهم في نمذجة اختراعاتهم وربطهم بالمستثمرين والشركاء التجاريين، ومدهم بالأدوات والمهارات والتسهيلات اللازمة في جميع مراحل التحول التجاري لاختراعاتهم؛ عبر خدمة تتجير الملكية الفكرية.
الأسبوع العالمي لريادة الأعمال
يأتي الأسبوع العالمي لريادة الأعمال _كأهم وأكبر حدث عالمي للاحتفاء بالمبدعين والمبتكرين ورواد الأعمال على مستوى العالم_ هذا العام والعالم يمر بأزمة حادة فاقت في تأثيراتها الكثير من الأزمات السابقة التي عصفت بالاقتصاد العالمي؛ إذ امتدت تأثيرات جائحة كرونا إلى كل دول العالم والأنشطة الإنسانية المرتبطة بحياة الإنسان.
وكانت التأثيرات في المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر أكثر عمقًا؛ لكن حكومة المملكة الرشيدة وضعت معالجات قللت من آثار هذه الأزمة في مشاريع رواد الأعمال ومشاريع القطاع الخاص بوجه عام، الأمر الذي مكّن أغلب هذه المشاريع من تجاوز الآثار السلبية الناجمة عن الجائحة.
ويُعد الأسبوع العالمي للاحتفال بريادة الأعمال مناسبة للتحفيز وتنمية روح المبادرة لدى الشباب وأصحاب الطموح والأفكار الجديدة المبتكرة، والأهم أنه مناسبة للتعريف بريادة الأعمال التي تعتبر من الاستراتيجيات المهمة جداً لتحقيق التطور والنمو الاقتصادي في المجتمع وتحقيق أهداف التنمية المستدامة.
ويأتي الأسبوع العالمي لريادة الأعمال هذا العام والمملكة تشهد العديد من التحولات في جميع مجالات الحياة؛ فهي تمضي في مسيرة قوية نحو التنمية والإعمار، مع زيادة الأصوات الداعية إلى التحول الكامل نحو اقتصاد المعرفة الذي يعتمد في إدارة الموارد الاقتصادية المتوفرة على المعرفة الكاملة والابتكار والإبداع والذكاء والمعلومات والاستثمار في العقول.
ويمكن اعتبار التحولات التي تشهدها المملكة مدخلًا وجسرًا لتعزيز روح المبادرة لدى المشاريع والأفراد في المجتمع، خاصة المنظمات الريادية. وحرصت قيادة المملكة الرشيدة على توفير المناخ الذي يوفر كل المقومات للاستفادة القصوى من الفرص المتوفرة في مجال ريادة الأعمال، وكان أهم حدث في هذا العام هو إجازة لائحة النظام الأساسي لنظام الامتياز التجاري الذي ينظم العلاقات بين مانح الامتياز والممنوح في إطار قانوني يساعد في تنمية وتطوير العلامات الوطنية.
تجديد الأفكار ودعم الإبداع والابتكار
يحمل الاحتفال بالأسبوع العالمي للريادة كل عام تجديدًا للفكر ومراجعةً للآليات الملائمة لمتغيرات العالم اليومية، وعلى الرغم من الظروف الاستثنائية التي يمر بها العالم والتي قد تؤثر في الأنشطة المرتبطة بالاحتفال السنوي للأسبوع إلا أن الوضع يمكن أن يمثل فرصة جديدة لاختبار البدائل المتعلقة بتنظيم الأنشطة الحياتية، بما في ذلك الأنشطة التجارية والاقتصادية.
وذلك بدراسة نوع وكم هذه الفرص التي يمكن أن تكون مدخلًا لفرص جديدة في طرق إدارة المشاريع ووسائل تطويرها في ظل الظروف التي فرضتها جائحة كرونا على المشاريع ورواد الأعمال؛ بالاستفادة من الرؤية الطموحة للمملكة؛ لدعم نمو المشاريع والأنشطة والسياسات الواعية لمتطلبات النهوض بالمملكة، واستثمار مواردها الطبيعية والبشرية تحقيقًا للريادة في العديد من المجالات.
والمملكة في سعيها إلى تحقيق أهداف المستقبل المشرق يتعين عليها أن تضع التخطيط سياسة لها تسير على هديه وتستفيد منه، وحاجتها إلى تطوير اتجاهات التخطيط، خاصة في مجال ريادة الأعمال، تبدو أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى، كنشاط منظم وشامل يركز على فهم المتغيرات البيئية الداخلية والخارجية، وتحديد القضايا والموضوعات الاستراتيجية التي تواجه الإدارة ووضع السياسات الملائمة للتعامل معها، لا سيما بعد بروز اهتمامات بدعم وتطوير مجال الريادة، وظهور العديد من المؤسسات والهيئات التي تسعى إلى نشر وتفعيل ثقافة ريادة الأعمال،
وهو واقع مبشر يجب أن يقابله تطور موازٍ في نظرتنا للتخطيط الاستراتيجي كوسيلة لتشكيل الأهداف طويلة الأجل بوضوح، وتحديد البرامج التي نحتاج إليها؛ لتحقيق هذه الأهداف وتخصيص الموارد الكلية؛ بشرية ومالية وتكنولوجية؛ لتحقيق الهدف من الاستراتيجية.
اقرأ أيضًا:
انطلاق الأسبوع العالمي لريادة الأعمال الثالث عشر في مصر
الأسبوع العالمي لريادة الأعمال يسلط الضوء على قصص نجاح الشباب
الأسبوع العالمي لريادة الأعمال.. التحديات والفرص