لا شك أن الحديث عن مسؤولية رفع الضرر من صميم المسؤولية الاجتماعية بوجه عام، شريطة أن نفهم أن هذه الأخيرة (المسؤولية الاجتماعية) ليست مقتصرة على جلب النفع فحسب، وإنما تتعدى ذلك إلى رفع الضرر أيضًا.
فلنتصور أن الشركة “X” تسببت بوعي منها أو بدونه في إحداث أضرار جسمية، سواءً على المجتمع الذي تعمل فيه ككل، أو على بعض أفراده، ففي هذه الحالة يجب أن تأتي مسؤولية رفع الضرر، وأن تأخذ إصلاح الأمور على عاتقها.
ومن المعلوم، شرعًا وعقلًا وقانونًا، أن «دفع الضرر مقدم على جلب النفع»، وأن «درأ المفاسد مقدم على جلب المصالح»؛ لذا فإن مسؤولية رفع الضرر أسبق وأكثر تأكيدًا من مسألة جلب المصالح.
فما جدوى أن تقدم منافع وخدمات لمجتمع أفراده غارقون في أشد المعضلات تعقيدًا، إن الإصلاح يبدأ حين نلغي الضرر ثم نبدأ في البناء على أرضية سليمة.
اقرأ أيضًا: المسؤولية الاجتماعية للشركات والقضاء على التدخين
حالات وأضرار
على أن القارئ يجب أن يعلم أن الحديث عن مسؤولية رفع الضرر ليس من بنات أفكارنا، ولا هو محض ادعاء نلقيه جزافًا، وإنما هناك شركات قد تسببت بالفعل في إحداث أضرار اجتماعية واقتصادية جسيمة في المجتمعات التي تعمل فيها.
فشركة كوكا كولا، على سبيل المثال، تعرضت لانتقادات واسعة بسبب الإفراط في استغلال موارد المياه وتلويثها في الهند، كما كان لدى شركات Apple وCanon وWalmart معضلات في هذه المسألة، واحتلت قضايا المسؤولية الاجتماعية للشركات جزءًا من تفكيرها واهتمامها.
وقد اُتهمت “وول مارت”، هي الأخرى، باستخدام الأطفال في بنجلاديش، وواجهت اتهامات بالتمييز بين الجنسين.
وفي عام 2010م أبلغت وسائل الإعلام عن حالات انتحار في شركة Foxconn، أحد أكبر موردي شركة Apple. وعلى الرغم من أن Canon لم تذكر أي مشاكل متعلقة بالضغط على الموظفين في مصانعها، إلا أن ثمة وقائع تؤكد ذلك.
إذًا ومن دون الإفراط في سرد الأمثلة فإن هناك بعض الشركات التي تتورط، بقصد أو بدونه، في إحداث أضرار في المجتمعات التي تعمل فيها، ومسؤولية رفع الضرر واقعة عليها قبل غيرها، «فمن أتلف شيئًا عليه إصلاحه».
اقرأ أيضًا: سوفيناس.. ومبادرات المسؤولية الاجتماعية
وعي أخلاقي أم ضغط قانوني؟
لكن يجب أن نسأل عن الأسباب التي تدفع الشركات إلى النهوض بواجبات ومقتضيات مسؤولية رفع الضرر؟ لا شك أن الوعي الأخلاقي، أو ما يمكن تسميته «اليقظة الأخلاقية والقيمية» قد تكون موجودة، وربما تكون أحد الدوافع الكامنة وراء نهوض الشركات بمسؤولية رفع الضرر تلك.
لكن هل يمكن الاتكاء عليها وحدها؟ أو هل يمكننا الانتظار حتى تعي الشركة حدود مسؤولياتها الأخلاقية والقانونية وتعمل على إصلاح ما أفسدتها يداها؟
الحق أن ذلك غير منطقي، لا سيما أن الإطالة في المدة والتلكؤ في عدم القيام بمقتضيات مسؤولية رفع الضرر يعنيان تفاقم الأذى، ولحوقه بأشخاص لم يطلهم من قبل.
ما الحل إذًا؟ لا سبيل سوى الضغط القانوني، ونحن ننظر إلى القانون هنا باعتباره عنصر ضغط خارجي، وهو العنصر الوحيد الذي نملكه، فالمسائل المتعلقة بالالتزام الأخلاقي والوعي القيمي ليست في أيدينا من جهة، كما أن الاشتغال على مسار التوعية الأخلاقية يعني وقتًا طويلًا، وهو ذاك الذي يؤدي إلى تفاقم الأذى وارتفاع حدة الأضرار الاجتماعية والاقتصادية.
اقرأ أيضًا: برنامج أجيال الفضاء.. الريادة في السماء
سمعة الشركة في خطر
إن مسؤولية رفع الضرر التي نتولى الحديث عنها الآن قد تكون أحد العوامل الرافعة أو الماحقة لسمعة الشركة؛ فتصور مثلًا أن الشركة X واجهت قضايا أمام المحاكم تتهمها بالتمييز العنصري، أو إساءة استخدام الأطفال.. إلخ، ولم تحرك ساكنًا ولم تقم بأي فعل يشير إلى رغبتها في الإصلاح، فهل تتوقع أن تستمر الأمور لديها على نحو ما يرام؟ الجواب بالنفي طبعًا.
أما إذا تولت هذه الشركة بالذات مسؤولية رفع الضرر، وحاولت الإصلاح ورفع الأضرار جاهدة، وقدمت قبل ذلك اعتذارها عما اقترفته يداها، فالمؤكد أن المجتمع قد يغفر لها طالما لمس منها الصدق والرغبة الجادة في الإصلاح.
اقرأ أيضًا:
المسؤولية الاجتماعية للمدراء.. سلاح ذو حدين
تكييف الشركات الناشئة مع أهداف التنمية المستدامة
استخدام التقنية في العمل الخيري.. الطريقة الأكثر ذكاء