في ضوء التطورات الحالية التي تشهدها بيئات العمل الحديثة لم تعد الشهادات والخبرات التقنية هي المحددات الوحيدة للنجاح الوظيفي. بل أصبحت معايير التوظيف الجديدة تركز على العوامل السلوكية والوجدانية.
وإذا تقدّمت بطلب للحصول على وظيفة في شركة المشروبات الغازية Olipop فإن الرئيس التنفيذي والمؤسس المشارك بن غودوين لن يوافق على تعيينك ما لم يقتنع بشكلٍ راسخ بأنك متحمس وراغب بالفعل في إنجاز العمل الذي ستضطلع به.
ويعتبر غودوين أن نقص الدافع هو علامة خطر حمراء وواضحة في بيئة العمل السريعة والمبتكرة. وبالمقابل يرى أن درجة عالية من الشغف تعدّ من معايير التوظيف غير القابلة للتفاوض أو التنازل بالنسبة لموظفيه، كما أوضح في حديثه لموقع CNBC Make It بتاريخ 6 أكتوبر.
شعلة حقيقية والدافع الذاتي
أكد غودوين أهمية العامل النفسي في عملية الاختيار؛ حيث قال: “يجب أن يكون لديهم شعلة حقيقية في داخلهم”. مضيفًا أن الموظف المثالي ينبغي أن يكون مدفوعًا بالحماس والدافع الذاتي. وليس مجرد رغبة في الحصول على راتب شهري. هذا التركيز على الجانب الوجداني يعكس تحولًا في فهم قيمة الموظف.
بينما يؤكد أن الشغف بالعمل له تأثير متسلسل يمتد إلى جودة الأداء؛ فكلما استمتعتَ أكثر بما تفعله واهتممتَ به أصبحتَ بالضرورة أكثر حرصًا على حماية رسالة شركتك وأهدافها الإستراتيجية.
كما أن هذا الشغف يدفع الموظف لاكتساب معايير التوظيف الجديدة من خلال التعلم والتطوّر المستمر في عمله. وهو ما يصبّ في مصلحة كلٍ من الموظف وصاحب العمل على حدٍ سواء.
تغليب الشغف على الكفاءة التقنية
يذهب غودوين إلى ما هو أبعد من مجرد أهمية الشغف؛ حيث يفضله على المهارات الصلبة في كثير من الأحيان. وقال: “بين الشغف والكفاءة التقنية، الشغف هو الفائز دائمًا”. مضيفًا قاعدة راسخة: “إذا كان لديك قدر كافٍ من الشغف الحقيقي، فغالبًا تكتسب الكفاءة المطلوبة مع الوقت والتدريب المناسب”.
ومع ذلك حذّر من أن هذا الشغف يجب ألا يتغلب على القدرة الجوهرية على التعاون الفعّال مع الآخرين. موضحًا أن من معايير التوظيف غير القابلة للتنازل أيضًا في شركته: “لا يمكننا توظيف أشخاص يتجاوز تضخّم غرورهم أهمية مهمة الفريق الجماعية”.
نقص التعاطف كـ”سُمية خفية”
من جانبه يرى بيل فيلبس؛ الرئيس التنفيذي لشركة Dave’s Hot Chicken والرئيس التنفيذي السابق لشركة Wetzel’s Pretzels، أن التعامل مع الأشخاص السامين والمؤثرين سلبًا أمر غير قابل للتسوية نهائيًا. وبالنسبة له فإن الحفاظ على ثقافة عمل صحية يتقدم على أي كفاءة فردية.
ويعرّف فيلبس العامل السام بأنه شخص يفتقر إلى صفات إنسانية أساسية مثل: التعاطف والكرم. مشيرًا إلى أن سلبيته تكون “معدية” وقد تنتقل سريعًا إلى الموظفين الآخرين؛ ما يدمر الروح المعنوية. وعلى العكس فإن الموظفين غير الأنانيين غالبًا ما يبنون علاقات مهنية أقوى.
الكرم يعود بالربح والقيادة بالقدوة
تظهر الأبحاث أن الموظفين غير الأنانيين يكونون أكثر عرضة للترقية من زملائهم الأنانيين. وهو ما يؤدي على المدى الطويل إلى ارتفاع الدخل. وهذا يرسخ مفهومًا جديدًا مفاده أن الكرم والسلوك الإيجابي استثمار يعود بالربح المادي.
وقال فيلبس مؤكدًا هذا المبدأ: “حين تكون كريمًا إلى درجة استثنائية فإن كل ذلك يعود إليك في النهاية”. مضيفًا: “وهذا هو الدرس الأكبر.. الكرم لا يسحب المال من جيبك، بل يضع فيه المزيد”.
الحفاظ على الثقافة كضرورة قصوى
وأشار فيلبس إلى أنه لا يتردد أبدًا في إنهاء خدمة أي موظف لا يعمل بروح الفريق. أو يضرّ بالمعنويات العامة للشركة بشكل متعمد أو غير مقصود. ويظهر ذلك التزامًا لا يتزعزع بحماية بيئة العمل الإيجابية.
وقال معلقًا على قرارات الفصل: “لا أشعر بالفخر عندما أضطر إلى فصل أحد، لكنني أشعر بالفخر عندما أمتلك ثقافة عمل مميزة وفعالة”.
وأضاف بوضوح: “يجب عليك أن تؤدي كل ما هو ضروري للحفاظ على تلك الثقافة المذهلة”. معتبرًا أن ثقافة الشركة هي الأصل الأثمن الذي يجب حمايته.
الأنا المتضخمة كـ”ناقوس خطر”
بطريقة مشابهة تعتبر مونيكا سيباك؛ الرئيسة التنفيذية لشركة Wisp، أن الموظفين ذوي الأنا المتضخمة يشكّلون مشكلة حقيقية و”ناقوس خطر”. فإذا حاول شخص إظهار أنه قادر على حلّ جميع التحديات بمفرده تبدأ إشارات الخطر بالظهور لديه، كما أوضحت في تصريح لها خلال أبريل الماضي.
ولتفادي توظيف مثل هؤلاء الأشخاص منذ البداية تطرح مونيكا سؤالًا محددًا ومحوريًا أثناء مقابلات العمل، وهو: “ما هو أصعب تحدٍ واجهته في عملك، وكيف توصّلت إلى حله؟”.
جوهر النجاح في التعاون
وإذا أجاب المرشح قائلًا: “أنا فعلت كل شيء بنفسي.. أنا، أنا، أنا”، فإن ذلك علامة مؤكدة على أنه لا يمكنه العمل بشكل فعّال في بيئة تعتمد على الفريق، كما تقول مونيكا. وبالنسبة لها فإن هذا التمركز حول الذات يتعارض مع جوهر النجاح المؤسسي.
وأضافت: “في نهاية المطاف نحن فريق، والقدرة على حل المشكلات بالتعاون مع الآخرين هي جوهر النجاح والاستدامة”. وأوضحت أن أفضل المرشحين هم أولئك الذين تتسم إجاباتهم بالطابع التعاوني.
إعادة تقييم الأولوية
تؤكد رؤى هؤلاء الرؤساء التنفيذيين أن المهارات الشخصية مثل: الشغف والتعاطف والعمل الجماعي تتقدم على الكفاءة التقنية البحتة في التقييم الأولي للمرشحين.
وهذا التحول في الأولوية يرسخ جيلًا جديدًا من معايير التوظيف، يضع الثقافة والأخلاق والسلوك الإيجابي في قلب عملية بناء الفرق الناجحة.




