بوعي واحترافية كبيرة تدير رائدة الأعمال؛ خنساء أبو ناجي، شركتها “مِشبك”، التي يتكون طاقمها بالكامل من النساء، لرهانها على إبداع المرأة وقدرتها على الإنجاز؛ حتى إنها خلال خمس سنوات، عملت مشروعات لأكثر من ٢٤٠ عميلًا من جهات حكومية وهيئات وشركات ومنظمات غير ربحية وشركات ناشئة. في هذا الحوار نتعرف على تجربتها في مجال ريادة الأعمال، وكيف نجحت في أن تحقق هذا النجاح بفريق عمل من النساء فقط؟
-بم تعرّفين نفسك؟
-السؤال الأهم هو ليس التعريف بنفسي، ولكن كيف وصلت لمقابلة في مجلة “رواد الأعمال”! إنني محبّة للفنون، شغوفة بالتسويق، وحريصة على تمكين المرأة في المجال الإبداعي وصناعة الأثر، وأدير شركة تسويق وتصميم إبداعية هي “مشبك”.
-كيف كانت بداية تأسيس مشروعك، ومن كان داعمك؟
– كانت انطلاقتي من خلال العمل كمصممة جرافيك بشكل حر freelancer، ثم عملي في “موهبة” الذي ساعدني على تطوير ذاتي إداريًا. لم أبدأ “مشبك” بشكل جدي إلا عندما استقلت من عملي السابق، فكل ما قد يقال عن قدرتك على تأسيس عملك الخاص، وأنت موظف في عمل آخر، غير واقعي. الراتب مخدّر، والروتين مريح، والخوف يخرج أفضل ما لديك. فعليًا، لست مع التهور والاستقالة بين يوم وليلة، لكني مع “التهور المدروس”؛ بمعنى أن تترك وظيفتك بعد أن تثبت نجاح فكرتك، وعلى الأقل تصل لمرحلة MVP (بناء المنتج وفق متطلبات السوق، بأسرع وقت وأقل جهد وتكلفة).
من جانب آخر، يتحمس بعض الشباب في تأسيس مشروعاتهم فور تخرجهم من الجامعة، لكن أنصحهم بالعمل أولًا ولو لفترة مؤقتة في شركة ناضجة إداريًا؛ ليتمكنوا من تنمية مهاراتهم في الإدارة والعمل مع فريق، ومعرفة أصول التفاوض، وغيرها.
وتعد عائلتي هي الداعم الأول لي، ولاسيما والدتي- رحمها الله- التي كانت تدفعني لعدم قبول المألوف وكانت تردد: “إذا لم تجدي وظيفة، فاصنعي لك ولغيرك وظيفة”. وأيضًا وفقني الله بشركاء كان لهم الفضل بعد الله في تركيزي على نجاح “مشبك” وتطويرها الداخلي ونمو الفريق، بدلًا من الخلاف على النِسب ورأس المال والاستثمار وغيرها.
-هل أنت متحيزة للعنصر النسائي، وألا تعتقدين أن الاعتماد الكامل في العمل على النساء تحدٍ كبير؟
– هذا السؤال مطب! في الحالتين لن أنجو من إجابته، لكني أفضل أن أكون متحيزة للنساء على أن أكون غير ذلك! الحقيقة، أنه من خلال عملي في شركات مختلفة في قطاع التسويق والإعلان، وجدت أن دور النساء فيها يكاد يكون هامشيًا، وإن وجد، فهو يشكل نسبة قليلة من مجلس الإدارة، أو متخذي القرار، مع فرص نمو قليلة ومحدودة. رغبت كثيرًا في إطلاق حاضنة لتمكين الفتيات في مجال التصميم، ثم وجدت أن أفضل ما يمكن عمله لذلك، هو إيجاد المكان المثالي للتعلم مع عملاء حقيقيين ومشاريع حقيقية.
بالطبع هو تحدٍ كبير لشركة تعمل بمشاريع ضخمة، ومع عملاء كبار، خاصة في ظل شُح المواهب المتخصصة والمنافسة عليهم من عدة جهات، لكن ما هو معنى الحياة دون تحدٍ؟!
-ما أشهر المشاريع التي عملتِ عليها في مشبك؟
– شهرة العميل واسمه الساطع ليسا معيارًا لاختيار عملائنا، بل الأثر الذي نتركه على مشروعه، وعدد الأشخاص الذين نصل لهم من خلال عملنا. خلال خمس سنوات، عملنا مع أكثر من ٢٤٠ عميلًا في قطاعات مختلفة، ومع جهات حكومية وهيئات وشركات خاصة ومنظمات غير ربحية وشركات ناشئة، وهي مشاريع موجودة على موقعنا الإلكتروني.
-هل واجهتِ صعوبة في قيادة فريق نسائي أو إقناع العملاء بجودة خدماتكم؟
– الحقيقة أن أكثر ما استمتع به في “مشبك” هو إدارة الفريق، فبفضل الله وفقت بفريق رائع، أستطيع من خلاله تحقيق رؤية “مشبك” وأهداف العملاء.
ولعل التحدي الوحيد هو ندرة الكفاءات المتخصصة، خاصة في ظل ضعف الجانب الأكاديمي المتخصص؛ ما يعني استثمارًا أكبر من الشركة في التطوير والتدريب الميداني للمواهب الشابة والحفاظ عليها بعد التدريب. الحرب على الكفاءات هي ما قد يبني أو يهدم الشركة؛ لذلك أرى أهمية ألا يكون المردود الذي يحصل عليه الموظف من الشركة، ماديًا فقط؛ لأنه سيسهل استبداله بعرض مالي أكبر.
ومن أبرز الصعوبات التي واجهتني قبل إدارة الفريق؛ هي إدارة نفسي ومشاعري وبناء الوعي الذاتي: كيف أتقبل الفشل؟ كيف أتعامل مع الاستقالة؟ كيف أبدو ثابتة رغم الخسارة؟ لا يمكنك إدارة الآخرين إذا لم تتمكن من إدارة نفسك أولًا؛ ولهذا أنا مدينة لهذا المشروع بهذا الكم الهائل من المعرفة والخبرة التي غيرت حياتي، وصقلت شخصيتي. مقولتي التي أرددها دوماً عن “مشبك” هي: “صَنعته فصنعني”.
أما بالنسبة للعملاء، فكان من الصعب في البداية إقناع الجهات الحكومية أو الشركات الكبرى بجودة عملنا، ليس لكوننا نساءً، ولكن لعدم وجود سابقة أعمال تثبت قدرتنا. الآن، وبعد خمس سنوات، أصبح من السهل علينا استخدام سابقة أعمالنا، وقصص النجاح، والأثر الذي تركناه على مشاريع عملائنا؛ لكسب واستهداف عملاء جدد.
-لماذا مشبك؟ لماذا التصميم ولماذا التسويق تحديدًا؟
– منذ طفولتي كنت شغوفة بالقراءة والثقافة والفنون، وكانت مجلتا “العربي” و”اليمامة” رفيقتي دربي وإجازاتي الصيفية. كانت الألوان والثقافات المختلفة تلهمني، وكنت ألاحظ أننا بشكل عام نميل لـ”التنميط”، فتجذبنا فكرة الشكل الواحد والنمط الواحد في البيوت والأزياء، بل وحتى في الأفكار والتوجهات.
وعندما وصلت للمرحلة التي توجب علي اختيار طريقي المهني، رغبت بشدة في أن أعمل في مجال مختلف ومميز، يتيح لي صناعة أثر يُذكر. لذلك، توجهت للتصميم، الذي كان برأيي أبرز أدوات التغيير الثقافي والاجتماعي التي لم تأخذ حقها؛ فهو أداة لتشكيل الثقافة وصناعة الأثر، فالمصممون هم من يشكل المستقبل؛ من خلال تطويرهم حلوًلا لمشاكلنا اليومية والتحديات التي نواجهها. ولذلك، كنت أحاول أن أفهم كيف يمكن للتصميم أن يغيّر جودة حياتنا للأفضل؟
-وماذا عن التسويق؟
– دخولي مجال التسويق والإعلانات، كان امتدادًا لتخصصي الدراسي في التسويق وإدارة الأعمال، والذي اخترته لأتمكن من تفعيل الجانب الفني لدي بشكل مهني، كانت محاولة ليكون لدينا- كنساء- صوت مسموع؛ فمعظم القرارات التي تتخذها العائلة؛ مثل السفر والسكن والملبس وقرارات الشراء، تتخذها المرأة، لكنها في المقابل متلقية دائمًا لهذه الرسائل، وليست مرسلة. معظم ما كونّاه من معتقدات وقيم وأفكار عن الطعام، والسعادة، والجمال، وشكل الجسم المثالي، وغيرها الكثير، تم صناعتها من خلال التسويق؛ لذلك أرى أنه “القوة الناعمة” التي تغيرّ ببطء، وبعمق، فأردت في “مشبك” أن نكون جزءًا من صانعي الرسالة، وليس متلقيها فحسب.
-ما الذي يميز “مشبك” عن غيرها؟
– أعتقد أن السوق السعودي ما زال بحاجة لشركات تسويق متخصصة تقدم خدمات مميزة. من ناحية الجانب الإبداعي، فلا شك أن كثيرًا من الشركات الناشئة تقدم خدمات التصميم والتسويق، لكن ما يميز “مشبك” هو البعد الاستراتيجي، فالخبرة التراكمية للفريق من خلال العمل على عدد مشاريع كبير، تمكننا من تقديم أفضل الحلول لعملائنا، بالإضافة إلى تميز “مشبك” في الجانب الإداري والتنظيمي؛ ما يمنح العميل الثقة، ففي التسويق البقاء دائمًا للأذكى، وليس للأقوى.
معظم الشركات الناشئة تعتمد على المبدعين في الإدارة، وهذا ضعف كبير، فقد لا يكون المصمم أو المبدع إداريًا محنكًا؛ لذلك ينبغي على للشركة أن تضع الشخص المناسب في المكان المناسب، فمكان المبدع هو غرفة العصف الذهني، وليس مكتب المدير.
-كيف تنظرين لخطوات تمكين المرأة بالمملكة، وما رؤيتك لدعم هذا الجانب؟
– الخطوات إيجابية جدًا، وبالتأكيد أسعد بكل ما يمّكن المرأة ويجعلها عنصرًا فعّالًا في المجتمع. أرى تواجدًا مستمرًا للنساء في مجال الأعمال، وخاصة في مجال التسويق؛ ما يجعلني أؤمن برؤية “مشبك” بشكل أكبر، والأثر الذي يمكن أن تتركه النساء في هذا المجال. وأتطلع بالتأكيد لمساهمة أكبر منهن، ووجود أقوى في مجال الأعمال والريادة.
-ما نصيحتك لرائدات الأعمال؟
– استخدمي قوتك، فكونك امرأة يعني قدرتك على النظر للأمور بشكل مختلف، ومن زوايا مختلفة، كما يعني شغفك وإبداعك وقدرتك على عمل مهام متعددة في وقت واحد؛ وهي كلها مميزات تحتاجها أي شركة ناشئة. لا تنتظري من أحد أن يحتفل باختلافك وندرتك أو يعاملك بشكل خاص وأن يفتح لك الباب، فإذا لم يفتح لك الباب، فاخلعيه وادخلي.
نصيحتي الأخيرة، أن تجدي داعمة لك من محيطك الاجتماعي، يكون لها تجربة مشابهة، فريادة الأعمال قد تشعرك بالوحدة؛ لذا فإن وجود صديقة أو مرشدة داعمة ذات تجربة، له أثر كبير على شعورك بأنك لست وحدك، ويساهم في ثقتك وتوجهك للأمام.