يشهد اقتصاد الفضاء انتعاشة قوية في الآونة الأحيرة؛ حيث استطاع أن يتغلب على كل التحديات الناجمة عن جائحة فيروس كورونا المستجد “كوفيد 19” أمام الاقتصاد العالمي.
وأكدت المؤسسات البحثية العالمية أن اقتصاد الفضاء هو المنجم الخفي الذي يمكنه أن يساهم في التعافي من تداعيات كورونا؛ ما يدفع الكثير من الحكومات إلى الاهتمام به واتباع تطوير التقنيات الخاصة به؛ لتأثيره في الاقتصاد بشكل عام.
ما هو اقتصاد الفضاء؟
تُعرّف منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) اقتصاد الفضاء بأنه النطاق الكامل للأنشطة واستخدام الموارد التي تصنع قيمة ومزايا للبشر في سياق استكشاف الفضاء والبحث فيه وفهمه وإدارته واستخدامه.
ينمو اقتصاد الفضاء ويتطور جنبًا إلى جنب التطور والتحول العميق لقطاع الفضاء وزيادة اندماجه في المجتمع والاقتصاد اليوم؛ حيث تؤدي البنية التحتية الفضائية المنتشرة إلى تطوير خدمات جديدة ممكنة، والتي بدورها تتيح تطبيقات جديدة في قطاعات مثل: الأرصاد الجوية، والطاقة، والاتصالات، والتأمين، والنقل، والبحرية والطيران، والتنمية الحضرية؛ ما يوفر فوائد اقتصادية ومجتمعية إضافية.
حجم اقتصاد الفضاء
وبالنسبة لحجم اقتصاد الفضاء فقد قدّر Bank of America في مذكرة بحثية حجم اقتصاد الفضاء بحوالي 424 مليار دولار حتى نهاية عام 2019؛ وذلك وفقًا لأحدث البيانات المعلنة.
ويتوقع البنك العالمي أن تنمو هذه الصناعة بقوة حتى تصل إلى 1.4 تريليون دولار بحلول عام 2030، وذلك استنادًا إلى معدل نمو سنوي مركب يبلغ 10.6%، وهو متوسط النمو خلال آخر عامين.
ويقدم تقرير نتائج اقتصاد الفضاء 2020، وفقًا لمكتب الأمم المتحدة لشؤون الفضاء الخارجي الذي نُشر في يناير 2021، نظرة عامة على جميع الأحداث الافتراضية الخاصة باقتصاد الفضاء.
دعم السعودية
من جهتها تسعى المملكة العربية السعودية إلى أن يكون قطاع الفضاء مساهمًا رئيسًا في ازدهار المملكة لتحقيق أهداف رؤية 2030؛ من خلال تطوير القطاع وتنظيمه وتوفير الممكّنات لتحقيق إنجازات رائدة فيه تنعكس على الاقتصاد المحلي.
وفي خطوة نوعية لتحقيق هذه المستهدفات أعلنت المملكة في شهر يوليو عن إطلاق أوَل برنامج سعودي للابتعاث الخارجي، ينتهي بالتوظيف في مجال الفضاء، الذي يتيح فرصًا تعليمية نوعية للطلاب والطالبات السعوديين من خلال دراسة التخصصات ذات العلاقة بعلوم الفضاء في أبرز 30 جامعة حول العالم، وذلك ضمن خطط التطوير الشامل لقطاع الفضاء في المملكة.
على صعيد آخر التقى المهندس عبد الله عامر السواحة؛ رئيس مجلس إدارة الهيئة السعودية للفضاء، مع كواسي كوارتينج؛ وزير الدولة للأعمال والطاقة والاستراتيجية الصناعية بالمملكة المتحدة؛ لتعزيز التعاون بين البلدين في مجال اقتصاد الفضاء.
وجرى خلال اللقاء تأكيد أهمية تحفيز مشاركة القطاع الخاص في البلدين بمجال اقتصاد الفضاء، وتعزيز الاستثمار في القدرات البشرية وتطويرها، كما تمت مناقشة التعاون في مجال تأهيل وتنمية القدرات البشرية في قطاع الفضاء.
بدورها تتطلع الهيئة السعودية للفضاء إلى بناء شراكات دولية فعالة في المجال تعزّز دور الهيئة وتدعم خطواتها نحو تحقيق مستهدفاتها الاستراتيجية لقطاع الفضاء السعودي، الذي يمثل أولوية وطنية، والإسهام في تحول المملكة نحو اقتصاد قائم على الابتكار واقتصاد الفضاء، إضافة إلى تحفيز الاستثمار وإيجاد أسواق جديدة تكون رافدًا للتنوع الاقتصادي وتوفير وظائف جديدة، إضافة إلى تحقيق مراكز ريادية للمملكة مدفوعة بإنجازات نوعية في مجالات اقتصاد الفضاء.
برنامج “كونك”
يُعد برنامج “كونك” مُنتجًا ثقافيًّا غنيًّا بالمعلومات المتعلقة بمجال الفضاء التي قد تساوي ما تُصدّره كُبرى الوكالات الفضائية العالمية، ويطرح البرنامج كل ما هو جديد في مجال علوم الفضاء بأسلوب حديث عصري وممتع؛ وذلك باستخدام اللهجة الواضحة والمتواضعة والقريبة من المجتمع بمختلف طبقاته، وفي الوقت ذاته يحرص على أن تكون الرسائل علمية.
ويسعى البرنامج إلى نشر ثقافة الفضاء بين كل شرائح المجتمع المختلفة داخل وخارج المملكة، كما يحرص على نشر المزيد من النقاشات والحوارات الشبابية الممتعة في مجال علوم الفضاء، بما يتماشى مع مساعي الهيئة السعودية للفضاء.
أجيال الفضاء
يُعد برنامج أجيال الفضاء أحد أهم البرامج الممكنة للهيئة السعودية للفضاء، والذي يعني بتنمية رأس المال البشري في قطاع الفضاء، إضافة إلى اهتمامه بآفاق البحث العلمي وتعلم العلوم المختلفة في مجالات: العلوم، التقنية، الهندسة، والرياضيات (STEM)؛ بهدف تمكين الأجيال من تحقيق الريادة في استخدام وتطوير تقنيات الفضاء وتطبيقاته، وتم تأسيسه تماشيًا مع توجهات قيادتنا الرشيدة ومواكبةً لرؤية وأهداف المملكة 2030.
ويطرح برنامج تنمية رأس المال البشري أدوات متنوعة لكل الشرائح التعليمية، بدءًا من الوسائط الرقمية الملهمة للصغار في المرحلة التمهيدية، وصولًا إلى البرامج الشاملة لقطاع الفضاء في المراحل الجامعية؛ وذلك لتمكين وتدريب الكوادر السعودية على علوم الفضاء.
ويتيح مشروع الابتعاث لأجيال الفضاء الفرصة للطلاب المتميزين للتقديم للجامعات المعتمدة لدى البرنامج والحصول على بعثة دراسية في التخصصات ذات العلاقة بقطاع الفضاء.
التوعية العالمية
من يونيو إلى سبتمبر 2020 بدأ مكتب الأمم المتحدة لشؤون الفضاء الخارجي (UNOOSA) أول أنشطة التوعية باقتصاد الفضاء من خلال تنظيم سلسلة من 7 أحداث افتراضية؛ حيث كانت هذه العناصر أساسية للجمع بين ممارسي اقتصاد الفضاء الراسخين والناشئين معًا في بيئة متساوية وشاملة.
وتم بالفعل تقسيم موضوع “اقتصاد الفضاء” إلى عناصر أساسية؛ وهي:
- بناء الدعم العام للأنشطة الفضائية.
- كيفية الحصول على التمويل والتعاون الدولي.
- الصلة بين الحكومة والصناعة والأوساط الأكاديمية.
- اقتصاد الفضاء في ظل تداعيات COVID-19.
وحرص UNOOSA على وضع خطط لتوسيع نطاق مبادرة اقتصاد الفضاء؛ حيث أكد عزمه تطوير خدمات بناء القدرات في مجال الاقتصاد الفضائي للدول الأعضاء، سواء من خلال الخدمات الاستشارية المباشرة أو تطوير مواد التعلم الإلكتروني عبر الإنترنت.
وأخيرًا فإن قطاع الفضاء لا يعتبر قطاعًا للنمو في حد ذاته فحسب بل هو أيضًا بمثابة عامل تمكين حيوي للنمو في القطاعات الأخرى. وهذه الديناميكيات دفعت بعض المحللين إلى إعلان أن اقتصاد الفضاء يمكن أن يصبح الصناعة التالية التي تبلغ قيمتها تريليون دولار بحلول عام 2040.
اقرأ أيضًا:
التفكير الابتكاري في المؤسسات.. ماهيته وأهميته
اهتمام الجامعات السعودية بتدريس ريادة الأعمال.. جهود تُسابق الزمن
كيف تحفز الشركات على الإبداع؟.. استراتيجية نجاح الأعمال