يحلُو لحفيدتي فريدة، التي أطفأت شمعتها الخامسة في يناير الماضي، أن تجيب بثقة: “مهندسة مثل جدو”، عندما تُسأل عن مهنتها في المستقبل؛ هكذا يتأثر الأطفال بمن حولهم، ولكن تظل هناك الطباع والميول والأحلام التي تكبر معهم كلما كبروا.
ليظل السؤال الخالد: هل يُولد أم يُصنع رائد الأعمال؟! وهل يولد الإنسان بطباع محددة، أم يكتسبها بمرور الزمن؟ وهل الطبْع يغلب التطبُّع؟.
جينات حاتم الطائي
يُحكى أنه عندما مات حاتم الطائي، تشبَّه به أخوه، فقالت له أمه: “يا بني أتريد أن تحذو حذو أخيك؟”، فقال لها: “نعم يا أماه”، فقالت له: “إنك لن تبلغ ما بلغه، فلا تُتعبنَّ نفسك فيما لا تناله”، فقال لها: “وما يمنعني أن أكون مثله وقد كان حاتم شقيقي من أمي وأبي”.
فقالت له: “يا بني إنني لما ولدته وشرعت في إرضاعه، أَبَى أن يرضع حتى آتيه بمن يشاركه الرضاعة فيرضع من الثدي الآخر؛ أما أنت فكنت إذا أرضعتك ودخل صبي علينا، بكيت؛ حتى يخرج ويرحل من المكان الذي كنا فيه، فشتَّان ما بينك وبين شقيقك “. وكأن الرواية تُلمِّح إلى أنَّ كرم حاتم الطائي كان في جيناته، وليس أمرًا مُكتَسبًا.
ثقافة ريادة الأعمال
إنَّ أمل العرب الحقيقي، يكمن في أبنائهم الذين هم بحاجة إلى غرس ثقافة ريادة الأعمال والابتكار في نفوسهم وعقولهم؛ بتوفير بيئة أعمال حقيقية ومتكاملة، تضمن تخريج أجيال من رواد الأعمال قادرين على الابتكار والإبداع في بيئة تجارية تنافسية.
لذلك، أقترح أن تنظم المدارس بالمراحل الابتدائية والإعدادية (المتوسطة) والثانوية مسابقة تمنح جوائز للمبادرين الصغار والشباب.
فكرة المسابقة
تتلخص فكرة المسابقة في تنظيم نشاط عملي يستمر ثلاثة أيام، يُحوِّل خلالها طلاب المدارس أفكارهم الريادية إلى منتجات تُعرَض في أماكن خاصة مجهزة في معرض مُجمَّع لكل منطقة تعليمية؛ وذلك لتوفير بيئة تنافسية بين الطلاب، تُحاكي العالم الحقيقي للأعمال.
تهدف المسابقة، إلى تشجيع الطلاب على تأسيس وإدارة أعمالهم الخاصة المحتملة، وبث روح المبادرة بينهم، وتبصيرهم بالصعاب التي ستواجههم في عالم الأعمال مستقبلًا.
يمكن تشكيل لجنة خاصة للمسابقة، تضع معايير المشاركة وقواعد التحكيم وتحديد فئات الجائزة: لأفضل منتج إبداعي، وأفضل مشروع تقني، وأفضل منتج يدوي، وأفضل مشروع اجتماعي، وأفضل مشروع ثقافي، وأفضل مشروع ربحي، وأفضل مشروع للحفاظ على البيئة، وأفضل فريق عمل، وأفضل مشروع في حب الوطن.
اكتشاف رائد الأعمال
لا تستهينوا بقدرات أبنائكم ولا تستصغروا أعمارهم ولا تئدوا أحلامهم؛ إذ تعود بي الذاكرة لسنوات بعيدة في موقف شخصي، يبين كيف يمكن اكتشاف رائد الأعمال في مرحلة عمرية مبكرة؛ وذلك عندما وجدت الدعم من أسرتي وأنا في التاسعة من عمري.
فجنيت المال حينها من خلال استخدامي لعبة بلاستيكية، أهداها لي أبي، مكنتني من طباعة بطاقات أسماء صغيرة، كنت أبيعها إلى أصدقائي، ووالديَّ، وغيرهما من أفراد عائلتي الكبيرة.
وبالعودة للسؤال: هل يُولد أم يُصنع رائد الأعمال؟، يجيب على ذلك الباحثون من خلال منحنى التوزيع الطبيعي (أو ما يُعرف بمنحنى الجرس) الذي يوضح أن 2% يولدون رواد أعمال و2% يولدون موظفين، ويظل 96% يمكن تأهيلهم ليصيروا رواد أعمال ناجحين.
استثمار الطاقات
وهذا يعني ببساطة أنه إذا ما توافرت الإرادة والعزيمة للاهتمام بتثقيف وتوعية هذه الشريحة الغالية، ستكون بلادنا بين مصاف الدول المتقدمة؛ باستثمار طاقات أبنائها من خلال ريادة الأعمال وتنمية المنشآت الصغيرة؛ قاطرة الاقتصاد الأولى بالدول المتقدمة.
هذا ما يجب أن نؤديه حيال رواد الأعمال الصغار من المرحلة الابتدائية حتى الثانوية؛ أما المرحلة الجامعية فتتطلب آليات متقدمة تُسهم في تحويل أحلام وأفكار طلاب الجامعات إلى مشاريع ناجحة، وهذا ما سوف نتعرض له في المقال المقبل بإذن الله تعالى.