في أجواء تحتفي بالثقافة والمعرفة انطلقت فعاليات معرض الرياض الدولي للكتاب 2025 يوم الخميس 2 أكتوبر، تحت شعار “الرياض تقرأ”. بتنظيم من هيئة الأدب والنشر والترجمة، في حرم جامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن.
ويشارك في هذه النسخة، التي تحل فيها أوزبكستان ضيف شرف، أكثر من 2000 دار نشر ووكالة محلية وعالمية تمثل أكثر من 25 دولة،
وبحضور نخبة من الأدباء والمفكرين والمثقفين من داخل المملكة وخارجها. ما يعكس مكانة المعرض كأكبر حدث ثقافي في المنطقة وأحد أهم معارض الكتاب في العالم العربي.
معرض الرياض الدولي للكتاب 2025
وتحظى نسخة هذا العام ببرنامج ثقافي استثنائي يضم أكثر من 200 فعالية متنوعة، تمتد من 2 حتى 11 أكتوبر الجاري، لتفتح آفاقًا رحبة أمام القراء والمهتمين بالمعرفة، وتبرز ثراء الإرث الثقافي السعودي.
وفي إطار تغطيتنا لفعاليات المعرض التقى “رواد الأعمال” الدكتور تركي مكي العجيان؛ صاحب كتاب “كيمياء الذات”، حيث دار معه حوار ثري تناول أبرز محاور الكتاب ورؤيته الفكرية.
إضافة إلى نظرته لدور الثقافة في دعم مسيرة التنمية ورؤية المملكة المستقبلية.
إلى نص الحوار..
ما الفكرة أو الدافع الأساسي وراء تأليف هذا الكتاب؟
كيمياء الذات لم تولد كفكرة طارئة، بل كصرخة وعي في داخلي، والدافع لم يكن مجرد الكتابة. وإنما البحث عن لغة جديدة تقرأ الإنسان من الداخل؛ لغة لا تكتفي بشرح العقل أو وصف النفس. بل تكشف التفاعل العجيب بين الجسد والوجدان والروح.
وأردت أن أصنع خريطةً يكتشف بها الإنسان ذاته كما يكتشف كيميائيّ تركيب العناصر. غير أن هذه المرة: عناصر ذاته.
كيف جاءت رحلة الكتابة؟ وهل واجهتك تحديات خلال إعداد هذا العمل؟
رحلة الكتابة كانت أشبه برحلة غوصٍ في محيط لا ساحل له. في كل مرة كنت أظن أنني بلغت العمق أكتشف أن هناك أعماقًا أبعد تنتظرني.
علاوة على ذلك التحدي الأكبر لم يكن في جمع الأفكار أو صياغتها. بل في الصدق مع الذات: أن أكتب ما أعيشه لا ما أزيّنه للقراء. وكنت أعلم أن من يقرأ لن ينجذب إلى زخارف الكلمات، بل إلى الأمانة في نقل التجربة.
كتاب “كيمياء الذات”
ما الذي يميز هذا الكتاب عن كتبك السابقة أو عن غيره من الكتب في نفس المجال؟
الاختلاف الجوهري هو أن كيمياء الذات ليس كتابًا للقراءة فقط، بل ممارسة حيّة. إنه مزيج بين نور الوحي وعمق الفلسفة وحدس التجربة الإنسانية.
كما لا يقدّم وصفات جاهزة ولا يفرض قوالب مسبقة. بل يفتح أمام القارئ مختبرًا داخليًا يتفاعل فيه مع ذاته. إنه كتاب يقرؤك بقدر ما تقرؤه.
هل يحتوي الكتاب على رسائل معينة أو قضايا تحرص على إيصالها إلى القارئ؟
نعم الرسالة الأهم أن الإنسان ليس ضحية ظروفه، بل صانع معادلاته. أحرص على أن يدرك القارئ أن داخله طاقة قادرة على تحويل الألم إلى وعي. والضعف إلى قوة، والارتباك إلى بصيرة.
والقضايا التي يتناولها الكتاب ليست تنظيرات. بل دعوة للانخراط في رحلة اكتشاف الذات، ومداواة جراحها، والارتقاء بها.
تشكيل الوعي الثقافي للمجتمع السعودي
كيف تُسهم الكتب في تشكيل الوعي الثقافي للمجتمع السعودي والعربي اليوم؟
الكتب ليست مجرد أوراق مطبوعة، إنها خزائن للوعي تعاد قراءتها مع كل جيل. في السعودية والعالم العربي اليوم.
وحين تتسارع التقنية وتحتدم المعارك الإعلامية والفكرية. تظل الكتب مساحة للتأمل العميق، وإعادة التفكير خارج الضجيج اللحظي.
بينما يقدم الكتاب للمجتمع ما لا تستطيع العناوين السريعة على الشاشات أو التغريدات المختزلة أن تقدّمه: التمكن من بناء نسق فكري متماسك، والجرأة على مراجعة الموروث، وصياغة رؤية مستقبلية.
الوعي المجتمعي في ظل رؤية المملكة 2030
كيف تنعكس رؤية السعودية 2030 على المشهد الأدبي والروائي من وجهة نظرك؟
رؤية 2030 لم تفتح فقط أبواب الاقتصاد، بل فتحت نوافذ جديدة للوعي والثقافة. وانعكاسها على الأدب والرواية يتمثل في تحرير الخيال من القيود التقليدية. وإتاحة مساحة أوسع للتجريب والجرأة في الطرح.
والأدب في ضوء الرؤية لم يعد مجرد سرد للتجارب. بل صار أداةً لتشكيل وعي المجتمع وصياغة صورته المستقبلية. إنها فرصة للكاتب أن يكون شريكًا في صناعة الوعي الوطني والإنساني معًا.
جامعة الرياض للفنون
ما رأيك في إنشاء جامعة الرياض للفنون كأول جامعة متخصصة بالفنون والثقافة في المملكة؟ وكيف يمكن أن تؤثر في مستقبل الإبداع؟
فيما يعتبر إنشاء جامعة الرياض للفنون خطوة رائدة، غير أنّ رسالتها لا تكتمل إلا إذا جمعت بين جناحين: الفن والثقافة معًا. فالفن يحرّك الخيال، والثقافة تغذّي هذا الخيال بالوعي والمعرفة.
كذلك ما نحتاجه ليس فقط منصات لتعليم الرسم والموسيقى والمسرح. بل مقررات تُعزز التفكير النقدي، وتوسّع المدارك الفلسفية، وتربط الطالب بهويته الثقافية وتاريخه الفكري.
لذا فمن المناسب جدًا إدماج مناهج تساعد الطالب على اكتشاف ذاته والتعرف على مكنوناته الداخلية ليكون على بصيرةٍ أكثر بمساره الدراسي.
وهنا أقدّم مقترحًا لإدارة الجامعة بأن يدرج كتاب كيمياء الذات ضمن المناهج الدراسية في الجامعة. فهو ليس مجرد مادة معرفية. لكنه رحلةٍ عملية تمكن الطالب من فهم مكوناته الداخلية. والتعرف على ذاته بعمق؛ ليكون مساره الجامعي عن وعيٍ ومعرفة، لا عن صدفةٍ أو تقليد.
إدماج الثقافة والوعي في برامج الجامعة
إن إدماج الثقافة والوعي في برامج الجامعة يحوّلها إلى فضاءٍ يصنع إنسانًا متكاملًا. يجمع بين الإبداع الفني والوعي الفكري.
وهنا تكمن قيمة المشروع: أن يكون الفن وسيلة للتعبير، والثقافة أساسًا للتفكير. والجامعة بوتقة تدمج الاثنين في صناعة مستقبل سعودي أكثر اتزانًا وثراءً.
التنوع الثقافي
برأيك كيف يمكن للكتّاب والروائيين أن يسهموا في تحقيق مستهدفات الرؤية في المجال الثقافي؟
الكتّاب والروائيون هم صوت الوعي الجمعي، ورؤية 2030 بحاجة إلى هذا الصوت. ويمكنهم الإسهام عبر طرح أعمال تبرز القيم الإنسانية المشتركة. وتجسد التنوع الثقافي، وتبني جسورًا مع العالم بلغة الفن والخيال.
في حين أن الإبداع الأدبي هنا يتحول من فعل فردي إلى رسالة جماعية. تعكس روح التحول وتوثّق لحظة التغيير التي نعيشها.
كلمة أخيرة تحب أن توجهها لجمهور معرض الرياض الدولي للكتاب ولقرائك المنتظرين.
أقول لهم: كيمياء الذات ليس مجرد كتاب، بل مشروع إبداعي فريد ينقل الإنسان في رحلة من عمق الفكر إلى صفاء الوجدان.
كما أنه جمع بين المعرفة الفلسفية والرؤية القرآنية والتجربة الإنسانية. ليقدّم منهجًا عمليًا يمكّن الفرد من اكتشاف ذاته، ومعالجة جراحه الداخلية. والارتقاء بوعيه نحو حياة أكثر اتزانًا وفاعلية. إنه إبداع يتجاوز حدود الصفحات ليصبح ممارسة حية تلامس الإنسان وتغير واقعه.
إن كتاب كيمياء الذات لم يكتب ليقرأ ثم يعاد إلى الرف. بل كتب ليصاحبكم في لحظات الصمت والحيرة. ليضيء لكم طريقًا نحو أعماقكم. وأرجو أن تجدوا في صفحاته مرآة صادقة، وصديقًا يذكركم أنكم أعمق بكثير مما تظنون.




