- يعد “بيتر لينش” أحد أفضل مديري صناديق الاستثمار المشترك في التاريخ. وقد تحدث مؤخرًا مع جوش براون؛ الرئيس التنفيذي والمؤسس المشارك لشركة «ريثولتز ويلث مانجمنت»، حول الاستثمار والذكاء الاصطناعي وموضوعات أخرى.
قال «لينش»، الذي ارتبط اسمه بإدارة صندوق «ماجِلان» التابع لـ«فيديليتي إنفستمنتس» بين عامي 1977 و1990. محققًا متوسط عائد سنوي بلغ 29.2 % متفوقًا باستمرار على مؤشر «ستاندرد آند بورز 500». عبارته الشهيرة:
«إذا لم تفهم ما تملكه، فأنت في مأزق».
كما تقاعد «لينش» من إدارة الصندوق في سن السادسة والأربعين. لكنه لا يزال حتى اليوم، في عمر 81 عامًا، نائب رئيس «فيديليتي مانجمنت آند ريسيرتش».
وأدلى المستثمر المخضرم بهذه التصريحات خلال مقابلة مع جوش براون نُشرت يوم الجمعة الماضي. كما بدأ بيتر لينش مسيرته المهنية متدربًا في «فيديليتي» في ستينيات القرن الماضي. بعد أن عمل كحامل لأكياس الغولف للرئيس التنفيذي آنذاك؛ جورج سوليفان في إحدى ضواحي بوسطن.
فلسفة بيتر لينش
في حديثه عن أهمية معرفة ما تمتلكه، استعاد «لينش» قصة اتصال قديم مع باربرا سترايسند؛ المغنية والممثلة. التي أعربت له عن قلقها من امتلاكها عدة أسهم دون أن تعرف ما الذي يجب أن تفعله بها. أو حتى ما الذي تفعله تلك الشركات أصلًا.
كذلك قال «بيتر لينش»: «الناس حريصون جدًا. يقضون ساعات من أجل الحصول على خصم قدره 50 دولارًا على رحلة طيران. ويدققون في كل التفاصيل. ثم يضعون 10 آلاف دولار في سهم مجنون سمعوا عنه في الحافلة. دون أي فكرة عما يفعلونه. شخص ما اخترع مصطلحًا مروعًا قبل دخولي هذا المجال، هو “اللعب في السوق”».
كما أوضح أن «اللعب» فعل خطير جدًا في هذا السياق. مضيفًا: «أنت لا “تلعب” في السوق. أنت تشتري شركات جيدة. ويجب أن تعرف ما الذي تفعله هذه الشركات».
وشدد بيتر لينش على أن المستثمر يجب أن يكون قادرًا على شرح سبب امتلاكه أسهم شركة ما لطفل يبلغ من العمر 11 عامًا في دقيقة أو أقل. وليس فقط لأن «هذا السهم سيرتفع».
وتأمل «لينش» أيضًا في أحد أقواله الشهيرة: أن المستثمرين خسروا أموالًا أكثر بكثير أثناء استعدادهم لتصحيحات السوق أو محاولتهم التنبؤ بها. ما خسروه خلال التصحيحات نفسها. ومثلما يخطئ الاقتصاديون، يخطئ المستثمرون أيضًا في التنبؤات الاقتصادية. مستشهدًا بتوقعات الركود لعام 2024 التي لم تتحقق. وأضاف مازحًا: «أعتقد أن الاقتصاديين توقعوا 33 ركودًا من أصل 11 حدثًا فعليًا».
كما أشار إلى أن على المستثمرين أن يدركوا أنهم يمكن أن يخسروا أموالًا في السوق. فالشخص الذي لديه ثلاثة أبناء على وشك دخول الجامعة، مثلًا، لا يجب أن يستثمر في الأسهم بل في أدوات مالية أقل مخاطرة.
الحقائق أم التنبؤات؟
كما دعا بيتر لينش إلى التركيز على الحقائق الحالية بدلًا من التنبؤات الاقتصادية. مثل معدلات الادخار، والتوظيف، وأسعار النفط. والقطاعات التي انتقلت من حالة سيئة إلى التحسن.
كذلك قال: «أود أن أحصل على صحيفة وول ستريت جورنال للعام المقبل، لأعرف المستقبل. لقد حاولت ذلك طوال 81 عامًا».
ويرى «لينش» أن جوهر الاستثمار لم يتغير كثيرًا على الرغم من التطورات السريعة في أدوات التداول وتوفر البيانات. واستشهد بنجاح شركات مثل «أمازون»، و«كوستكو»، و«وولمارت».
كما أكد أن «فيديليتي» استثمرت فيها بكثافة باستخدام معلومات عامة فقط. لكنه تأسف لتراجع عدد الشركات المتداولة علنًا من 8 آلاف قبل 15 عامًا إلى ما بين ثلاثة وأربعة آلاف فقط اليوم، معتبرًا ذلك خسارة كبيرة.
كانت أول عملية شراء له في صندوق «ماجِلان» هي أسهم «تاكو بيل»، في حين أعرب عن أسفه لعدم الاستثمار في «ستاربكس» في وقت مبكر.
محفظة استثمار بيتر لينش
أما بالنسبة لأمواله الشخصية، فقد كشف لينش أنه لا يمتلك أي أسهم في شركات الذكاء الاصطناعي، قائلًا: «أنا أقل شخص يستخدم التكنولوجيا. زوجتي وابنتي ميكانيكيتان. وأنا لا أعرف التعامل مع الحواسيب. أستخدم فقط دفترًا أصفر وهاتفًا».
كما أضاف أنه لا يعرف ما إذا كانت طفرة الذكاء الاصطناعي تشبه فقاعة الدوت كوم في أواخر التسعينيات وبداية الألفية. أو ما إذا كان المستثمرون قد بالغوا في مطاردتها.
ورغم أنه كان في ذروته أشهر مستثمر في العالم، فقد أقر بأن وارن بافت «الأفضل». وسُئل عما إذا كان لا يزال يعتقد أن المستثمرين الأفراد يمكنهم منافسة الكبار في وول ستريت. فأكد أنه يؤمن بذلك، شريطة أن يبحثوا عن الفرص في الأماكن المناسبة.
وقال بيتر لينش: «الناس يركزون عادة على الأسهم التي تسجل مستويات قياسية جديدة. لكنها ليست المكان الوحيد للفرص. أحب النظر إلى الشركات التي انخفضت قيمتها كثيرًا».
وأشار إلى أن شركات «ماجنيفيسنت سفن» في معظمها شركات جيدة، واصفًا «ميتا» بأنها «شركة مذهلة».
و«مايكروسوفت» بأنها «شركة عظيمة»، و«جوجل» بأنها «رائعة»، و«أمازون» بأنها «مذهلة».
كما أبدى بعض الغموض تجاه «تسلا»، لافتًا إلى أن شركة «بي واي دي» الصينية تنتج سيارة في المجر بسعر يساوي ثلث سعر تسلا. وهي «سيارة جيدة»، مضيفًا أنه لا يستوعب بعد «موضوع الإنسان الآلي».
«وول ستريت» تغيرت جذريًا
وبالرغم من أن الاستثمار لم يتغير كثيرًا في نظره، فإن مشهد وول ستريت تغير جذريًا، ليس فقط من حيث عدد الشركات.
وقال بيتر لينش: «كان قاع السوق في عام 1982 عند مستوى 777 نقطة لمؤشر داو جونز الصناعي. لقد شهدنا منذ ذلك الحين سوقًا مذهلة مع 10 أو 12 تراجعًا وربما أكثر قليلًا».
كما أضاف: «كل من أعرفهم نشأوا على التحذير من أن الانهيار الكبير قادم. لقد مررنا بـ 11 ركودًا ولم نشهد انهيارًا كبيرًا. تخيل فترة الكساد الكبير. لم تكن هناك ضمانات اجتماعية، وكان المتقاعدون ينتقلون للعيش مع عائلاتهم التي تضطر لتقليص نفقاتها. ولم يكن هناك تعويض بطالة. ولم تكن لجنة الأوراق المالية والبورصات موجودة، وكان الاحتياطي الفيدرالي نائمًا».
وأكد أن الوضع أفضل بكثير للمستثمرين اليوم، فهناك ضوابط وقوانين لم تكن موجودة من قبل، ونحو 63 % من الأمريكيين يمتلكون منازلهم. ما يساعدهم على بناء الثروة، مقارنة بنسبة أقل بكثير في عشرينيات القرن الماضي.
وأشار إلى أن 1 % فقط من الأمريكيين كانوا يمتلكون أسهمًا عام 1929، لذا لم يفقد العامل العادي كل شيء مع انهيار السوق. لكنه ذكر أن الكساد الكبير كان كارثيًا، إذ بلغت البطالة 30 %، وكان الغذاء شحيحًا، والبيئة الزراعية مدمرة.
واختتم «لينش» قائلًا: «إنه رغم كل الأزمات التي شهدها الاقتصاد منذ ذلك الحين، لم يكن أي منها قريبًا من شراسة الكساد الكبير. «مررنا بالكثير من الاختبارات والفرص لانهيار كبير، عشنا تحت رؤساء سيئين وكونغرس سيئ، لكننا اجتزنا كل ذلك».