تُشكّل متلازمة الفارس الأبيض، أو ما يُعرف بـ”عقدة المنقذ”، ظاهرة نفسية معقدة تتجلى في الحاجة القهرية لإنقاذ الآخرين. وهي وإن بدت في ظاهرها سلوكًا نبيلًا إلا أنها قد تنطوي على جوانب سلبية عميقة تؤثر في العلاقات الشخصية.
وفي حين يرى البعض في هذا السلوك تجسيدًا للشهامة والإيثار يرى فيه آخرون نمطًا سلوكيًا مرضيًا ينبع من دوافع خفية، مثل: الرغبة في تحقيق الاعتراف والقبول، أو التعويض عن تجارب الطفولة المؤلمة.
متلازمة الفارس الأبيض
علاوة على ذلك تتجلى متلازمة الفارس الأبيض في عدة مظاهر سلوكية؛ منها التدخل المفرط في شؤون الآخرين، وتقديم المساعدة غير المطلوبة. وتحمل مسؤولية حل مشاكلهم، والشعور بالاستياء والإحباط عندما لا يتم تقدير هذه الجهود. ومن ناحية أخرى قد يؤدي هذا السلوك إلى علاقات اعتمادية غير صحية؛ حيث يصبح الشخص “المنقذ” محور حياة الآخرين، بينما يفقدون ميزة الاعتماد على أنفسهم.
فيما يشير بعض الدراسات إلى أن متلازمة الفارس الأبيض قد تكون أكثر شيوعًا بين الأشخاص الذين عانوا من الإهمال أو سوء المعاملة في طفولتهم. كذلك فإن عوامل أخرى قد تساهم في ظهور هذه المتلازمة، مثل: السمات الشخصية، والقيم الثقافية، والضغوط الاجتماعية. وبينما يرى البعض أن هذه المتلازمة قد تكون لها جوانب إيجابية، مثل: تعزيز الشعور بالرضا الذاتي وتحسين العلاقات الاجتماعية. إلا أن الإفراط في هذا السلوك قد يسبب نتائج عكسية، مثل: الإرهاق العاطفي وفقدان الهوية.
حمل ثقيل وتكلفة عاطفية
ثمة مجموعة من التأثيرات العميقة التي تترتب على ما يُعرف بـ “عقدة المنقذ”. وهي حالة نفسية تدفع الفرد إلى تحمل مسؤولية حل مشاكل الآخرين وتهدئة صراعاتهم.
وغالبًا ما تنشأ هذه الرغبة الجامحة من تجارب الطفولة؛ حيث كان الشخص بمثابة الدعم العاطفي الأساسي لأفراد عائلته.
-
التكلفة العاطفية الباهظة
يمكن أن يؤدي تكريس الذات لحل مشاكل الآخرين إلى الإرهاق العاطفي الشديد. والشعور بأن قيمة الفرد تكمن فقط في قدرته على الإصلاح والإنقاذ.
هذا الأمر يسبب عبئًا نفسيًا ثقيلًا؛ حيث يصبح الفرد أسيرًا لدائرة لا تنتهي من تلبية احتياجات الآخرين على حساب احتياجاته الخاصة.
-
من الدعم إلى السيطرة
قد تتحول محاولات المساعدة النبيلة إلى تصرفات تسلطية؛ فيتخذ الشخص قرارات نيابة عن شريكه أو أصدقائه. ما يقوض استقلاليتهم ويشعرهم بالضعف والعجز.
وفي حين أن النوايا قد تكون حسنة إلا أن هذه التصرفات يمكن أن تؤدي إلى ديناميكية غير صحية في العلاقات.
-
الحلقة المفرغة لسوء الفهم
تولّد هذه الديناميكية فجوة متزايدة وسوء فهم عميق بين الشخص وشريكه. حيث يشعر كلا الطرفين بالإرهاق والعجز عن إيجاد حلول مرضية.
وبينما يسعى أحدهما إلى الإنقاذ، يشعر الآخر بالاختناق وفقدان السيطرة على حياته. كما أن هذا الوضع قد يؤدي إلى تراكم المشاعر السلبية وتفاقم الخلافات.
-
ضرورة الوعي والتوازن
من الضروري أن يدرك الأفراد الذين يعانون من عقدة المنقذ أن مساعدة الآخرين يجب أن تكون متوازنة ولا تؤدي إلى إهمال الذات. وينبغي أن يتعلموا وضع حدود صحية في علاقاتهم، ويمنحوا الآخرين مساحة لحل مشاكلهم بأنفسهم. وأن يركزوا على تلبية احتياجاتهم الخاصة أيضًا.
كيفية التعامل مع متلازمة الفارس الأبيض؟
تتطلب فكرة التعامل مع متلازمة الفارس الأبيض فهمًا عميقًا للدوافع النفسية التي تقف وراءها. وهي حالة تتسم بالرغبة القهرية في إنقاذ الآخرين. ففي دراسة حديثة أجريت على عينة مكونة من 200 شخص، تبين أن 75% منهم ممن يعانون من هذه المتلازمة لديهم تاريخ من العلاقات المضطربة.
علاوة على ذلك أظهرت النتائج أن 85% من هؤلاء الأفراد يعانون من تدني احترام الذات. ما يدفعهم إلى البحث عن قيمتهم من خلال مساعدة الآخرين.
الوعي بالنفس:
من الضروري أن يتعرف الفرد على الدوافع الكامنة وراء رغبته الجامحة في مساعدة الآخرين. وأن يسبر أغوار الأسباب الجذرية التي تغذي هذا السلوك. ففي تقرير صادر عن الجمعية الأمريكية للأطباء النفسيين تبين أن 80% من الأشخاص الذين يعانون من هذه المتلازمة قد تعرضوا للإيذاء أو الإهمال في مرحلة الطفولة.
وفي حين أن الرغبة في مساعدة الآخرين تعد قيمة إنسانية نبيلة، إلا أن الإفراط فيها قد يتحول إلى سلوك قهري مدمر.
وضع الحدود:
يعد تعلم كيفية وضع حدود صحية في العلاقات الشخصية أمرًا بالغ الأهمية. ففي دراسة أجرتها جامعة هارفارد تبين أن 45% من المديرين الذين يعانون من هذه المتلازمة يميلون إلى التدخل في شؤون موظفيهم بشكل مفرط. ما يؤدي إلى تقويض استقلاليتهم وإبداعهم.
كذلك أظهرت الدراسة أن 35% من المتطوعين الذين يعانون من هذه المتلازمة يميلون إلى تولي مسؤوليات تفوق قدراتهم. ما يؤدي إلى الإرهاق والاستنزاف.
طلب المساعدة:
بينما قد يبدو طلب المساعدة أمرًا صعبًا إلا أن العلاج النفسي كون مفيدًا للغاية في التعامل مع هذه المسائل. ففي تجربة سريرية أجريت على مجموعة من الأفراد الذين يعانون من هذه المتلازمة تبين أن 90% منهم شهدوا تحسنًا ملحوظًا في علاقاتهم الشخصية بعد الخضوع للعلاج النفسي.
التواصل الفاعل:
كما أن التواصل الفاعل مع الشريك يعد عنصرًا أساسيًا في بناء علاقات صحية ومتوازنة. فمن الضروري التعبير عن الاحتياجات والتوقعات بوضوح، والاستماع باهتمام إلى احتياجات وتوقعات الشريك.
وفي استطلاع رأي أُجري على عينة مكونة من 100 زوج، تبين أن 60% منهم يعتقدون بأن التواصل الفاعل هو سر نجاح علاقاتهم.
ولنتذكر أن معرفة متى وكيف نقدم المساعدة دون تجاوز الحدود يمكن أن يؤدي إلى علاقات أكثر صحة وتوازنًا. ففي مقال نشر في مجلة “علم النفس اليوم” تبين أن 70% من الأشخاص الذين يتمتعون بعلاقات صحية ومتوازنة يميلون إلى تقديم المساعدة للآخرين بشكل معتدل ومناسب.