من أهم الأمور المتعارف عليها بين رواد الأعمال هيِ الفوضى، خصوصًا عندما يتعلق الأمر بالطريقة التي يؤدي بها رائد الأعمال عمله، وخلال السعي لتحقيق الازدهار من خلال هذه الفوضى الخلاقة.
من الأمور المتأصلة في كل مسعى لريادة الأعمال هناك الارتباك، وعدم اليقين، والتغيير غير المتوقع، وعدم القدرة على التنبؤ، يجب أيضًا ألا نغفل عن الفوضى التنظيمية المتمثلة في اختبار الأفكار المتعلقة بالمنتجات أو الخدمات الجديدة، وقياس الطلب، وبناء العلامة التجارية للشركة.
وعندما تكون العضوية غامضة في الفريق والأدوار والمسؤوليات غير قابلة للتسوية، ومهمة الفريق تتأرجح بين الوضوح والارتباك التام فإن هذا يُحدث فوضى داخل الفريق، هذا هو النوع المفضل لديّ، والذي أعنيه عندما أتحدث بسخرية.
كذلك هناك الفوضى الفردية التي تواجهها بنفسك؛ فوضى المعتقدات التي تهز الثقة بالذات والحديث الذاتي السلبي الذي يمنعك من اتخاذ خطوتك التالية التي تخطط من خلالها لغزو العالم، لكن الخبر السار هنا هو أن الفوضى توفر الفرص.
عندما تكون الفوضى توحي بـ “غير المتوقع”؛ أي بأمور لا يمكن التنبؤ بها، فهذا يعني أيضًا الحرية، التي تمكنك من فعل ما لم يتم فعله بعد، وبالتالي حرية التعلم، فالشخص الذي لا يتعلم هو شخص يدخل نفسه في عملية الموت البطيء.
غالبًا ما تتم المنافسة بين الشركات الناشئة عن طريق سرعة القدرة على التكيف، ولكنها لا تعلم أنها تتكيف عن طريق سرعة التعلم.
إن ما يحدد مدى أهمية الشركة الناشئة أو تقدمها بالضبط هو مدى سرعة الاستعداد والقدرة على طرح الأسئلة الصعبة والإجابة عنها، والتي تحدد في النهاية علامتك التجارية، والغرض منها، وعرض القيمة الخاص بك، وكفاءتك المميزة.
من السهل أن تجعل منحنى التعلم ينحدر عند نمو شركتك، ولكن لا تفعل ذلك؛ لأن الشركات التي تفشل في التعلم هي الأسرع في تعلم كيف تفشل بسرعة كبيرة أيضًا، تستطيع أن تستفيد من تجارب الشركات الأخرى مثل: Blockbuster أو Napster أو PanAm Airlines، أو أي من الشركات العملاقة الأخرى التي فشلت، والسبب أنها كانت تشعر بالرضا عن النجاح الذي وصلت إليه، بالإضافة إلى الاعتقاد بأن “انتصارات” الأمس كفيلة بأن تشجع المزيد من “انتصارات” الغد، لكن للأسف ذلك لم يحدث أبدًا.
ربما أنت تتساءل الآن عن كيفية الاستفادة من الفوضى باعتبارها فرصة.. فإليك استراتيجيتين للبدء بهما:
صمم أفكارًا فضولية
الفضول مسؤول عن نشوء الأفكار الجديدة، والتي تتحول في نهاية المطاف إلى أعمال جديدة. هل تستطيع أن تفكر في شركة أو منتج جديد أو خدمة جديدة ما لم تبدأ بطرح سؤال، لا أعتقد ذلك.
ومع ذلك فإن التحدي الذي يواجه الفضول هو أن ليس الجميع فضوليين، ولا فائدة من المحاولة لجعل شخص آخر يفعل ما هو ليس مقتنعًا به؛ ما يعني أنك لن تستطيع أن تجعل الجميع فضوليين، ولكن بإمكانك أن تضعهم في بيئة مصممة بشكل مناسب لإثارة الفضول.
هذا يعني أنه عندما تكون هناك فجوة بين ما تعرفه وما تحتاج إلى معرفته لإنجاز مهمة ما يزداد الفضول للمعرفة، وكلما زاد هذا الفضول تم إنجاز المزيد من العمل.
لقد تم إجراء إحدى الدراسات على مجموعتين من المشاركين؛ حيث تم وضع مشاركي المجموعة الأولى أمام شاشة كمبيوتر مع ما يقرب من 50 لوحة على الشاشة، وخلف كل لوحة كان هناك حيوان مختلف؛ بحيث إنه بمجرد نقر المستخدم على اللوحة يتم الكشف عن حيوان جديد.
ما حدث هو أن المشاركين توقفوا سريعًا عن النقر لإدراكهم بأنهم إذا نقروا على لوحة أخرى فسوف يرون حيوانًا مملًا آخر.
لكن الأمر كان مختلفًا بالنسبة للمجموعة الثانية، فعلى الرغم من أنهم كانوا يجلسون خلف شاشة كمبيوتر باللوحات نفسها، ففي هذه المرة كان خلف تلك اللوحات الخمسين نفس الحيوان في كل مرة.
لذلك عندما نقر أحد المستخدمين في المجموعة الثانية على إحدى اللوحات شاهدوا جزءًا مختلفًا من نفس الحيوان، مثل أنف الكلب وفمه والجبهة والأذنين وما إلى ذلك، النتيجة كانت هي مواصلة المستخدمين في المجموعة الثانية للنقر.
لقد استمروا في النقر حتى النهاية لأنهم أرادوا رؤية الصورة الأكبر؛ فقد ازداد فضولهم، ليس لأنهم لم يروا حيوانًا من قبل ولكن لأنهم هذه المرة أرادوا إشباع الفضول لديهم؛ أرادوا رؤية الصورة الأكبر.
دع الجميع يعرف
المشكلة الأكبر فيما يتعلق بالمعرفة في العمل هي أنه لا أحد يعرف من يحتاج إلى المعرفة، وهذا يعني أنهم لا يعرفون إلى من يذهبون لطرح الأسئلة أو المهام، بالإضافة إلى ذلك تأتي العزلة ولجوء البعض إلى الجلوس في صومعة مع نفسه التي بدورها تمنع الأشخاص من إدراك مدى تأثير عملهم في المؤسسة الأكبر.
على سبيل المثال: أطلقت شركة سوني في عام 1999 مشغل موسيقى رقميًا بهدف إحداث ثورة في صناعة الموسيقى -فعلت ذلك قبل سنوات مع جهاز Walkman- لكن المشكلة الوحيدة كانت أن مشغل الموسيقى الرقمي الذي كشفوا عنه في هذا اليوم بالذات لم يكن الإصدار الوحيد لمثل هذا المنتج؛ حيث كشف قسم آخر في سوني عن “جهاز ذاكرة للاستماع” وهو المصمم للغرض نفسه.
المشكلة كانت أن المعتزلين داخل صوامع سوني الداخلية لم يتحدثوا عن الأمر؛ والنتيجة كانت تفككهم، وهذا أعطى ستيف جوبز فكرة عظيمة.
في أيامنا هذه كل يوم يزداد التعقيد في البيئة التنافسية، وليس هناك وقت للاعتماد على ما هو مألوف، يجب أن تختار الطريقة التي تميّز بها نفسك من بين المزايا التنافسية.
في السابق كان الاعتقاد السائد بأن حرية اختبار حدود جديدة وتحدي التفكير التقليدي أمر مستحيل، لكن اليوم نستطيع القول إن الفوضى هي الحرية؛ فهي حرية لاستكشاف ما ينبغي استكشافه بشكل أكبر.