الكرم منقطع النظير في العقيلي بن عيسى الرميح
من الصفات التي تميز بها العربي المسلم الكرم ولكنها عند العقيلات عظمت ويرجع ذلك لأسباب كثيرة منها:
- إن كل أمير من عقيل له معاونون وحراس، ورعاة وطباخون. وهو مسؤول عن إعاشتهم وما يتبعها، علما بأن الرحلة تستغرق أشهرا قد تصل إلى السنة ذهابا وإيابا، وما دام أن هذه حاله، فلا بد أن يكون كريما، وإلا فلن يستطيع الاستمرار في مهنته تلك.
- في كل بلد يقطنه العقيلات، أو سوق يتجرون فيه، يكون فيه سماسرة من أنفسهم، وعمداً يعرفون على جماعتهم. فهؤلاء لهم مضافات وديوانيات يتجمع فيها رجال العقيلات غير المقيمين، ويقصدها البدو الذين لهم معاملات معهم. وهذه المضافات فيها الاستعداد التام: من مجلس وغرف نوم وطباخ ومباشر بالقهوة (قهوجي). وهذه قمة الكرم والضيافة.
- لمرور العقيلات أثناء حلهم وترحالهم بأمراء البلدان، ومشايخ القبائل، كونوا معهم علاقةً قويةً. فكانوا يقدمون لهم الهدايا بأنواعها لكف شرهم تارةً، ولصداقتهم تارةً أخرى.
- العقيلات لهم معاملات تجارية مع إخوانهم العرب في البلدان العربية. وقد اشتهر عنهم مع إخوانهم تبادل الهدايا؛ ما أوجبه عليهم خلقهم العربي، وطبيعة عملهم.
ولغير ذلك من الأسباب.
العقيلي: (عيسى بن رميح بن عيسى الرميح)
من أمراء العقيلات، صاحب كرم منقطع النظير، وشهامة عربية أصيلة، وشجاعة وإقدام، وإنفاق في سبيل الله، وصاحب مواقف تاريخية مع العقيلات، ومرجع للعقيلات في البلاد العربية. إذا خرج على رأس القافلة مغربين مهما كان عددهم ينادي المنادي: (اسمعوا يا عقيل)! غير مسموح لأحد أن يوقد النار، فإن (المضيف) مفتوح للعقيلات و”رجاجيلهم”. وقد تعود العقيلات بألا يعصوا أمراً يقره عيسى الرميح. يلقب (راعي العين). حدر (سافر) معهم إلى الكويت والعراق، وغرب إلى الأردن والشام وفلسطين ومصر وتركيا لغرض التجارة، ولد في بلدة القرعاء عام 1260هـ، وتوفي في مدينة بريدة عام 1353هـ.
يقول أحد العقيلات: سافرت مع ركب (مجموعة) عام 1356هـ. وكانت القافلة تزيد على مائة وخمسين شراعاً. وتجمعنا في (مورد قصيبا)، وكان بها عين ونخيل لعيسى الرميح. فشربت القافلة، وتجهزنا للمسير. فصاح المنادي: غير مسموح لأحد بأن يوقد ناراً طوال رحلة القافلة من قصيبا، حتى وصولنا إلى عمان، ورجال القافلة من تجار وغيرهم يأكلون ويشربون في شراع عيسى الرميح.
ونزلنا على الغور (وادي الأردن)، وأقمنا الشتاء ما بين أريحا والفارعة في الضفة الغربية لنهر الأردن، وأقيمت المخيمات، وعددها يزيد على مائة وخمسين شراعاً، وفتح المضيف للأكل والشرب. وطوال الشتاء والجميع يأكلون ويشربون على حسابه.
وإذا جاء شهر رمضان المبارك، أقام ديوانية في مدينة القدس، وبيتاً كبيرا يقيم فيه الولائم للفقراء والمساكين، حتى ذاع صيته لدى الحاكم العسكري في مدنية القدس، وهو إنجليزي، فدعاه إلى مكتبه، لكنه لم يذهب، بل صرف الرسول قائلاً: “إذا أرادني عليه الحضور إلى بيتي المفتوح. وهذه دعوة مني للحاكم لزيارة معسكرنا في الغور. فما كان من الحاكم إلا الذهاب إليه، وكانت حفلة كبيرة دعي إليها الحاكم وكبار المسؤولين. ودأب الحاكم بعد ذلك على زيارة عيسى في بيته في القدس، وفي المخيم، حيث تقام الولائم التي يحضرها الجميع”.
وفي إحدى الولائم قدم إليه الحاكم وثيقة موقعة بإقطاعه أرضاً تمتد من شمال (عين أريحا)، حتى مرتفع جبل الفارعة وقرب نابلس. لكن عيسى رفض هذه الوثيقة، شاكراً للحاكم هديته قائلاً: “إن ما أقوم به من خدمات لأبناء بلدي، وما أقوم به من إطعام للمساكين، إنما هي طبيعة وهبها الله لي، ولا أنتظر إحسانا من أحد. وخاطبه بلهجته النجدية: (إن حضاراً بالصيف في نخلي بقصيبا، تسوى عندي الدنيا وما فيها)”.
الحضار: هو العريش من سعف النخل، يكون بين النخيل، يجلسون فيه وقت الظهيرة للتبرد.