ظهرت موجة متزايدة من عمليات تسريح الموظفين في كبرى الشركات العالمية خلال الشهور الماضية. نظرا لإستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي. ما أثار حالة من القلق بين العاملين.
بينما يرى الخبراء أن عديد من الرؤساء التنفيذيين يبررون قرار خفض التكاليف بالاعتماد الكلي على أدوات الذكاء الاصطناعي.
ففي سبتمبر 2025، أعلنت شركة Accenture الاستشارية خطة لإعادة الهيكلة. والتي تشمل تسريح الموظفين غير القادرين على تطوير مهاراتهم في مجال الـAI.
تسريح الموظفين بسبب الاعتماد على الذكاء الاصطناعي
كذلك، اعتزمت شركة Lufthansa الألمانية للطيران إلغاء 4 آلاف وظيفة بحلول عام 2030. وجاء ذلك في إطار خطة زيادة الكفاءة باستخدام الذكاء الاصطناعي.
أما على صعيد التكنولوجيا، سرحت Salesforce عن 4 آلاف موظف في قسم خدمة العملاء. مدعية أن الذكاء الاصطناعي يتمكن من إنجاز 50% من مهام الشركة.
أيضا، خفضت شركة Klarna المتخصصة في التكنولوجيا المالية عدد موظفيها بنسبة 40%. بينما كشفت Duolingo خطتها لوقف تدريجيًا الاعتماد على العنصر البشري لصالح أنظمة الذكاء الاصطناعي.
من جهته، قال فابيان ستيفاني، أستاذ مساعد في معهد الإنترنت بجامعة أكسفورد في حديث لقناة CNBC “أنا متشكك جدًا في أن هذه التسريحات مرتبطة فعلاً بكفاءة الذكاء الاصطناعي. حيث تستخدم الشركات الذكاء الاصطناعي كمبرر لقرارات صعبة مثل خفض العمالة.”
آراء الخبراء
وأوضح ستيفاني أن بعض الشركات مثل Klarna وDuolingo قامت بتوظيف مفرط خلال جائحة كورونا. ومع ذلك تسعى لتصحيح هذا الوضع الآن. قال “بدلًا من الاعتراف بأنها أساءت التقدير قبل عامين، تفضل الشركات أن تقول: نحن نفعل ذلك بسبب الذكاء الاصطناعي.”
كما، قال جان-كريستوف بوجلي، مؤسس منصة Authentic.ly، ” إن تبني الذكاء الاصطناعي في الواقع أبطأ بكثير مما يتم الترويج له”.
أيضا، أشار إلى أن بعض الشركات الكبرى تتراجع عن مشاريع الذكاء الاصطناعي نظرا لتكاليف ومخاوف الأمن السيبراني. بينما تواصل في الوقت نفسه الإعلان عن تسريحات ضخمة تحت شعار التحول الرقمي.
كذلك، قالت الخبيرة المهنية جاسمين إسكاليرا “عندما تقول الشركات إنها تسرح العمال بسبب الذكاء الاصطناعي. فهي تزيد من حالة الذعر. حيث يشعر الموظفون بعدم الأمان لأن الشركات لا تكون شفافة بشأن كيفية استخدام التقنية فعلاً”.
من ناحية أخرى، شددت Salesforce على أن الأنظمة القائمة على الـAI ساهمت في إعادة هيكلة مئات الموظفين إلى أقسام أخرى بدلًا من تسريحهم.
كما أكدت Klarna أن خفض عدد موظفيها من 5500 إلى 3000 خلال عامين لم يكن بسبب الـAI فقط، بل يعود إلى إعادة هيكلة داخلية وتقلص فرق التحليل وخدمة العملاء.
كذلك، أفادت دراسات جديدة إلى أن تأثير الـAI على الوظائف لا يزال محدودًا.
وبحسب تقرير صادر عن The Budget Lab بجامعة ييل، لم تشهد سوق العمل الأمريكية اضطرابات واسعة منذ إطلاق ChatGPT في أواخر 2022.
أيضا، أكدت أبحاث الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك أن نسبة الشركات التي استخدمت الـAI لتسريح العمال لم تتعد 1% في عام 2025. ذلك مقابل 10% في 2024.
من ناحية أخرى، استخدمت 35% من الشركات أدوات الـAI لتدريب موظفيها. كما قامت 11% منها بتوظيف المزيد بفضله.
ويستكمل ستيفاني حديثه مشددًا على أن الخوف من الـAI ليس جديدًا “كل حقبة شهدت المخاوف نفسها، من الثورة الصناعية إلى عصر الإنترنت. لكن في كل مرة كانت التكنولوجيا تخلق وظائف جديدة وتزيد الإنتاجية بدلًا من القضاء على العمل البشري”.
الترويج لاستخدام الذكاء الاصطناعي
وعلى الرغم من الترويج إلى فكرة أن الـAI سيمنح الجميع أدوات متساوية ويوفر مساحة للإبداع، لكن الواقع يشير إلى العكس. حيث أصبحت القوة الحقيقية اليوم في يد مالكي مقرات الحوسبة العملاقة، فهم من يقررون أي النماذج تدرب، وأي الأفكار تستحق مليارات البيانات والمعالجات لتتحقق.
كذلك لم يعد الأمر مرتبط بالمال فقط، بل بـ البنية التحتية كأداة حكم وتحكم. حين تملك ثلاث أو أربع شركات فقط القدرة على تدريب النماذج العملاقة، حيث تضع حدودًا لما هو ممكن في عالم الـAI.
دور الحكومات في دعم استخدام الـAI
أدركت الحكومات أن السيادة الرقمية تتطلب سيطرة على موارد الحوسبة والطاقة.
كذلك، التزمت دول عديدة، بينها فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة، باستثمار مليارات الدولارات في بناء بنى تحتية سيادية للـ«AI». ذلك على هامش قمة باريس للذكاء الاصطناعي 2025.
علاوة على ذلك، أطلقت الولايات المتحدة الأمريكية مبادرات ضخمة لتعزيز إنتاج الرقائق محليًا. بينما تمضي الصين بخطى متسارعة نحو بناء محطات طاقة شمسية ورياح لتأمين الكهرباء الرخيصة اللازمة لتشغيل أنظمتها الذكية.
أيضا تمتلك قارة أوروبا أطر تنظيمية متقدمة، لكنها تفتقر إلى القدرات التشغيلية والطاقة الكافية للمنافسة. وبدون ذلك، تبقى السيادة في الـAI مجرد شعار.
وجدير بالذكر أن المفارقة الحقيقية في سباق الـAI قد لا يكونوا دول، بل الشركات، حيث تتجه السيطرة شيئًا فشيئًا نحو القطاع الخاص، لتتحول هذه الشركات إلى كيانات أقوى من الحكومات نفسها في رسم مسار المعرفة البشرية.
المقال الأصلي: من هنـا