أعاد مفهوم “التوأمة الرقمية” في عالم التكنولوجيا المتغير باستمرار تشكيل الصناعات بهدوء وعمق، الذي تم طرحه في الأصل كفكرة مستقبلية بعيدة النظر.
ومع ذلك؛ نما هذا المفهوم ليتحول من مجرد مفهوم نظري إلى تطبيق عملي في العالم الحقيقي. وهو ما أدى لإحداث ثورة بمختلف القطاعات.
وحتى نستكمل رحلتنا سويًا عبر السطور التالية علينا أن نسلط الضوء أكثر لنتعرف على مفهوم “التوأمة الرقمية”. الذي يعني ببساطة تمثيل افتراضي أو نظير رقمي لشيء مادي، أو نظام، أو عملية. بحيث يتم جمع البيانات في الوقت الفعلي من أجهزة الاستشعار والأجهزة والمصادر الأخرى ودمجها لتكرار الكيان المادي في بيئة رقمية.
دور الذكاء الاصطناعي في التوأمة الرقمية
يعمل الذكاء الاصطناعي في الوقت الراهن على إحداث ثورة في “التوأمة الرقمية” من خلال تحسين عمليات جمع البيانات ودمجها. وفتح إمكانيات جديدة للصناعات بدءًا من مرحلة التصنيع وحتى مرحلة التخطيط الحضري.
ثم تقوم تقنيات الاستشعار الحالية “التوأمة الرقمية” التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي بجمع كميات هائلة من البيانات في الوقت الفعلي من العالم المادي.
ويمكن أن تشمل هذه المستشعرات، مستشعرات أكثر تعقيدًا مثل: كاميرات الرؤية الحاسوبية، وأجهزة إنترنت الأشياء، بالإضافة إلى مستشعرات تقليدية أخرى مثل مستشعرات درجة الحرارة والضغط.
وبعد جمع هذه الكميات الهائلة من البيانات يتم تفسيرها، وتصفيتها، ومعالجتها لجعلها أكثر فائدة وقابلية للتنفيذ. ثم تقوم بعد ذلك خوارزميات الذكاء الاصطناعي بدورها بتمكين “التوأمة الرقمية” لدمج البيانات من مصادر ووسائل متنوعة ببساطة.
على سبيل المثال، تأخذ “التوأمة الرقمية” البيانات في المدن الذكية من كاميرات المرور، ومحطات الأرصاد الجوية، وموجزات وسائل التواصل الاجتماعي. لتحليلها في الوقت الفعلي لتحسين تدفق حركة المرور أثناء الظروف الجوية السيئة.
بينما تعمل قدرة الذكاء الاصطناعي على معالجة البيانات غير المنظمة، مثل النصوص أو الصور لإثراء فهم “التوأمة الرقمية” لنظيره المادي.
كما يمكن للمنظمات الشعور بدور “التوأمة الرقمية” في تخفيف المخاطر من خلال السماح لها بتوقع تلك المخاطر والاضطرابات المحتملة والتخطيط لها، في حين يمكن لنماذج التحليلات التنبؤية من تقييم تأثير العوامل الخارجية. مثل اضطرابات سلسلة التوريد، أو تقلبات السوق على العمليات. والتي بدورها تمكن المنظمات من استخدام تكتيكات استباقية للتخفيف من حدة هذه التحديات. من خلال تحديد نقاط الضعف وتوقع المخاطر المستقبلية المحتملة.
لا شك أن الدمج القوي بين “التوأم الرقمي” وأنظمة التحكم التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي ساهم في تحويل الصناعات. من خلال تمكين الرؤى في الوقت الفعلي، والقدرات التنبؤية، والاستجابات الآلية.
كما شكلت السلامة أهمية قصوى في العديد من الصناعات، وكان لاتخاذ القرارات المستقلة نصيبًا من تحسين عملية تحويل الصناعات.
التوأمة الرقمية المدعومة بالذكاء الاصطناعي
يمكن تحسين النماذج المستخدمة في “التوأمة الرقمية” في مجموعة متنوعة من التخصصات. بما في ذلك العلوم، والهندسة، والتمويل، وغيرها، باستخدام تقنيات وخوارزميات الذكاء الاصطناعي.
ويشار إلى هذه العملية باسم “النمذجة المعززة بالذكاء الاصطناعي”. ومن خلال الاستفادة من قدرات التعلم الآلي وتحليل البيانات. تسعى هذه التحسينات التي يقودها الذكاء الاصطناعي إلى زيادة دقة النماذج وكفاءتها وقدرتها على التكيف.
وفيما يلي، نزيح الستار عن دور “النمذجة والمحاكاة المعتمدة على الذكاء الاصطناعي” في التمثيلات الافتراضية الواقعية.
تمكنت قدرة الذكاء الاصطناعي من معالجة كميات هائلة من البيانات بسرعة وفاعلية وأحدثت ثورة في النمذجة والمحاكاة.
ويرجع ذلك للذكاء الاصطناعي الذي يتمتع بالقدرة على تقييم مجموعة متنوعة من البيانات للمساعدة في إعلام عمليات المحاكاة.
يستوي في ذلك إذا كانت تلك العمليات تحاكي أنماط الطقس، أو حركة المرور في المناطق الحضرية، أو العمليات البيولوجية. ونتيجة لذلك، أصبحت التمثيلات الافتراضية أكثر دقة استنادًا على تلك البيانات.
كما تمثل “التوأمة الرقمية المعرفية” شكلًا أكثر تقدمًا من تكنولوجيا “التوأمة الرقمية”. وتتضمن الحوسبة المعرفية التي يقودها الذكاء الاصطناعي.
فلا تكرر هذه التوأمة الخصائص والسلوكيات الفيزيائية لنظيراتها في العالم الحقيقي فحسب. بل تمتلك أيضًا قدرات معرفية لفهم البيانات التي تجمعها وتستنتجها ومن ثم؛ اتخاذ القرارات بناءً عليها.
أيضًا تعد التوأمة قادرة على التعلم الذاتي والتكيف مع مجموعة فرعية من “التوأمة الرقمية” التي تركز على التعلم الذاتي والتكيف مع بيئاتها.
وتستخدم تلك التوأمة تقنيات الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي للتطور وتحسين أدائها دون برمجة صريحة.
على سبيل المثال، يمكن للتوأم الرقمي في التعلم الذاتي، اكتساب معرفة ومهارات جديدة دون أي تدخل بشري. حيث تتعلم من تفاعلاتها مع العالم المادي ومدخلات البيانات.
أما فيما يتعلق باستخدام “التوأمة الرقمية المعرفية” فهي تستخدم في التخطيط الحضري. وإدارة المدن الذكية لمحاكاة وتحسين تدفق حركة المرور، واستهلاك الطاقة، والخدمات العامة. كما إنها تستخدم في بناء نماذج افتراضية للمدن والبنية الأساسية.
التحديات والاعتبارات
تعد حماية البيانات الحساسة المستخدمة في “التوأمة الرقمية” أمرًا بالغ الأهمية. ويمكن القيام بذلك من خلال تنفيذ تدابير أمنية سيبرانية قوية للحماية من خروقات البيانات والوصول غير المصرح به.
كما يجب على القائمون على تلك النماذج مراعاة لوائح الخصوصية والمخاوف الأخلاقية. خصوصًا عند التعامل مع المعلومات الحساسة أو الشخصية المتوفرة في مجالات مثل الرعاية الصحية.
ومع ذلك؛ قد تفتقر “التوأمة الرقمية” إلى القدرة على التوسع اللازم لاستيعاب أحجام البيانات المتزايدة والمتطلبات المتطورة.
ونظرًا لأن التوسع تحت مظلة الأنظمة القديمة كان معقدًا ومكلفًا. لذا؛ يتعين على الشركات تقييم قابلية الأنظمة القديمة للتوسع والتخطيط للنمو المستقبلي لمواجهة هذه المشكلة.
وإذا لزم الأمر، عليها الانتقال إلى منصات أكثر قابلية للتوسع أو تبني حلول هجينة تجمع بين التقنيات القديمة والحديثة.
المخاوف الأخلاقية
قد تؤدي التحيزات في البيانات المستخدمة لتدريب وتشغيل “التوأمة الرقمية” إلى نتائج غير عادلة أو تعزيز التحيزات الموجودة.
ورغم أن قوانين مكافحة التمييز تلعب دورًا مهمًا من الناحية القانونية للحيلولة دون حدوث ذلك. إلا أنه يجب على الشركات أن تسعى لتحقيق العدالة والشفافية في عمليات صنع القرار.
ويتخوف العديد من بعض السيناريوهات المحتملة وفي مقدمتها البصمة البيئية للتوأم الرقمي. بما في ذلك استهلاك الطاقة لمراكز البيانات. فيما يتعين على الشركات تقنين اللوائح والضوابط القانونية المنظمة التي تلزمها بالامتثال للوائح البيئية ومعايير الاستدامة.
وهناك أيضًا سيناريو آخر يلاحق العديد من العاملين وهو، إلى أي مدى يمكن أن تؤدي قدرات الأتمتة والتحسين للتوأمة الرقمية إلى تشريدهم من وظائفهم؟ الإجابة ببساطة، يجب على قوانين العمل واللوائح من المنظمات معالجة انتقالات القوى العاملة، وتوفير فرص إعادة التدريب.
وأخيرًا، ينبغي أن تسترشد عملية تطوير واستخدام التوأمة الرقمية بالمبادئ الأخلاقية للذكاء الاصطناعي مثل العدالة، والمساءلة، والشفافية.
ولمواجهة ذلك، تحاول بعض الدول القيام في الوقت الراهن بتنفيذ لوائح أخلاقيات الذكاء الاصطناعي لكي يصبح الامتثال أمرًا إلزاميًا.
الاتجاهات والتوقعات المستقبلية
لا شك أن مستقبل “التوأمة الرقمية” مشرق ونهم للمزيد من التطورات المثيرة. خصوصًا مع دمجه بتقنيات الذكاء الاصطناعي المتطورة.
ومن المتوقع أن تكون تلك التقنيات بمثابة شبكات GAN ضرورية لبناء تمثيلات افتراضية دقيقة وشاملة للغاية داخل التوأمة الرقمية. بما في ذلك نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي. وعلى الجانب الآخر، سيكون هذا مفيدًا للغاية للشركات في صناعات التصنيع والهندسة المعمارية.
ومن التطورات الأخرى المثيرة للاهتمام هي دمج “التوأمة الرقمية” بعالم الحوسبة الكمومية في ظل نضوج أجهزة الكمبيوتر الكمومية.
ومن المتوقع أن يطلق العنان لقوة معالجة غير مسبوقة للتوأمة الرقمية. حيث ستتمكن ا”لحوسبة الكمومية” من التعامل مع عمليات المحاكاة المعقدة ومهام تحليل البيانات. مما قد يؤدي إلى إحداث ثورة في قدرات التوأمة الرقمية في البحث والتصميم والتحسين.
يذكر أن “الحوسبة الكمومية” هي: “مجال متعدد التخصصات يشمل جوانب علوم الكمبيوتر والفيزياء والرياضيات التي تستخدم ميكانيكا الكم بهدف حل المشكلات المعقدة بسرعة أكبر من أجهزة الكمبيوتر التقليدية”.
خلاصة القول
من المتوقع بحلول العام القادم 2025، أن يصبح دمج تقنيات الذكاء الاصطناعي والتوأمة الرقمية، بمثابة قوة دافعة تعيد صياغة الصناعات وإعادة تعريف كيفية تفاعلنا مع العالمين المادي والرقمي.
لقد سبق وكانت فكرة التوأمة الرقمية منذ البداية حلم مستقبلي. ولكنها تحولت إلى أداة مفيدة تدعم العديد من الصناعات.
ومع تمكن تلك الأداة من تحسين عمليات جمع البيانات ودمجها في الصناعات نتيجة التحامها بتقنيات الذكاء الاصطناعي. تدعم التحليلات التنبؤية وأنظمة التحكم التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي عملية اتخاذ القرار. والتخفيف من المخاطر مع تعزيز دقة وتوقيت التمثيلات الافتراضية بفضل التآزر بين أجهزة استشعار إنترنت الأشياء والذكاء الاصطناعي.
ومع ذلك، يجب علينا أن نضع في الاعتبار ضرورة معالجة التحديات المتعلقة بأمن البيانات وتكامل الأنظمة القديمة. وقابلية التوسع والاعتبارات الأخلاقية حتى تنجح عملية التطوير على أكمل وجه.
بقلم / أندرو دي لانزو
المقال الأصلي: هنا