كما تعد الجوائز المالية الضخمة مثل المكافآت السنوية والعمولات من الركائز الأساسية لإستراتيجيات تحفيز الموظفين. حيث تقوم الفكرة في عالم ريادة الأعمال على أساس إذا أردت أداء أفضل، فعليك أن تدفع أكثر. ولكن ماذا لو كانت هذه الفرضية المنطقية خاطئة من الأساس؟
وأكدت أبحاث علم النفس التحفيزي إلى أن هذا الأسلوب التقليدي لم يعد مؤثرًا كما كان في الماضي، بل يؤدي إلى نتائج عكسية. خاصة في عالم رواد الأعمال الذي يتطلب الإبداع والابتكار وحل المشكلات المعقدة.
الجوائز المالية.. سبب رئيسي لتراجع الأداء
ووفقًا لدراسة رائدة أجراها معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، تم عرض على مجموعة من الطلاب ثلاثة مستويات مختلفة من المكافآت المالية مقابل إنجاز مهام محددة. وتباين النتائج. حيث تم تفعيل نظام المكافآت بنجاح. فكلما زادت الحوافز، تحسن الأداء في المهام الميكانيكية البحتة.
أما في المهام التي تتطلب مهارات معرفية بسيطة، فإن زيادة المكافآة أدت إلى انخفاض الأداء بشكل ملحوظ.
أيضًا كررت المعهد التجربة في مناطق أخرى حول العالم، بما في ذلك الهند. حيث كانت المكافأة الكبرى تعادل راتب شهرين كاملين، ولكن أثبتت النتائج أنه كلما ارتفع الحافز المالي، تراجع الأداء. ما يثير هذا التناقض تساؤلًا ملحوظًا “إذا لم يكن المال هو المحرك الأقوى، فما الذي يحفز الإبداع فعلًا؟
نظريات التحفيز المالي
أكدت الدراسات الحديثة أن الدافع الحقيقي وراء الأداء المتميز تكمن في ثلاثة عوامل جوهرية داخلية. حيث تعتبر الإطار المثالي بعد أن يحصل الموظف على أجر يحقق له الاستقرار المالي.
الاستقلالية
تعتبر الرغبة في تولي مهام حياتنا وأعمالنا بذاتنا نزعة فطرية داخل الإنسان. حيث تعتمد الإدارة التقليدية على السيطرة الحادة والإشراف الدقيق التي تضمن الامتثال، ولكن تقتل الإبداع. من ناحية أخرى، تمنح الشركات موظفيها حرية في كيفية تنفيذ مهامهم. وتحقيق مستويات أعلى من التميز والابتكار.
فعلى سبيل المثال، بدلًا من فرض جدول عمل على فريق التسويق، يمكن منحهم يومًا واحدًا شهريًا للتجربة الحرة وابتكار أفكار خارج الصندوق. ما يؤدي ظهور حملات أو منتجات جديدة ما كانت لتظهر تحت ضغط الروتين اليومي.
الإتقان في العمل
يمتلك الإنسان رغبة في تطوير مهاراته وذاته. لذلك، نجد مطوري البرمجيات الموهوبين يشاركون في مشروعات مفتوحة المصدر دون مقابل مادي. ما يسهم في تحدي الذات والسعي نحو الإتقان.
كذلك، تغذي الشركات الناشئة على هذا الدافع عبر برامج تدريب وتطوير مستمرة، ما يؤدي إلى نمو شخصي ومهني مستدام.
تحديد الهدف
يتضاعف جهد الفرد بنسبة أكبر عندما يؤمن بما يفعله. حيث يخدم هدفًا أكبر من مجرد تحقيق الأرباح. يفصل عامل الربح عن النجاح المعنوي. حيث تصبح المنتجات أقل جودة، ويختفي الابتكار.
أما على صعيد الشركات التي تتمتع برؤية واضحة وهدف مستدام. مثل تحسين جودة الحياة أو حل مشكلة بيئية. هي لا تجذب فقط أفضل المواهب، بل تعطي مساحة أكبر لطاقة إبداعية أوسع.
تحفيز بيئة العمل
يبدأ الطريق إلى النجاح المستدام من بناء ثقافة عمل تقدر الاستقلالية، وتشجع على الإتقان، كما توجه طاقة الفرد نحو هدف مشترك. حيث إن تبني هذا النهج سيؤثر على الشركات من مجرد أماكن لجني الأرباح إلى مختبرات للإبداع والنمو والابتكار الحقيقي.
القيمة التنافسية للجوائز المالية
تعرض الموظفون إلى خفض الحوافز المالية مع ازدياد المنافسة حول الأفكار المبتكرة. لذا، لجأ البعض إلى التراجع عن المحاولة. كذلك، أدت المحاولة إلى انخفاض جهودهم وانحسار الوقت والطاقة. ما يمكن استثمارهما في ابتكارات حقيقية أو اختراقات كبرى.
أيضًا هذه الظاهرة توضح قرار شركة جوجل في عام 2007 حول خفض قيمة جوائز المؤسسين. وتحويلها إلى مكافآت أصغر.
التوازن الذكي
علاوة على ذلك، أثبتت المكافآت المنخفضة نسبيًا أنها أكثر فاعلية، مثل 10% من قيمة الفكرة. حيث حفزت الموظفين على توليد عدد جيد من الأفكار دون أن تتسبب في تداخل المشاريع أو تراجع الروح المعنوية للفرق.
كما تدعم الممارسات الواقعية في الشركات هذه النتيجة.
ففي دراسة حول نظم إدارة الأفكار في 105 شركة ألمانية بين عامي 1980 و2011، أثبتت النتائج أن قيمة الحوافز مقابل الابتكارات الناجحة اختلفت بين 5% و15% من قيمة الفكرة.
كما أفاد استطلاع شمل 306 شركة ألمانية أن الأفكار التي حققت عائدًا بقيمة 1.4 مليار يورو، حصلت على حوافز بقيمة 159 مليون يورو — أي ما يعادل 11% من قيمة الأفكار.
المقال الأصلي: من هنـا