امتلأت أرفف المكتبات وصفحات مواقع التواصل الاجتماعي، ومنصات المحاضرات العربية والعالمية بكثير من المخرجات، التي تستهدف مفهوم السعادة؛ حتى أصبح الجيل الحالي مُشبعًا بأفكار عديدة- وربما مغلوطة- عن السعادة، أو كما أحب أن أسميها ” فن إدارة التحديات”، والتي لن تصل بك إلى مرحلة السعادة المستقرة الدائمة كما يدعي البعض!
كلُّ منا دائم التعرض بشكل أو بآخر للعديد من العقبات، فالسعادة في منظوري هي رحلة من التقبل، فما أن يواجهك تحدٍ ما، وتتقبله وتمضي قدمًا دون الوقوف كثيرًا على الأطلال؛ حتى تكون قد فهمت الحياة كما يجب، واستمرت رحلتك فيها مستقرًا قانعًا ومهيأً للنجاح، فما الحياة- بتحدياتها الكثيرة- إلا مراحل لصقل جوهرتك الخاصة، وتنقيتها من الشوائب؛ لتُخرِج أفضل ما فيك.
إنَّ روحك الكامنة بين أضلعك، بحاجة لكثير وكثير من التجارب؛ حتى تستحق أن تُرزق بما تتمناه من أهداف عظيمة وسامية، فالله- عزَّ وجلَّ- لن يرهقك بلا هدف؛ فكل شيء لحكمة إلهية قد لا تعلمها الآن، ولكنك ستتلمس مدى إحسانه في أقدارك غدًا.
من واقع تجربتي الشخصية
لم أجد السعادة إلا في اللحظة التي قررت فيها تغيير مفهومي عن المشكلات والعقبات ووصفها بالتحديات، فوصف تحدٍ يبعث في النفس رغبة في المضي قدمًا دون توقف؛ وهو ما تطلبه منا الحياة، فالسعادة الحقيقية في الرحلة، ليست فيما نصل إليه، فإذا علقت آمالك على الهدف ذاته منشغلًا عما تكتسبه من خبرات ومهارات، وما تمر به من تفاصيل صغيرة تضفي على قلبك مزيدًا من الشغف، فأنت أشبه بالقطار الذي يصل في كل مرة إلى وجهته آليَا دون شعور، وما أن يصل إلى وجهة حتى ينتقل إلى أخرى، فلن يرضيك شيء، ولن تشعر بالسعادة الحقيقية التي تبحث عنها.
إنَّ هذا ما أحرص على نشره من خلال دوري كمديرة ومدربة للسعادة وجودة الحياة في أحد أبرز شركات القطاع الخاص، وأسعى جاهدة لأن تصبح السعادة- بمفهومها الصحيح- ثقافة سائدة، تنعكس على كل جوانب الحياة، فكلنا معرضون للعثرات؛ فما هي إلا خطوتان إلى الوراء تشد السهم؛ لتطلقه بشكل أسرع، وأكثر دقة.
مدير السعادة
أما عني أنا كسلطانة، فلقد وُلِدت بمقومات مدير السعادة دون أن أعلم، فالعطاء ونشر الطاقة الإيجابية وتلمُّس حاجات فريق العمل جزءٌ لا يتجزأ من شخصيتي، كنت أمارسه ببساطة وعفوية مطلقة؛ حتى قررت ترجمته إلى معرفة أكاديمية خروجًا من تجربة شخصية كان لها بالغ الأثر في حياتي.
استعادة التوازن
لقد كنت على شفا حفرة تفضي بي إلى ما لا أريد، فوجدت شخصيتي الفطرية تأبى الاستسلام، فحولت مشاعر الحزن إلى طاقة دفعت بي إلى الأمام، لم أقف على ذلك الباب المغلق كثيرًا، فسبعة أيام كانت كافية جدًا لأستعيد توازني، وأبدأ في استثمار ما وهبني الله من مقومات شخصية، فحولت هذه الصفات إلى دراسات أكاديمية، وحصلت على شهادات معتمدة في السعادة وجودة الحياة، وانطلقت في رعاية مبادرات على نطاق واسع، مستهدفةً فيها مفهوم السعادة كما يجب أن تكون، فكان لي السبق في الحصول على منصب مدير السعادة.
وما زلت مؤمنة بأن لدي المزيد مما أود أن أقدمه في هذا الجانب، فمفهوم إدارة السعادة ما زال جديدًا في عالم الأعمال؛ كونه بالغ الأثر في اتزان حياة الموظف؛ فالعمل يقتطع أغلب ساعات يومه وسعادته خلال هذه الساعات؛ ما ينعكس بشكل أو بآخر على باقي حياته.
لا يوجد عمل مريح على الإطلاق؛ ولكن ما أسعى له شخصيًا- من خلال عملي- توفير بيئة أكثر استقرارًا يشعر فيها الموظف بالانتماء وكثير من التقدير؛ فإن كان هو نواة المنظمات، فإنَّ عملي ينصب على تهيئة بيئة عمل تقدم له ما يحتاجه؛ ليعطي أكثر.
إنَّ أصعب الأعمال على الإطلاق، هو ما يتعلق بإدارة الرغبات الإنسانية، ولكنني أراهن على قدرتي – بتوفيق من الله- على حسن إدارتي لها، كما استطعت أن أدير تحدياتي الخاصة.
سلطانة العمري
اقرأ أيضًا:
ريادة الأعمال.. والرخصة الدولية
كورونا وأخواته.. بنات أفكار لرواد الأعمال