حصر أنواع الإبداع ليس بالأمر السهل؛ ذلك لأن هذه الأنواع متعددة وتندّ في الغالب عن الحصر، لا سيما إذا فهمنا أن الإبداع في ذاته ليس حصرًا على أحد؛ بمعنى أنه لا يقتصر على طائفة معينة كالموسيقيين والكتاب والمؤلفين وغيرهم، وإنما كل إنسان يمكنه أن يكون مبدعًا في مكانه ومجاله.
وينطوي هذا الطرح القائل بعدم إمكانية حصر الإبداع على فائدة جد كبيرة مفادها أنه من الممكن تعميم الإبداع ليكون عادة، هذا إذا اتفقنا مع وجهة النظر القائلة إن الإبداع ليس أمرًا وراثيًا إنما هو عادة يمكن تعلمها ومهارة واكتسابها.
أضف إلى ذلك أن طرحًا كهذا سيدفع الناس إلى المحاولة؛ أي محاولة أن يكونوا مبدعين؛ فطالما أنهم مقتنعون بأن الإبداع ليس حكرًا على أحد، وأنه سلوك ومهارة من الممكن تعلمهما، فما الذي يصدهم عن اللحاق بركب المبدعين؟!
اقرأ أيضًا: الاقتصاد الإبداعي.. تعريفه وتأثيراته
أنواع الإبداع
قلنا إن حصر أنواع الإبداع أمر عسير، ومن غير الممكن النهوض به على نحو شامل، صحيح أن هناك بعض المحاولات _التي سنشير إلى بعضها فيما يلي_ التي حاولت بيان وحصر أنواع الإبداع، إلا أن ذلك لا يعني الاستقصاء والاستيعاب.
فلو قلنا إن هناك 5 أو 6 أنواع للإبداع فليس معنى هذا أن الإبداع كله مختصر في هذه الأنواع، وإن كان من الصحيح أن أغلبه محصور فيها.
وكان آرني ديتريش قدم في 2004 ورقة بحثية عن الإبداع من وجهة نظر علم الأعصاب، حدد فيها أربعة أنواع للإبداع، وهي تلك الأنواع التي يبينها «رواد الأعمال» على النحو التالي..
-
الإبداع المعرفي المتعمد
هذا هو أول أنواع الإبداع التي حددها آرني ديتريش؛ وهو إبداع علمي معرفي كما هو واضح من اسمه، وعادة ما يكون لدى الأشخاص المتسمين بهذا النوع من أنواع الإبداع قدر كبير من المعرفة حول موضوع معين، ويجمعون مهاراتهم وقدراتهم لإعداد مسار عمل لتحقيق شيء ما.
يتم بناء هذا النوع من الإبداع عندما يعمل الناس لفترة طويلة جدًا في منطقة أو مجال معين، وعادة ما يكون الأشخاص الذين يندرجون تحت هذا النوع من أنواع الإبداع بارعين في البحث وحل المشكلات والاستقصاء والتجريب.
علاوة على ذلك فإن الإبداع المعرفي المتعمد يتطلب قدرًا كبيرًا من الوقت والتفاني ووفرة معرفية حول موضوع معين.
اقرأ أيضًا: الإبداع في الشركات.. 4 كتب تهديك السبيل
-
الإبداع العاطفي المتعمد
هؤلاء الأشخاص المتسمون بهذا النوع من أنواع الإبداع يدركون أنهم عاطفيون، ومع ذلك يتركون عملهم يتأثر بحالة عواطفهم.
هذا النوع من المبدعين عاطفيون للغاية وحساسون بطبيعتهم، ويفضلون وقتًا هادئًا نسبيًا وشخصيًا للتفكير وعادة ما تكون لديهم عادة كتابة اليوميات.
ولعله من الملاحظ أن هذا النوع من أنواع الإبداع يجمع بين متناقضين هما (التعمد والعاطفية)، فهم عاطفيون ومنطقيون في الوقت، فإبداعهم دائمًا هو نتاج متوازن للتفكير العاطفي المتعمد والأفعال المنطقية.
يحدث هذا النوع من الإبداع للأشخاص في لحظات عشوائية، وعادة ما يحدث في اللحظات التي يفكر فيها شخص ما فجأة في حل لمشكلة ما أو يفكر في فكرة مبتكرة. كما أن هذا النوع من أنواع الإبداع يمتلكه كبار الفنانين والموسيقيين.
اقرأ أيضًا: العصف الذهني.. الوسيلة الأولى لتوليد الأفكار
-
الإبداع المعرفي العفوي
هذا النوع هو نقيض النوع الأول من أنواع الإبداع؛ فالأول متعمد أما هذا فعفوي وغير مخطط له.
وهو يحدث كالتالي: عندما تغرق في التفكير في حل مشكلة ما ثم تنقطع بك السبل ولا تجد لها حلًا ولا مخرجًا، ثم فجأة وأنت تشاهد التلفاز وتستمتع بوقتك المريح تفكر في حل وكل شيء يصبح مناسبًا.
وقد حدثت نفس الحالة مع العالم العظيم إسحاق نيوتن؛ حيث حصل على فكرة حول قانون الجاذبية عندما ضربت تفاحة رأسه بينما كان جالسًا تحت شجرة مسترخيًا.
يحدث هذا النوع من أنواع الإبداع عندما تكون لدى المرء المعرفة اللازمة لإنجاز عمل معين، لكنه يتطلب الإلهام وتلميحًا للسير نحو الطريق الصحيح. وعادة ما يحدث في أكثر الأوقات غير الملائمة، مثل عندما تكون في السرير أو تستحم.
يحدث الإبداع المعرفي والعفوي عندما يتوقف العقل الواعي عن العمل ويذهب للاسترخاء ويحصل العقل اللاواعي على فرصة للعمل.
وعلى ذلك فمن خلال الانغماس في أنشطة مختلفة وغير ذات صلة يحصل العقل اللاواعي على فرصة لربط المعلومات بطرق جديدة توفر حلولًا للمشكلات؛ لذلك فإنه من أجل السماح لهذا النوع من أنواع الإبداع بالحدوث يجب على المرء أن يأخذ استراحة من المشكلة ويبتعد للسماح للعقل اللاواعي بالتغلب عليه.
اقرأ أيضًا: تعزيز الإبداع في العمل بـ5 طرق
-
الإبداع العاطفي العفوي
يبدو هذا النوع من أنواع الإبداع متسقًا مع ذاته؛ فالإبداع صنو العفوية ورديفها، كما أن هذا النوع من الإبداع عادة ما يتمثل في فنانين عظماء مثل الموسيقيين والرسامين والكتاب وما إلى ذلك.
علاوة على ذلك فإن الإبداع العفوي والعاطفي مسؤول عن الاختراق العلمي والاكتشافات الدينية والفلسفية أيضًا. ويسمح للشخص المستنير بالنظر إلى مشكلة أو موقف من وجهة نظر مختلفة وأعمق.
يتم تعريف تلك اللحظات بأنها لحظات نادرة عندما تحدث اكتشافات عظيمة، وليست هناك حاجة إلى معرفة محددة من أجل حدوث الإبداع “العفوي والعاطفي” ولكن يجب أن تكون هناك مهارة مثل الكتابة أو الموسيقى أو الفن.
اقرأ أيضًا:
- إبداع رائدات الأعمال.. التحديات والإنجازات
- الصناعة الرقمية وريادة الأعمال
- فارس المالكي: التقدم التقني والريادي السعودي تجربة عالمية تُروى بفخر
- مبادرة “تحدي البحث التقني” ودعم الابتكار في الشركات
- إنجازات الجامعات السعودية.. قفزات نوعية تُحققها المملكة في التعليم العالي