اللافت في مفهوم حوكمة الشركات أنه “زَلِق”، بمعنى أنه من الممكن استخدام المفهوم ذاته، ولكن من زاوية معينة، لإثبات وجهة نظرها والدفاع عنها؛ فأنصار نظرية السوق الحر يرون أن هذا المفهوم يعمل على تعظيم الربح للمساهمين وأصحاب المصلحة، وهو كذلك بالفعل.
والذين يدافعون عن المسؤولية الاجتماعية ويرون أنه من الواجب على الشركات الالتزام بها، يرون أن مفهوم حوكمة الشركات يساعد في تعزيز هذه المسؤولية، وأداء المؤسسات لأدوارها المنوطة بها، والمفهوم، أيضًا، يتيح هذه الرؤية.
إذًا، نحن أمام مفهوم يدعم وجهات النظر المتعارضة، لكن الأمر متروك في النهاية للطريقة التي تتعامل بها الشركة مع هذا المفهوم بصفته أداة قد تمكنها من الوصول إلى أهدافها المختلفة.
اقرأ أيضًا: أهم 5 مفاهيم عن المسؤولية الاجتماعية
تعريفات الحوكمة
هناك العديد من التعريفات لحوكمة الشركات بعضها يتعارض مع الآخر، لكن هذا منطقي من جهتين، الأولى تتعلق بطبيعة المفهوم ذاته، والثانية تتعلق بطبيعة المفاهيم ذاتها؛ فكل مفهوم، عند محاولة تحديده، غالبًا ما يطرح وجهة نظر المعرّفين له، وبالتالي لا غرابة إن كانت بعض التعريفات مختلفة عن بعضها الآخر.
وعلى أي حال، يُنظر إلى حوكمة الشركات باعتبارها مجموعة من القواعد والحوافز التي تهتدي بها إدارة الشركة لتعظيم أرباحها على المدى البعيد لصالح المساهمين. فيما يعرّفها آخرون بأنها مجموعة من الطرق، والتي يمكن من خلالها أن يتأكد المستثمرون من تحقيق ربحية معقولة لاستثماراتهم.
يتعلق مفهوم حوكمة الشركات إذًا بتمكين المؤسسات من تحقيق أهدافها، والسيطرة على المخاطر، وضمان الامتثال لمعاييرها ومبادئها.
وتتضمن الحوكمة الجيدة للشركات مجموعة من القواعد التي تحدد العلاقة بين أصحاب المصلحة والإدارة ومجلس إدارة الشركة والتأثير في كيفية عمل الشركة.
وفي الجهة الأخرى، يرى البعض أن حوكمة الشركات هي مدونة أخلاقية تحدد الطريقة المثلى لأداء كل مهمة من المهام الوظيفية داخل هذه المؤسسة أو تلك.
اقرأ أيضًا: أخلاقيات العمل.. الأهمية والأبعاد
موازنة الأهداف
إننا _إزاء هذا التجاذب النظري والمفاهيمي الشديد_ نكون مضطرين إلى اجتراح نوع من الموازنة بين الأهداف الفردية والمجتمعية، وكذلك الأهداف الاقتصادية والاجتماعية. أي أن نعمل على تحقيق أهداف الشركة وما تمثّله من سعي لتلبية رغبات المساهمين وأصحاب المصلحة، لكن، وفي الوقت ذاته، بشرط أن يتم ذلك بطرق أخلاقية وقانونية.
هذه الموازنة هي، في نظرنا، جوهر مفهوم حوكمة الشركات؛ إذ إنه من المطلوب مجتمعيًا واقتصاديًا أن تلبي الشركة أهدافها، وتحقق طموحاتها؛ لأن ذلك سينعكس إيجابيًا على المجتمع المحلي الذي تعمل فيه على الأقل.
ومن هذه الزاوية بالذات يمكن القول إن حوكمة الشركات تعمل على تعزيز كفاءة الشركة وبالتالي تساعد في نجاحها؛ طالما أن هناك قوانين وقواعد حاكمة لعمل الشركة وطرق أدائها.
اقرأ أيضًا: نماذج من واقع المسؤولية الاجتماعية للشركات
الكفاءة الداخلية للمؤسسات
وتضمن الحوكمة، في الوقت نفسه، «الكفاءة الداخلية» للمؤسسة، أي أنها تعمل على ضمان كون جميع الموظفين والمدراء يعزفون على اللحن نفسه الذي يعزف عليه أصحاب المسؤولية. إذًا؛ فمفهوم حوكمة الشركات، منظورًا إليه من وجهة النظر تلك، هو بمثابة إحداث تناغم بين كل العاملين في المؤسسة، والعمل على جعل كل المياه تصب في نهر واحد.
إن حوكمة الشركات، والحال كذلك، هي التفاعل بين مختلف المشاركين (المساهمين، مجلس الإدارة، وإدارة الشركة) في تشكيل أداء الشركة، والطريقة التي تسير بها نحوها. على أنه من الواجب أن تكون العلاقة بين المالكين والمديرين في المؤسسة صحية، ويجب ألا يكون هناك تعارض بين الاثنين؛ فمن الضروري أن يرى الملاك أن الأداء الفعلي للأفراد يسير وفقًا للأداء القياسي.
اقرأ أيضًا:
دمج المسؤولية الاجتماعية في نطاق الأعمال
التنمية الاقتصادية المستدامة.. فلسفة الحلول الوسط
المسؤولية الاجتماعية.. الملاذ الآمن لنجاحك وقت الأزمات