باتت وسائل التواصل الاجتماعي جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية؛ إذ غزت بيوتنا وأصبحنا نقضي ساعات طويلة متصفحين منصات التواصل المختلفة. ونظرًا لتأثيرها الواسع على مختلف جوانب حياتنا، أصبح من الضروري التعمق في تحليل أثرها، سواء الإيجابي أو السلبي، لفهم كيفية التعامل معها بوعي واستخدامها بشكل أمثل.
واقعيًا، أدت وسائل التواصل الاجتماعي بمختلف أشكالها دورًا هامًا في ربط الناس ببعضهم البعض، خاصةً مع العائلة والأصدقاء الذين يعيشون بعيدًا. كما ساعدت على سهولة التواصل مع أشخاص جدد من مختلف أنحاء العالم، ما ساهم في تبادل الأفكار والخبرات والثقافات.
ولم يقتصر دورها على التواصل فقط، بل أصبحت منصة لنشر المعلومات والمعرفة؛ إذ يمكننا الوصول إلى كم هائل من البيانات والمعلومات في مختلف المجالات.
كما ساهمت في إتاحة الفرصة للعديد من الأشخاص للتعبير عن أنفسهم ومشاركة مواهبهم وإبداعاتهم مع العالم.
وعلى الرغم من فوائدها الكثيرة، إلا أن لوسائل التواصل الاجتماعي بعض الجوانب السلبية التي يجب التنبه لها، منها:
– تؤدي إلى الإدمان، ما يؤثر على سلوكياتنا وعلاقاتنا الاجتماعية الحقيقية.
– تسبب الشعور بالوحدة والعزلة، خاصة عند مقارنة حياتنا بحياة الآخرين على منصات التواصل التي غالبًا ما تظهر الجانب المثالي فقط.
– تستخدم وسائل التواصل الاجتماعي لنشر المعلومات المضللة والأخبار الكاذبة، ما يؤثر على آرائنا ومعتقداتنا.
– تعرضنا للتنمر الإلكتروني أو المضايقات، وهو ما قد يسبب لنا ضررًا نفسيًا كبيرًا.
وسائل التواصل الاجتماعي
تعد وسائل التواصل الاجتماعي ظاهرة اجتماعية حديثة ذات تأثير عميق على مختلف جوانب الحياة، وتغطي هذه المنصات، التي تتراوح من شبكات التواصل الاجتماعي إلى المنتديات النقاشية، نطاقًا واسعًا من الإمكانات، بدءًا من مشاركة المحتوى والتواصل مع العائلة والأصدقاء، وصولًا إلى الترويج للأعمال التجارية ونشر الأخبار.
وتشكل هذه المنصات جاذبية قوية لمختلف فئات المجتمع، من الأفراد في جميع الأعمار إلى الشركات الضخمة، فبالنسبة للكثيرين، تمثل مواقع التواصل الاجتماعي وسيلة فعّالة للتواصل مع أشخاص قد لا يتمكنون من رؤيتهم لولاها.
وتشير الدراسات في الولايات المتحدة إلى أن 39% من الناس لديهم صداقات مع أشخاص يتفاعلون معهم فقط عبر الإنترنت.
وتمثل هذه المنصات ذات أهمية خاصة لكبار السن؛ إذ تساهم في تعزيز شعورهم بالارتباط والرفاهية.
ومن المثير للاهتمام أنه، بالنسبة لكبار السن، لا يؤدي التواصل العائلي عبر المنصات الاجتماعية إلى زيادة السعادة، بينما يشير الشباب إلى أنّهم يشعرون بسعادة أكبر كلما زاد تفاعلهم مع أفراد الأسرة على هذه المنصات.
ويولي المراهقون اهتمامًا خاصًا للمنصات الاجتماعية؛ حيث يجدون فيها وسيلة فعالة لتعميق علاقاتهم وبناء شبكاتهم الاجتماعية، ومع ازدياد دور مواقع التواصل في المجتمع، يسعى العديد من الباحثين إلى فهم تأثيرها على سعادة الأفراد.
هل تزيدنا وسائل التواصل الاجتماعي سعادة؟
أثار هذا السؤال جدلًا واسعًا بين الباحثين، مع نتائج متباينة من الدراسات التي اتخذت مناهج مختلفة.
الدراسات الاستطلاعية
أظهرت دراسة استطلاعية أجريت عام 2023 وجود علاقة عكسية بين استخدام مواقع التواصل الاجتماعي وسعادة الفرد، فكلما زاد الوقت الذي يقضيه الفرد على هذه المنصات، انخفض شعوره بالرضا عن حياته.
وتناغمت دراسة أخرى مع هذه النتائج؛ إذ وجدت أن تقليل الوقت على وسائل التواصل الاجتماعي يرتبط بزيادة رضا الفرد عن عمله، وزيادة مشاركته وانخراطه في العمل، وتحسن صحته العقلية.
المقارنة الاجتماعية
كشفت العديد من الدراسات الأوروبية عن علاقة وثيقة بين استخدام المنصات الاجتماعية والشعور بالحسد والاكتئاب؛ إذ أظهرت النتائج أن المقارنة المستمرة بين الحياة الشخصية وحياة الآخرين المعروضة على المنصات الاجتماعية تولد مشاعر سلبية لدى الفرد.
ومع ذلك، تطرح بعض الأدلة وجهة نظر مختلفة؛ إذ تشير إلى أن الاكتئاب قد يكون السبب وراء هذه الظاهرة وليس نتيجتها، بمعنى آخر، الأشخاص الذين يعانون من الاكتئاب هم أكثر عرضة لمقارنة أنفسهم بالآخرين على منصات التواصل والشعور بالحسد والدونية.
تأثير تفاعل الفرد
وتشير الأبحاث الأوروبية إلى أن نمط تفاعل الفرد مع المنصات الاجتماعية يلعب دورًا محوريًا في تحديد تأثيرها على مستويات سعادته. فالأفراد الذين يتمتعون بالسيطرة على استخدامهم لهذه المنصات، بمعنى إدارتها بوعي واختيار المحتوى بشكل هادف، هم أكثر عرضة لجني الفوائد التي تقدمها مواقع التواصل، مع تجنب مخاطرها.
وبعبارة أخرى، لا تكمن المشكلة في طبيعة مواقع التواصل بحد ذاتها، بل في كيفية استخدامها. فالفرد الواعي والمتحكم بتفاعله مع هذه المنصات يمكنه توظيفها كأدوات إيجابية لتعزيز التواصل الاجتماعي، وتبادل المعرفة، واكتساب خبرات جديدة، دون السماح لها بالتأثير سلبًا على صحته النفسية أو شعوره بالرضا عن حياته.
وبالتالي، تصبح مسؤولية الحفاظ على السعادة في عصر مواقع التواصل الاجتماعي ملقاة على عاتق الفرد نفسه، من خلال اعتماده لاستراتيجيات واعية في كيفية تفاعله مع هذه المنصات.
عوامل تؤثر على السعادة لدى الشباب
كشفت مقابلات حديثة مع شباب تتراوح أعمارهم بين 15 و 24 عامًا عن ثلاثة عوامل رئيسية تؤثر على صحتهم العقلية في سياق استخدامهم لمنصات التواصل:
-
التواصل الاجتماعي
أظهرت المقابلات أن الشعور بالاتصال بالأصدقاء والعائلة عبر الإنترنت يعزز الصحة العقلية للشباب؛ إذ تتيح لهم هذه المنصات التواصل مع أحبائهم بشكل منتظم، ومشاركة اللحظات المهمة، والشعور بالدعم الاجتماعي.
-
نوع المحتوى
أشارت المقابلات إلى أن نوع المحتوى الذي يتفاعل معه الشباب على مواقع التواصل يلعب دورًا هامًا في التأثير على صحتهم العقلية. فالتفاعل مع المحتوى الإيجابي والملهم، مثل: قصص النجاح والتجارب المحفزة، يساهم في تحسين الصحة العقلية وتعزيز المشاعر الإيجابية.
بينما يعد التعرض للمحتوى السلبي، مثل: الأخبار السيئة والعنف والكراهية، ضارًا بالصحة العقلية، ويمكن أن يؤدي إلى مشاعر القلق والاكتئاب.
-
التعبير عن الذات
وأوضحت المقابلات أن استخدام منصات التواصل الاجتماعي كوسيلة للتعبير عن الذات يعزز الصحة العقلية للشباب؛ إذ تتيح لهم هذه المنصات مشاركة أفكارهم ومشاعرهم وتجاربهم مع الآخرين، والشعور بالتفهم والقبول، وذلك يساهم في تعزيز ثقتهم بأنفسهم وتحسين صورتهم الذاتية.
مفارقة السعادة
أظهرت الدراسات ما يعرف بـ “مفارقة السعادة” على المنصات الاجتماعية؛ حيث يعتقد معظم المستخدمين أن أصدقائهم على هذه المنصات أكثر سعادة منهم.
وتعود هذه المفارقة إلى خصائص شبكات الصداقة على مواقع التواصل؛ إذ تظهر الخوارزميات للمستخدم محتوى من أصدقائه الذين يبدون أكثر سعادة، بينما تخفي المحتوى السلبي.
تأثير الإنترنت على رفاهيتنا
وأفادت دراسة حديثة أجراها باحثون في جامعة “هارفارد” الأمريكية، أن استخدام الإنترنت بشكل عام، وليس فقط مواقع التواصل الاجتماعي، له تأثير على رفاهيتنا.
وقد ربطت الدراسة بين الاستخدام الكثيف للوسائط الرقمية واضطرابات النوم، وقلة التفاعل الاجتماعي المباشر، وانخفاض النشاط البدني، والمقارنة الاجتماعية، والتنمر الإلكتروني، وكلها عوامل تؤثر سلبًا على الصحة العقلية.
وتلعب خوارزميات التوصية في منصات التواصل الاجتماعي دورًا هامًا في تشكيل نظرتنا للعالم؛ حيث قد تدفعنا إلى استهلاك محتوى أحادي الجانب، مما يخلق صورة مشوهة للواقع.
ولكن، من المهم أن ندرك أن تأثير الإنترنت على مشاعرنا ليس سلبيًا بالضرورة. فالتفاعلات الإيجابية على مواقع التواصل الاجتماعي، مثل: مشاركة المنشورات السعيدة، تعد معدية وتساهم في نشر السعادة بين المستخدمين.
لذا، بدلًا من حذف حساباتنا على منصات التواصل الاجتماعي، ينصح بتبني نهج أكثر وعيًا باستهلاك المحتوى عبر الإنترنت. ويجب الحرص على تنويع مصادر المعلومات، ومشاركة المحتوى الإيجابي، والابتعاد عن المنصات التي تشعرك بالسلبية. وتذكر أن السعادة عبر الإنترنت تكمن في التحكم بما تستهلكه، لا في الهروب من العالم الرقمي تمامًا.