تُعتبر ريادة الأعمال الاجتماعية، من أبرز الأسلحة الحديثة التي تعتمد عليها المجتمعات العربية والدولية في مواجهة التحديات والمشكلات التي تعاني منها منذ عقود طويلة مضت؛ الأمر الذي يترتب عليه تحسين الظروف المعيشية لجميع أفراد المجتمع دون زيادة في استخدام الموارد الطبيعية التي يمتلكها المجتمع باستدامة فعالة قادرة على حفظ الموارد للأجيال القادمة.
وتهدف الريادة الاجتماعية إلى تشجيع أفراد المجتمع، خاصة الشباب، على الابتكار والإبداع لإحداث عملية استدامة تنموية والانتقال إلى وضع أكثر تطورًا ومحاربة كل المشكلات التي تركها الوضع الاقتصادي المتدهور كالبطالة، وتحسين الوضع الاجتماعي لأفراد المجتمع ورفع المستوى المعيشي بريادة الأعمال الاجتماعية.
في هذا الإطار، يتوجب علينا أولاً معرفة مفهوم «ريادة الأعمال الاجتماعية» وسماتها المختلفة وأثرها الإيجابي الذي تحققه داخل المجتمعات.
تُعرف ريادة الأعمال الاجتماعية بأنها الفكرة الإبداعية والابتكارية التي تعالج قضية تُشكل خطرًا كبيرًا على المجتمع، قابلة للتنفيذ كمشروع ريادي يحل المشكلة ويحقق أثرًا اجتماعيًا؛ حيث إن مفهوم ريادة الأعمال الاجتماعية يؤخذ كبناء متعدد الأبعاد يتضمن قيمًا وسلوكيات ريادية؛ لتحقيق أهداف وطموحات اجتماعية.
وتُعد ريادة الأعمال الاجتماعية، أحد الأنماط المُستخدمة، والتي تهدف إلى إيجاد حلول لكل المشكلات التي تواجه المجتمع، إذن، فريادة الأعمال الاجتماعية تعمل وفقًا للأساليب التجارية المختلفة بما فيها تحقيق الأرباح، لكن مواجهة التحديات وحل المشكلات والقيمة الاجتماعية هي الجوهر الأساسي الذي يعتمد عليه هذا المفهوم.
وكما لاحظنا فيما ذكرناه سابقًا، أن مواجهة التحديات والمشكلات داخل المجتمع، يجب أن يكون هو الهدف الأسمى للشركة؛ لتقديم الحلول وتحقيق الربح المالي الذي يضمن الاستمرارية والقدرة على التنافسية.
ومن نافلة القول إن نمط ريادة الأعمال الاجتماعية يعتمد على عدة سمات أساسية وجوهرية لتحقيق الهدف المنشود.
السمة الأولى
توليد الأفكار الإبداعية: تتبلور هذه السمة في محاولة إحداث عملية تحول رقمية تهدف إلى مواجهة التحديات التي تواجه المجتمع.
السمة الثانية
حلول مبتكرة ومستدامة: يجب أن تحتوي ريادة الأعمال الاجتماعية على استراتيجية شاملة وواضحة تحقق التنمية المستدامة، وطرح الحلول لكل المشكلات التي تواجه المجتمع، شريطة أن تكون هذه واقعية ذات أثر قوي.
السمة الثالثة
تحقيق الأثر الإيجابي: يتوجب على نمط ريادة الأعمال الاجتماعية أن يحدث أثرًا اجتماعيًا ملحوظًا يشمل كل التحديات المجتمعية التي استمرت لفترات طويلة.
ويُمكن قياس هذا الأثر الإيجابي الذي يحققه نمط ريادة الأعمال الاجتماعي في مواجهة التحديات التي تعاني منها المجتمعات، وفقًا لثلاث مستويات؛ وهي كالتالي:
– المدى القصير: ينبغي أن تُحدث ريادة الأعمال الاجتماعية تغييرات واقعية وملموسة في اقتصاد المجتمع، وتحتوي هذه التغيرات على عدة عوامل أساسية؛ أهمها؛ «حلول جذرية لمواجهة المشكلات، خلق فرص عمل في المجتمع، وزيادة الادخار عن الإنفاق العام».
– المدى المتوسط: ويتلخص هذا النوع في أن تقوم ريادة الأعمال الاجتماعية بالعمل على تحسين أوضاع المجتمع وزيادة الإنتاجية، وإنشاء الكثير من المشروعات التنموية التي ترتقي بالمجتمع.
– المدى الطويل: في هذا النوع توفر ريادة الأعمال الاجتماعية فرصًا استثمارية واعدة، بالإضافة إلى استثمار رأس المال الاجتماعي.
لذلك، تحتاج ريادة الأعمال الاجتماعية إلى رواد أعمال من ذوي الخبرة والكفاءة العالية لقراءة ما يدور داخل مجتمعاتهم والوقوف على أبرز المشكلات التي تعاني منها تلك المجتمعات، والبحث عن أفكار إبداعية ومبتكرة قابلة للتنفيذ؛ حتى تتحول إلى مشروعات واقعية وملموسة تواجه كل المشكلات.
وتأكيدًا لما ذكرناه، هناك نماذج واقعية وملموسة من مفهوم ريادة الأعمال الاجتماعية حققت نجاحًا كبيرًا وأسهمت في وضع الحلول لبعض المشكلات التي كانت تعاني منها عدد من المجتمعات العربية.
السعودية
تٌعتبر مؤسسة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان؛ ولي العهد، «مسك الخيرية»، أكبر داعم لرواد الأعمال الاجتماعيين، وبرنامج «بادر» التابع لمدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتكنولوجيا، وبنك التنمية الوطني «ريادة».
وأطلقت المملكة «معهد ريادة الأعمال الوطني»، لدعم رواد الأعمال؛ حيث يُعد المعهد مركزًا إقليميًا متميزًا في صناعة الاقتصاد المعرفي ورعايته؛ يهدف إلى تحويل الأفكار لحلول واقعية، تخدم التنمية الاقتصادية، إلى جانب تنويع مصادر الدخل في المملكة، كما يُسهم المعهد في بناء الاقتصاد المعرفي، وتنمية قدرات العناصر الريادية؛ لتمكينهم من إنشاء وإدارة المنشآت الصغيرة بنجاح، وتسويق الابتكارات.
الإمارات
تُعد الإمارات من أبرز الدول في الشرق الأوسط التي تهتم بريادة الأعمال الاجتماعية؛ حيث أطلقت مؤسسة الإمارات في أبو ظبي «جائزة الإمارات لشباب الخليج العربي»؛ لتشجيع الشباب العربي والخليجي على الإبداع والابتكار وإنشاء وتطوير مشاريع الريادة الاجتماعية، ويحصل الفائزون في تلك الجائزة على منحة احتضان وبرنامج تدريبي وإرشادي من مؤسسة الإمارات لدعم فكرة مشروعهم المجتمعي.
مصر
على خُطى المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات، حظي مجال ريادة الأعمال الاجتماعية باهتمام كبير من الحكومة المصرية؛ إذ أطلقت جامعة أسيوط حاضنة أعمال بعنوان «همة» كأول حاضنة أعمال داخل جامعة حكومية؛ وذلك لدعم أفكار وإبداع الشباب وتقديم لهم المساعدات الكاملة التي تُمكنهم من تنفيذ أفكارهم وتحويلها إلى مشروعات واقعية وملموسة لمواجهة بعض المشكلات التي كانت تواجه المجتمع على مدى عقود.
وفي منتصف شهر أبريل الماضي من العام الجاري، فازت مصر بجائزة «القمة العالمية لريادة الأعمال»، والتي أُطلقت في مملكة البحرين كأحسن دولة في العالم في مجال ريادة الأعمال، وتسلم الجائزة المهندس أحمد عثمان؛ ممثل الشبكة العالمية لريادة الأعمال في مصر، الرئيس المنتخب للمجلس الدولي للمشروعات الصغيرة.