تعد بيئة العمل الصحية هي حجر الزاوية في نجاح أي مؤسسة؛ لكن هذا البناء الهش قد يتعرض للانهيار بفعل عامل واحد، “الشخصيات السامة” التي تنخر في نسيج المؤسسة. فكما يظهر جليًا في الأبحاث التي أجرتها جامعة “هارفارد”، فإن السلوكيات السامة تشكل تهديدًا وجوديًا للثقافة المؤسسية.
إن وجود الشخصيات السامة في مكان العمل كفيل بإطلاق شرارة الفوضى؛ إذ إن سلوكهم المدمر يخلق جوًا من الخوف وعدم الثقة بين الزملاء. هذا الجو المشحون بالتوتر يمثل بيئة خصبة لانتشار الإشاعات والنميمة، ما يؤدي إلى تآكل الثقة المتبادلة بين أفراد الفريق. ونتيجة لذلك، تتراجع الإنتاجية، وتتدهور جودة العمل، وتزداد معدلات التغيب والإحباط بين الموظفين.
السلوكيات السامة
والأخطر من ذلك أن القادة الذين يتجاهلون هذه السلوكيات السامة أو يتأخرون في معالجتها يعرضون مؤسساتهم لخطر كبير. فالتسامح مع السلوكيات الضارة يشجع على تكرارها، ويبعث رسالة واضحة للموظفين مفادها أن هذه السلوكيات مقبولة. وفي النهاية، قد يؤدي ذلك إلى فقدان الموظفين الموهوبين، وتدهور سمعة المؤسسة، وحتى فشلها.
ومن المهم أن نذكر أن الغالبية العظمى من الناس لديهم نوايا حسنة، ويسعون جاهدين لتحقيق الأفضل لأنفسهم وللمجتمع من حولهم. ومع ذلك، فإن بعض الأفراد قد يمارسون سلوكيات سامة دون أن يدركوا ذلك، أو بسبب ضغوط العمل أو عوامل أخرى. لذا، من الضروري أن تكون المؤسسات مستعدة للتعامل مع هذه المشكلة، وأن تتبنى سياسات واضحة المعالم لمكافحة السلوكيات السامة، وأن توفر برامج تدريبية لمساعدة الموظفين على التعرف على هذه السلوكيات والتصدي لها.
الشخصيات السامة في بيئة العمل
لا غرو أن بيئة العمل الحديثة تمثل ساحة متنوعة من الشخصيات، تتراوح بين الملهمة والإيجابية إلى السامة والمدمرة. ففي عالم الأعمال؛ حيث التنافس شديد والضغوط عالية، تتسلل بعض الشخصيات السامة لتترك آثارًا سلبية عميقة على الأفراد والمنظمات. تلك الشخصيات، التي قد تبدو في البداية غير مؤذية، تحمل في طياتها سمومًا تدمر روح الفريق وتعيق التقدم.
1. القائد المتسلط
أحد أبرز أنواع الشخصيات السامة هو “القائد المتسلط”، هذا النوع من الشخصيات يفرض رأيه بشكلٍ مطلق، متجاهلًا آراء الآخرين وأفكارهم، معتمدًا على موقعه الوظيفي فقط. كما أن هذا النوع يميل إلى اتخاذ قرارات متسرعة وغير مدروسة. ما قد يؤدي إلى عواقب وخيمة على المشاريع والفرق.
2. الشخص المتعجرف
الشخصية السامة التالية هي “الشخص المتعجرف”، وهو الشخص الذي يطلق الأحكام ويبدي آراء قوية دون أي أساس علمي أو دليل ملموس. علاوة على ذلك، يتميز هذا النوع بثقة زائدة في نفسه. ما يجعله يرفض أي نقد أو رأي مخالف. كذلك، يسعى الحمار الوحشي دائمًا إلى لفت الانتباه، حتى لو كان ذلك على حساب الآخرين.
3. صاحب الحلول قصيرة المدى
أما “صاحب الحلول قصيرة المدى”، فهو الشخص الذي يركز اهتمامه فقط على المشاكل الطارئة، متجاهلًا القضايا الاستراتيجية طويلة الأمد. من ناحية أخرى، يعطي الذئب انطباعًا بالنشاط والحماس، إلا أنه في الواقع يزيد من مستوى التوتر والقلق في الفريق. مع ذلك، فإن هذا النوع من الشخصيات يفتقر إلى الرؤية الشاملة والقدرة على التخطيط المستقبلي.
4. الشخص الانطوائي
الشخصية الخامسة التي سنتناولها هي “الشخص الانطوائي”، وهو الشخص الذي يعزل نفسه عن الفريق ويعمل بشكلٍ منفرد. رغم ذلك، قد يكون الشخص الانطوائي موهوبًا وذكيًا، إلا أنه يفضل العمل بمفرده بدلًا من التعاون مع الآخرين. كما أن هذا النوع من الشخصيات يواجه صعوبة في بناء العلاقات وبناء الثقة مع زملائه.
5. القائد المتدخل
أحد أبرز أنواع الشخصيات السامة هو ما يُعرف بـ “الزعيم المتسلل الذي يفرغ ويغادر بصوت عال، وهو المسؤول التنفيذي الذي يتدخل في عمل الآخرين، ويقدم نصائح غير مرغوب فيها، ثم يختفي تاركًا الفوضى خلفه. كما أن هذا النوع يميل إلى تبني نهج القيادة من أعلى، متجاهلًا آراء الموظفين وأفكارهم. علاوة على هذا الأمر، يسعى هذا الشخص دائمًا إلى لفت الانتباه، حتى لو كان ذلك على حساب نجاح المشاريع.
6. المقاوم للتغيير
الشخصية السامة التالية هي “المقاوم للتغيير”، وهو الشخص الذي يتمسك بآراء عفا عليها الزمن، ويرفض تبني أي أفكار جديدة أو مبتكرة. كذلك، يتميز هذا النوع بالتعصب لأفكاره، ما يجعله يعارض أي تغيير أو تحديث. من ناحية أخرى، يساهم الشخص المقاوم للتغيير في خلق بيئة عمل جامدة وغير مرنة، ما يثبط الإبداع والابتكار.
7. الشخص الثأري
أما “الشخص الثأري”، فهو الشخص الذي يحمل الضغينة ويتصرف بدافع الانتقام، ما يؤثر سلبًا على أداء الفريق. مع ذلك، فإن هذا النوع قد يكون ماهرًا في التلاعب بالآخرين، واستخدام المعلومات كسلاح لتحقيق أهدافه الشخصية. رغم ذلك، فإن الشخص الثأري يضر بسمعة المنظمة ويخلق جوًا من عدم الثقة.
8. المتأثر بآراء الآخرين
الشخصية التالية هي “المتأثر بآراء الآخرين” وهو الشخص الذي يتأثر بسهولة بآراء الآخرين، ويغير رأيه باستمرار. كما أن هذا الشخض يفتقر إلى الثقة بنفسه، ما يجعله يتردد في اتخاذ القرارات. علاوة على هذا الأمر، يساهم هذا الشخص في خلق حالة من عدم الاستقرار وعدم اليقين في الفريق.
9. المقلد المزعج
أما “المقلد المزعج” فهو الشخص الذي يكرر آراء الآخرين دون أي تفكير، ما يجعل من الصعب تمييز أفكاره الخاصة. كذلك، يتميز هذا الشخص بسطحية في التفكير، وعدم القدرة على التحليل والنقد. من ناحية أخرى، يساهم هذا الشخص في خلق جو من الملل والروتين في الفريق.
10. المدافع عن البيانات فقط
الشخصية الأخيرة التي سنتناولها هي “المدافع عن البيانات فقط”، وهو الشخص الذي يركز فقط على البيانات والأرقام، متجاهلًا العوامل البشرية والاجتماعية. رغم ذلك، قد يكون هذا الشخص ماهرًا في تحليل البيانات، إلا أنه يفتقر إلى القدرة على فهم السياق الأوسع. كما أن هذا النوع من الشخصيات يواجه صعوبة في بناء العلاقات وبناء الثقة مع زملائه.
في النهاية، يمكن القول إن الشخصيات السامة تشكل تهديدًا خطيرًا على بيئة العمل؛ حيث تؤدي إلى تدهور العلاقات بين الزملاء، وتقويض روح الفريق، وتقليل الإنتاجية. ولكي نتمكن من بناء مؤسسات قوية ومستدامة، ينبغي علينا جميعًا أن نتحمل مسؤوليتنا في مكافحة هذه السلوكيات. كما يجب على المؤسسات أن تستثمر في برامج تدريب شاملة، وأن تنشئ خطوط اتصال مفتوحة، وأن تطبق سياسات صارمة لمكافحة السلوكيات السامة. من خلال العمل معًا، يمكننا خلق بيئة عمل صحية وإيجابية تعود بالفائدة على الجميع