يُشكل مؤشر الاستدامة أداة أساسية لتقييم مدى التزام الشركات بمعايير البيئة، والمجتمع، والحوكمة. كما يعد هذا المؤشر معيارًا لتحديد مدى التأثير الإيجابي للشركات على المجتمع والبيئة من ناحية، وتحسين نظم الحوكمة من ناحية أخرى. وفي خضمّ ذلك، أظهرت دراسة حديثة أجراها باحثون في جامعة “ستانفورد” لعام 2022، أن الشركات التي تلتزم بمؤشرات الاستدامة تحقق أداءً ماليًا أفضل بنسبة تتراوح بين 15% إلى 20% مقارنةً بالشركات التي لا تهتم بهذه المؤشرات.
أضف إلى ذلك أن مؤشر الاستدامة يؤدي دورًا محوريًا في توجيه الاستثمارات نحو الشركات الأكثر التزامًا بالمعايير البيئية والاجتماعية. فبحسب دراسة حديثة من جامعة “هارفارد” فإن 65% من المستثمرين في أوروبا يفضلون توجيه استثماراتهم نحو الشركات التي تتصدر مؤشرات الاستدامة. وذلك لأسباب تتعلق بتقليل المخاطر المالية المرتبطة بأزمات التغير المناخي والقضايا الاجتماعية. كما أن هذه الاستثمارات تعزز من فرص الشركات في الحصول على الدعم الحكومي والسياسات التفضيلية.
مؤشر الاستدامة
علاوة على ما فات، يعد مؤشر الاستدامة أداة فعالة لتحسين أداء الشركات داخليًا من خلال تقليل استهلاك الموارد الطبيعية وتخفيض الانبعاثات الكربونية. كما أن 70% من الشركات التي تبنت استراتيجيات مستدامة سجلت انخفاضًا بنسبة 25% في انبعاثات الكربون خلال السنوات الخمس الأخيرة، وفقًا لدراسة أجراها باحثون في جامعة “أكسفورد” في عام 2023. هذه الإجراءات لا تقتصر فقط على الفوائد البيئية، بل تسهم أيضًا في تقليل التكاليف التشغيلية وزيادة الكفاءة في استخدام الموارد. ما يجعل الشركات أكثر تنافسية في السوق.
كما أن مؤشر الاستدامة له أثر كبير على القوى العاملة داخل الشركات؛ حيث يزداد ولاء الموظفين ورضاهم الوظيفي عندما يشعرون بأن مؤسساتهم تلتزم بمبادئ الاستدامة.
وفي هذا السياق، أشارت دراسة أوروبية حديثة إلى أن 80% من الموظفين يفضلون العمل لدى الشركات التي تعتمد معايير الاستدامة؛ حيث يشعرون بأهمية دورهم في دعم قضايا البيئة والمجتمع. بينما تعد هذه الاستراتيجية عاملًا مهمًا في جذب المواهب الشابة التي تولي اهتمامًا أكبر للبيئة والمسؤولية الاجتماعية.
مفهوم الاستدامة
تعرَف الاستدامة في جوهرها بأنها نهج شامل يهدف إلى تحقيق التوازن بين الاحتياجات الحالية للأجيال الحاضرة والحفاظ على قدرة الأجيال القادمة على تلبية احتياجاتها. فهي فلسفة تتجاوز مجرد الحفاظ على البيئة لتشمل أبعادًا اجتماعية واقتصادية متشابكة. ويرتكز مفهوم الاستدامة على مبدأ أساسي هو التقليل من استهلاك الموارد الطبيعية غير المتجددة. والحد من التلوث، وتحسين كفاءة استخدام الطاقة، بهدف ضمان استمرارية الحياة على كوكب الأرض للأجيال القادمة.
في الأساس، تتعدّد جوانب الاستدامة لتشمل مجالات حياتنا اليومية. ففي المجال البيئي، تسعى الاستدامة إلى حماية النظم البيئية، والحد من انبعاثات الغازات الدفيئة، وتعزيز الزراعة المستدامة وإدارة النفايات بشكلٍ فعّال. أما في المجال الاجتماعي، فتساهم الاستدامة في تحقيق العدالة الاجتماعية، والقضاء على الفقر، وتحسين جودة الحياة للمجتمعات المحلية، وتعزيز التعاون والتضامن بين الأفراد. وعلى الصعيد الاقتصادي، تهدف الاستدامة إلى بناء اقتصادات مستدامة تعتمد على الموارد المتجددة، وتشجع الابتكار والريادة في مجال التقنيات النظيفة، وتضمن توزيعًا عادلًا للثروة.
وبالطبع، يتطلب تطبيق مفهوم الاستدامة تضافر جهود جميع أفراد المجتمع، من الحكومات والشركات إلى المؤسسات والأفراد. فمن خلال تبني ممارسات مستدامة في حياتنا اليومية، كترشيد استهلاك الطاقة والمياه، واختيار المنتجات الصديقة للبيئة، ودعم المشاريع المستدامة، يمكننا المساهمة في بناء مستقبل أفضل للأجيال القادمة. كما أن الاستدامة تمثل فرصة هائلة لتحقيق نمو اقتصادي مستدام وخلق فرص عمل جديدة في قطاعات الطاقة المتجددة والزراعة المستدامة وإدارة النفايات.
ما هو مؤشر الاستدامة ESG؟
يقيس مؤشر الاستدامة البيئية والاجتماعية والحوكمة (ESG) مدى التزام الشركات بمجموعة من المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة. والتي تعد مؤشرات حيوية لأداء الشركة على المدى الطويل واستدامتها. ويتضمن المؤشر مجموعة واسعة من العوامل، بدءًا من الأداء البيئي للشركة. مثل: انبعاثات الكربون واستخدام الطاقة والمياه، وصولًا إلى ممارساتها الاجتماعية. مثل: حقوق العمال والتنوع والمساواة، وانتهاءً بمعايير الحوكمة، مثل الشفافية وإدارة المخاطر والمساءلة.
ويهدف مؤشر الاستدامة ESG إلى توفير رؤية شاملة لأداء الشركة من منظور مستدام. ما يساعد المستثمرين على اتخاذ قرارات استثمارية أكثر استنارة. فبات من الواضح أن الشركات التي تولي اهتمامًا كبيرًا بمعايير ESG تكون أكثر قدرة على إدارة المخاطر وتحقيق عوائد مستدامة على المدى الطويل. كما أن هذه المؤشرات تساعد في توجيه الشركات نحو تبني ممارسات أكثر استدامة. ما يساهم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة على مستوى العالم.
ولا يقتصر دور مؤشر ESG على المستثمرين فقط، بل يمتد إلى مختلف أصحاب المصلحة، بما في ذلك الموظفين والعملاء والمجتمعات المحلية. فالشركات التي تحظى بتقييم عالٍ على مؤشر ESG تجذب المواهب المتميزة، وتبني علاقات قوية مع العملاء، وتساهم في تطوير المجتمعات التي تعمل بها. وبالتالي، فإن مؤشر ESG يمثل أداة قوية لقياس الأداء الشامل للشركات وتقييم تأثيرها على المجتمع والبيئة.
المكونات الرئيسية لـ ESG
لطالما شكّل الأداء البيئي والاجتماعي والحوكمة (ESG) محور اهتمام المستثمرين والمنظمات والمجتمعات على حد سواء. فمع تزايد الوعي بأهمية الاستدامة والتأثير الاجتماعي للشركات، باتت معايير ESG بمثابة خارطة طريق لتقييم أداء الكيانات الاقتصادية وتحديد مدى التزامها بمبادئ المسؤولية المجتمعية.
1. البيئة
يشكل البعد البيئي ركيزة أساسية في إطار ESG. فهو يقيس مدى تأثير الشركة على البيئة من خلال مجموعة من المؤشرات الحيوية. مثل: انبعاثات الكربون، وإدارة النفايات، واستهلاك المياه، وكفاءة الطاقة. وتسعى الشركات التي تولي أهمية كبيرة لهذا البعد إلى تقليل بصمتها البيئية، والانتقال نحو ممارسات إنتاج أكثر استدامة، والمساهمة في مكافحة تغير المناخ.
2. البعد الاجتماعي
يتعدى البعد الاجتماعي حدود الشركة ليصل إلى المجتمعات التي تعمل فيها. فهو يهتم بكيفية إدارة الشركة لعلاقاتها مع الموظفين والموردين والعملاء، ومدى التزامها بحقوق الإنسان، ودعمها للمجتمعات المحلية. ويشمل هذا البعد أيضًا معايير مثل: ظروف العمل، وتنوع القوى العاملة، ومسؤولية المنتج، ورضا العملاء.
3. الحوكمة
أما البعد الثالث والأخير في إطار ESG فهو الحوكمة. وهو يركز على الهيكل التنظيمي للشركة وآليات اتخاذ القرار فيها، ومدى شفافيتها ومساءلتها. ويشمل هذا البعد معايير مثل: تركيبة مجلس الإدارة، ونظام المكافآت، وحقوق المساهمين، والامتثال للقوانين واللوائح. علاوة على ذلك، تحرص الشركات التي تتمتع بحوكمة قوية إلى بناء ثقافة مؤسسية قوية تقوم على الشفافية والنزاهة. ما يعزز ثقة المستثمرين والجمهور.
أفضل مؤشرات ESG للصناعات
ثمة تحول ملحوظ يشهدّه عالم الاستثمار؛ حيث يتجاوز المستثمرون التقليدية إلى تبني معايير بيئية واجتماعية وحوكمة (ESG) كمعيار أساسي في اتخاذ قراراتهم الاستثمارية. وفي هذا السياق، تبرز مجموعة من المؤشرات المتخصصة التي تسعى لقياس أداء الشركات من منظور الاستدامة. وتزويد المستثمرين بمعلومات دقيقة تساعدهم على اتخاذ قرارات استثمارية مستنيرة.
-
مؤشر MSCI ESG
من ناحية أخرى، يعد مؤشر MSCI ESG واحدًا من أبرز المؤشرات العالمية التي تقيس أداء الشركات وفقًا لمعايير ESG. ويعتمد هذا المؤشر على منهجية تقييم شاملة تغطي مجموعة واسعة من العوامل البيئية والاجتماعية والحوكمة، بدءًا من انبعاثات الكربون وانتهاءً بممارسات حقوق الإنسان. وبفضل شهرته الواسعة، يستخدم مؤشر MSCI ESG على نطاق واسع من قبل المستثمرين المؤسساتيين والأفراد الذين يرغبون في دمج عوامل ESG في استثماراتهم.
-
مؤشر داو جونز للاستدامة
لا يقل مؤشر داو جونز للاستدامة (DJSI) أهمية عن مؤشر MSCI ESG. فهو يركز على تحديد الشركات الرائدة في مجال الاستدامة. والتي تتميز بأدائها المتميز في المجالات الاقتصادية والبيئية والاجتماعية. ويعد هذا المؤشر بمثابة معيار عالمي للتميز في مجال الاستدامة. ويستخدمه المستثمرون الذين يبحثون عن شركات ذات رؤية مستقبلية و ملتزمة بالممارسات المستدامة.
-
سلسلة مؤشرات FTSE4Good
تقدم سلسلة مؤشرات FTSE4Good مجموعة متنوعة من المؤشرات التي تغطي مختلف أسواق العالم وقطاعات الاقتصاد. وتم تصميم هذه المؤشرات لقياس أداء الشركات التي تظهر ممارسات ESG قوية. علاوة على ذلك، تساعد المستثمرين على بناء محافظ استثمارية متوافقة مع معايير الاستدامة العالمية المعترف بها.
أهمية مؤشرات ESG للمستثمرين
كما تكتسب مؤشرات ESG أهمية متزايدة في عالم الاستثمار لأسباب عدة، منها:
- تقييم المخاطر: تساعد مؤشرات ESG المستثمرين على تقييم المخاطر البيئية والاجتماعية والحوكمة المرتبطة بالشركات. ما يمكنهم من اتخاذ قرارات استثمارية أكثر حكمة.
- فرص الاستثمار: تشير الدراسات إلى أن الشركات التي تتمتع بأداء ESG قوي تميل إلى تحقيق عوائد أفضل على المدى الطويل. وهو ما يجعلها فرصًا استثمارية جذابة.
- التوافق مع الأهداف الاستثمارية: يمكن للمستثمرين استخدام مؤشرات ESG لضمان أن محافظهم الاستثمارية تتوافق مع أهدافهم الاستثمارية على المدى الطويل. سواء كانت تلك الأهداف مالية أو بيئية أو اجتماعية.
- الشفافية والمساءلة: تساهم مؤشرات ESG في تعزيز الشفافية والمساءلة لدى جميع الشركات. وهو ما يدفعها في الأساس إلى تبني ممارسات أكثر استدامة.
في النهاية، يتضح لنا أن مؤشر الاستدامة البيئية والاجتماعية والحوكمة (ESG) قد تجاوز كونه مجرد أداة قياس لأداء الشركات. ليصبح قوة دافعة نحو تحول شامل في عالم الأعمال والمال والاستثمار. فمن خلال تقييم أداء الشركات في مجالات البيئة والمجتمع والحوكمة، يساهم مؤشر ESG في توجيه الاستثمارات نحو مشاريع مستدامة. في حين يعمل على تعزيز الشفافية والمساءلة لدى الشركات، ودعم الانتقال نحو اقتصاد أخضر وأكثر عدالة.