ينقسم المؤلفون والمدربون المتخصصون في الذكاء والنجاح المالي إلى ثلاث مدارس، تعتمد أساسًا على الزمن المقترح للمتدرب أو القراء للوصول إلى النجاح المالي.
وتتمثل هذه المدارس فما يلي:
-
المدرسة بعيدة المدى:
من أمثال برايان تريسي، وجاك كانفيلد، ونابوليان هيل، وديفيد باخ وغيرهم، وتقوم على دعوتك إلى تحقيق النجاح المالي من خلال ضبط نفقاتك، وزيادة ادخاراتك، واستثمارها في صناديق استثمارية أو برامج تقاعد مثل 401k وغيرها.
ولا مانع لدى أتباع هذه المدرسة من نجاحك المالي خلال عشرين سنة وأكثر، ولا مانع من أن تحققه وأنت موظف؛ المهم أن تحققه حتى لو تقاعدت بسن الـ 55 أو أكثر؛ فلديك ما يعينك على الاستمرار في الحياة بشكل جيد.
هذا لا يعني أنهم لا يشجعونك على إنجاز أهدافك بشكل أسرع، لكنهم في الوقت نفسه لا يشجعونك بشكل كافٍ للسعي لامتلاك مشروعك الخاص وترك الوظيفة.
ومن ملاحظتي، أن أغلب المدربين العرب في مجال الذكاء المالي ينتسبون إلى هذه المدرسة.
-
المدرسة متوسطة المدى:
من أمثال دان لوك، وتي هارف إيكر، وروبيرت كيوزاكي؛ حيث يشجعك هؤلاء على تحقيق النجاح المالي في شبابك؛ لتستمتع بحياتك وتتقاعد مبكرًا متى ما شئت، وتتعلّم الحياة من أوسع أبوابها.
ويدعمك هؤلاء للسعي لامتلاك مشروعك الخاص، والابتعاد عن عالم الوظيفة؛ إذ بإمكانك وضع خطة مدتها 7 أعوام لتحقيق الوفرة المالية، معتبرين السعي للنجاح المالي من خلال الادخار والاستثمار فقط، عملًا مغفّلًا.
3 . مدرسة النجاح المالي السريع:
هذه المدرسة لا تحقق شروط تسميتها، لكن نشير إليها لننبه القراء تجاه منتسبيها، فأغلبهم يقدّمون أوهامًا للشباب لاستقطابهم على صفحات التواصل الاجتماعي، أو شراء برامجهم التدريبية، أو استثمار أموالهم معهم؛ والتي غالبًا ما تضيع هباءً؛ مثل إعلانات الفوركس، والعملات المشفرة وأمثالها، ومنهم منتسبو شركات التسويق الشبكي التي تبيع منتجاتٍ لا قيمة لها، وتعتمد نموذج بونزي بشكلٍ أو آخر.
وتجد لهؤلاء منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي، وفيديوهات على اليوتيوب، عن كيفية تحقيق آلاف الدولارات خلال أسابيع أو أشهر، مشفعةً بأمثلة عن شخصيات وهمية حققت ذلك، والتي تجدها للأسف من الفيديوهات الأكثر مشاهدة وإعجابًا – رغم سطحية محتواها وركاكته – مقارنة بفيديوهات أتباع المدرستين الأولى والثانية.
ولا نزعم أنه لا يمكن تحقيق الثراء خلال فترة قصيرة، وإن أحدًا لم يفعل ذلك، فكلّ من ينتسب لهذه المدرسة يحاول الاحتيال على الناس، ولكن نقول إنَّ هذا الاحتمال ضئيل جدًا، مقارنة مع احتمالات المدارس الأخرى.
شخصيًا، أعتبر نفسي من المنتسبين للمدرسة الثانية، وهو ما يلاحظه جيدًا من يشاركون في ورشات العمل التي أقدمها؛ كوني أجدها منطقية، وتحاكي العقل بالدرجة الأولى، وتدعم الشخص ليكسب حياته منذ شبابه.
وإذا كنت أعتقد أن أغلب الناس لديهم القدرة على تحقيق إنجازات مالية مميَّزة خلال فترة شبابهم، وبفترة زمنية متوسطة المدى، فإذا كنت لا تجد نفسك قادرًا على الانتساب لهذه المدرسة؛ فاسعَ على الأقل للانتساب للمدرسة الأولى.
يفيدنا هذا التمييز بين المدارس في الإجابة عن سؤال مهم حيّر قرّاء ومتابعي مدربي النجاح المالي، وجعل بعضهم يصل إلى حالة من الضياع؛ وهو:
لماذا تتناقض أو تتعارض وجهات نظر المدربين في مجال الذكاء المالي حول الموضوع نفسه أحيانًا؟
فعلى سبيل المثال، يسأل أحدهم عن إمكانية تحقيق الثراء وهو في وظيفته، فيجيبه منتسب المدرسة الأولى بإمكانية ذلك، ويجبيه منتسب المدرسة الثانية باستحالته؛ فيضيع السائل بين الإجابتين.
مثال آخر: يسأل أحدهم: هل عليَّ أن أوزّع جهودي واستثماراتي في عدة جهات، أم التركيز في مكان واحد؟ فيحصل على إجابتين متناقضتين: الأولى تطلب منه التركيز، والأخرى تطلب منه التنويع بتطبيق قاعدة: “لا تضع البيض كله في سلة واحدة”.
وقد استفضت في كتابي “رحلتك إلى النجاح المالي” في شرح تفسير هذا التناقض، وعزوته إلى اختلاف المرحلة المالية التي تمرُّ بها حاليًا؛ وهي 4 مراحل مالية ستجد نفسك في إحداها. والجواب المناسب لهذا السؤال حول التركيز أم التنويع، يعتمد على المرحلة التي تعيشها، فقيامك بتوزيع جهودك في عدة مشاريع وأنت في مرحلة السعي للوصول للحرية المالية يُعد برأيي تعطيلًا لتحقيق هدفك.
إنَّ الاختلاف طبيعي وصحيّ ومفيد؛ فلكل كاتب وجهة نظره، وتجاربه، وخلفيته ومهاراته، وقناعاته؛ إذ يعكس كل هذه الخبرات والقناعات بمؤلفاته وبرامجه.
ولو كان هناك طريقة واحدة للثراء لكان هناك كتاب واحد ومنهجية واحدة يتبعها الجميع، ولأصبحوا كلهم أثرياء؛ لذا يتمثَّل دورك في الوصول إلى الإجابة المنطقية وفق وضعك الحالي، ثم تطبِّقها، مع الحذر من اختيار الإجابة التي تجدها أكثر سهولة في التطبيق من غيرها، دون أن تكون هي الأكثر فائدة على المدى البعيد.
أخيرًا، أنصحك باتباع المدرسة الثانية في النجاح المالي، فإن لم تستطع فعليك بالأولى، مع تجنَّب المدرسة الثالثة، أما إن كنت لا ترغب أصلًا في اتباع أي مدرسة، وكان النجاح المالي بالنسبة لك ترفًا فكريًا، وأمرًا غير مرغوب فيه، وأنه لا حاجة للتخطيط له والتفكير فيه والسعي إليه؛ لاعتقادك بأن “الرزق على الله”، سواءً أسعيت له أم لم تسعَ له، فأعتذر سلفًا أن أخبرك بأن حياتك المالية ستبقى – والله أعلم – على حالها؛ حتى تغيِّر هذه القناعات السلبية.
اقرأ أيضًا:
الاقتصاد المعرفي وأهميته للدول العربية