بدايات صغيرة كثيرًا ما تخفي وراءها حكايات صعود استثنائية، تروي فصولًا من الإصرار والرؤية التي غيرت وجه التكنولوجيا، وإيفان شبيغل؛ المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي لشركة “Snap Inc” ليس استثناءً من هذا المسار الملهِم. فمن مقاعد الدراسة الأكاديمية في لوس أنجلوس، انطلق بخطوات واثقة صوب قمة وادي السيليكون. مدفوعًا بشغف مبكر لا يلين تجاه مفاهيم التصميم المبتكر والريادة التكنولوجية.
إيفان شبيغل
ومع كل محطة يخطوها في مسيرته، كانت ملامح الحلم تتضح أكثر فأكثر، لتبدأ الفكرة التي ولدت في قاعة جامعية بالتحوّل إلى منصة عالمية ضخمة غيّرت بشكلٍ جذري مفهوم التواصل المرئي بين ملايين المستخدمين حول العالم.
وتدريجيًا، تجاوز شبيغل حدود الطموح الجامعي ليصنع بصمته الخاصة. فبفضل رؤية لا تعرف التردد أو التوقف، استطاع أن يحوّل تطبيقًا بسيطًا يرتكز على الرسائل المؤقتة والزائلة إلى تجربة تفاعلية غنية ومبهرة، أُعيد من خلالها تعريف كلًا من الخصوصية واللحظة الرقمية العابرة.
ومع كل نجاحٍ نوعي تحقّق، تزايدت التحديات والعقبات، غير أن إصراره على التفرّد والابتكار قاده إلى ترسيخ مكانته بجدارة بين أبرز رواد الأعمال المؤثرين في جيله؛ ليصبح في عام 2015 أصغر ملياردير في العالم.

الحياة المبكرة والتعليم
ولد إيفان شبيغل، في الرابع من يونيو عام 1990 م، في لوس أنجلوس بولاية كاليفورنيا الأمريكية. نشأ في كنف عائلة ميسورة تعمل في سلك القانون، وهما والداه جون دبليو شبيغل وميليسا آن توماس.
وقد تلقى “شبيغل” تربية ضمن المذهب الأسقفي في منطقة باسيفيك باليسيدز الراقية في كاليفورنيا. هذا المحيط المنظم أسس لانضباطه المبكر وتركيزه على النجاح.
كما تلقى “شبيغل” تعليمه الثانوي في مدرسة كروس رودز للفنون والعلوم في سانتا مونيكا. والتي تركز على الجوانب الإبداعية. والتحق بعد ذلك بجامعة ستانفورد، التي تعد بؤرة للابتكار التقني.
دروس متخصصة ومكثفة في التصميم
وبشكلٍ موازٍ، التحق “شبيغل” بدروس متخصصة ومكثفة في التصميم بكلية أوتيس للفن والتصميم أثناء دراسته الثانوية. كما واظب على الدراسة المتقدمة في مركز الفن للتصميم في باسادينا خلال صيف ما قبل دخوله ستانفورد. هذا التكوين المزدوج في الفن والتصميم والتقنية أسس لعمق رؤيته التقنية ومهاراته الإبداعية.
كما خاض “شبيغل” تدريبًا عمليًا وغير مدفوع الأجر في قسم المبيعات لدى شركة “ريد بُل”. وخلال فترة دراسته الجامعية، عمل متدربًا مدفوع الأجر في شركة طبية حيوية. وعمل مدربًا مهنيًا في كيب تاون بجنوب إفريقيا، وكذلك في شركة “Intuit” ضمن مشروع “TxtWeb”. وهو أيضًا عضو فاعل في أخوية كابا سيغما الجامعية المرموقة.
المسيرة المهنية
في أبريل عام 2011، كانت شرارة الانطلاق الأولى؛ حيث اقترح شبيغل تطبيقًا مبتكرًا يتيح إرسال الرسائل المؤقتة والزائلة كمشروع ضمن صف دراسي لتصميم المنتجات. مستشعرًا حاجة السوق إلى تواصل أكثر عفوية وخصوصية.
وفي وقت لاحق من ذلك العام، تحالف مع زميليه في جامعة ستانفورد، بوبي ميرفي وريجي براون، لإطلاق نموذج أولي لهذا المفهوم الذي أطلقوا عليه في البداية اسم “بيكابو”. قبل أن يعيدوا تسميته لاحقًا ليصبح التطبيق المعروف عالميًا باسم Snapchat.
ونتيجة لذلك، شهد التطبيق نموًا هائلًا ومذهلًا في شعبيته في أوساط الشباب. الأمر الذي تطلب تفرغًا كاملًا لتطويره. ولذلك، وفي عام 2012، اتخذ شبيغل قرارًا مصيريًا بترك جامعة ستانفورد للتركيز على تطوير سناب شات قبل إتمام دراسته بفترة وجيزة. ليؤكد أن الفرص العظيمة لا تنتظر.
وبحلول نهاية ذلك العام، كان عدد المستخدمين النشطين يوميًا للتطبيق قد تجاوز عتبة المليون مستخدم. ما مثل دليلًا واضحًا على نجاح فكرته غير التقليدية. ولاحقًا، أكمل شبيغل ما تبقى له من ساعات دراسية وتخرّج رسميًا عام 2018.
الهيمنة المالية والتقدير العالمي
وتجدر الإشارة إلى أن الثروة الشخصية لشبيغل شهدت قفزات نوعية بالتوازي مع النجاح التجاري لشركته. ما جعله محط أنظار العالم المالي. واعتبارًا من أغسطس 2025، بلغت ثروته الشخصية الصافية نحو 2.5 مليار دولار، وفقًا للتقديرات المنشورة في مجلة “فوربس”.
هذا النجاح المالي الاستثنائي هو ما بوأه مكانة أصغر ملياردير في العالم عام 2015. هذه القفزة في الثروة لم تكن مجرد نتاج حظ، بل نتيجة لرؤية استباقية لكيفية تحول التواصل في العصر الرقمي.
الإنجازات والتكريم
ولأجل ذلك، اختارته مجلة “Time” المرموقة ضمن قائمتها لأكثر 100 شخصية تأثيرًا في العالم لعامي 2014 و2017. اعترافًا بدوره الريادي في تشكيل ثقافة التواصل الرقمي الحديثة وتأثيره على الأجيال الجديدة.
وفيما يخص الحوكمة وتوزيع القوة داخل الشركة، ذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال” في يناير 2017، أنه بعد الطرح العام الأولي لشركة “Snap Inc.”، كان من المقرر أن يحتفظ كل من ميرفي وإيفان شبيغل بأكثر من 70% من قوة التصويت داخل الشركة. وأن يمتلكا حوالي 45% من إجمالي الأسهم. ما يضمن لهما السيطرة التامة على القرار الاستراتيجي.
كما أظهر شبيغل وشريكه ميرفي التزامًا راسخًا بالعمل الخيري والمسؤولية المجتمعية. ففي فبراير 2017، تعهّدا بالتبرع بأكثر من 13 مليون سهم من الفئة (A) على مدى فترة تمتد من 15 إلى 20 عامًا. وذلك بهدف دعم المنظمات غير الربحية المعنية بشكل خاص بالفنون والتعليم والشباب.

إطلاق مؤسسة سناب
ولهذا الغرض، أسسا “مؤسسة سناب”، وهي منظمة غير ربحية تهدف لتطوير مسارات نحو الاقتصاد الإبداعي للشباب من الفئات الممثلة تمثيلًا ناقصًا في لوس أنجلوس. ما يؤكد على دورهما في التنمية المجتمعية.
وفي إطار الدعم في أوقات الشدة، لم يتوانَ شبيغل وشريكه عن تقديم المساعدة المباشرة خلال جائحة كوفيد-19 العالمية. حيث تبرعا بمبلغ 3 ملايين دولار لمساعدة المتضررين من الجائحة. مؤكدين بذلك على دور قادة التقنية في دعم جهود الإغاثة الإنسانية.
وبشكل عام، لم يقتصر تأثير شبيغل على عالم التقنية فحسب، ففي عام 2021، انضم إلى مجلس إدارة شركة الاستثمار والإدارة المالية العملاقة “كولبرغ كرافيس روبرتس”. ما يعكس توسع نفوذه في القطاع المالي الإستراتيجي.


