أكد صاحب السمو الملكي الأمير تركي الفيصل؛ رئيس مجلس إدارة مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، أن ما تعيشه المملكة من أمن واستقرار يرجع في المقام الأول إلى استقرار نظام المملكة السياسي، وهو ما مكن “السعودية” من حفظ أمنها واستقرارها وسط بيئة إقليمية مضطربة وغير مستقرة، وجنبها تداعيات أزمات المنطقة المتكررة، مشيدًا بحكمة قادة المملكة على مدى التسعين عامًا الماضية في التعامل مع جميع التحدّيات التي تسبّبت بها هذه الأزمات، وذكر أن الرياض استطاعت الحفاظ على برامج خطط تنميتها الهادفة لرفع شأن المواطن، وتحقيق تطلعاته بالرخاء وبناء اقتصاد قوي ومستقر ومزدهر.
وأشار الأمير تركي الفيصل إلى أن المملكة لم تشهد تقلُّبات سياسية تغير المسار الذي اختارته لنفسها في مسألة تولي الحكم، فكان عهد كل ملك من ملوكها السبعة بدءًا من الملك عبدالعزيز – طيب الله ثراه – مكملًا لما بدأه سلفه بمزيد من التطوير والإصلاح.
وأشاد “الفيصل” – في كلمته أمام مؤتمر “التفاعل مع السعودية” ، والتي حملت عنوان «الاستقرار السياسي وضرورته للنجاح الاقتصادي» والذي عقدته “منظمة الرؤساء الشباب” في فندق حياة ريجنسي بالرياض – باستقرار وسلاسة الخلافة في المملكة ما أدى إلى ثبات في السياسة، وأتاح فرص تكامل وتراكم الإنجازات على كافة الأصعدة، كما أسهم أيضًا في إضافة عوامل جديدة لشرعيتها المتجذّرة في وجدان الشعب السعودي، لافتًا إلى أن هذه الشرعية منحت مناعة مضاعفة، وباتت المعبّر عن الثقافة السياسية للمجتمع في مواجهة تحديات الخارج والداخل، وسمحت بالمرونة اللازمة لاستيعاب المتغيرات والتكيّف مع متطلباتها، موضحًا أن كل تشكيك في مصادر هذه الشرعية لن يفلح في منع تطلعنا لمستقبل أفضل.
وأوضح رئيس مجلس إدارة “مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية” أن وجود اقتصاد وطني قوي في ظل نظام سياسي مستقر وفي بيئة تشريعية وقانونية صارمة؛ من أهم عوامل استدامة الاستقرار السياسي والأمني والاجتماعي”؛ مؤكدًا أن المملكة نجحت في بناء اقتصاد وطني قوي متنوع مصادر الدخل، يوفر الفرص الوظيفية للمواطنين، ويتيح للقطاع الخاص المساهمة الفاعلة فيه، جاذب للاستثمار، مانع للاحتكار وتراكم الثروات، واحة للإبداع والابتكار، مواكب للتحولات الاقتصادية الدولية وللتحولات التقنية، مدعوم بقطاع عام خال من الفساد والمحسوبية وتفاوت الفرص.
وقال “الفيصل” : «كل عوامل استقرارنا متوفرة: الاستقرار السياسي، والثروة، والقدرة على إصلاح اقتصادنا وإدارتنا، وما علينا إلا أن نواصل برامجنا وخططنا وأن نبقي تواصلنا مع العالم حتى يرى أن مملكتنا، رغم ما تتعرّض له من حملات تشويه ورغم وجود أخطاء في بعض سياساتنا؛ هي واحة استقرار في منطقة مضطربة وستبقى مصدراً للمنافع المتبادلة مع الجميع».
رؤية 2030 وأهم المكاسب الاقتصادية
وأشار سموه إلى أن رؤية المملكة 2030 جاءت لإزالة كل المعوقات البيروقراطية والاجتماعية أمام إعادة هيكلة اقتصاد المملكة ليكون اقتصاداً مزدهراً بمجتمع حيوي يعمل في سبيل مستقبل أفضل، موضحاً أن هذه الرؤية تشكل خارطة طريق إلى المستقبل، وهي برنامج إصلاح اقتصادي واجتماعي شامل يتم تنفيذه تدريجيّاً من أجل مراعاة التغييرات اللازمة لمساعدة المملكة على مواصلة تنميتها، كما أنها تمثل حاجة وطنية سعودية ومشروعًا وطنيًّا كبيرًا، وينبغي أن تُذلل كل الصعوبات أمام تحقُّيق أهدافها.
وقال رئيس مجلس إدارة “مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية”: «إن هذه الرؤية التي تَصوّرها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان -حفظه الله- ويقودها ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، تهدف إلى معالجة أكبر ثلاثة تحديات اقتصادية تواجه المملكة اليوم: البطالة، تنويع مصادر الدخل، والخصخصة».
وقال : «تدرك المملكة أنه لاستدامة نجاحها اقتصاديًّا يجب عليها أن تنوع اقتصادها بحيث يصبح أقل اعتمادًا على النفط، وأن تبدأ في تعزيز دور القطاع الخاص، وتوليد الوظائف، وزيادة الدخل من خارج قطاع البترول، وتسعى رؤية 2030 أيضاً إلى مواجهة التحدّي المتمثل في الخصخصة، كما تدرك الحكومة السعودية أن اقتصادها يجب أن يكون مدفوعًا بقطاع خاص نابض بالحياة، وأن دور الحكومة يجب أن يتضاءل؛ وتلعب رؤية 2030 دورًا في معالجة ما يُنظر إليه على نطاق واسع على أنه التحديات الأكثر إلحاحًا التي تواجه المملكة: وهي البيروقراطية المترهلة، والشفافية، والمساءلة. وستواصل المملكة سعيها لزيادة مشاركة نسائها في جميع المجالات؛ فقد تم اتخاذ خطوات كبيرة في السنوات الأخيرة لزيادة إدراجهم في القوى العاملة وتمكينهم في جميع المجالات.
وأشار «الفيصل» إلى ترحيب العالم برؤية السعودية 2030؛ ونجاح المملكة في تحقيق تحولات مجتمعية وانفتاح وإيجاد فرص في مجالات لم تكن متاحة في السابق؛ كصناعة بدائل الطاقة مثل الشمس والرياح والتعدين والترفيه وغيرها، ومع ذلك بقيت كثير من الأصوات، لا سيما في الغرب، تنعق بالتشكيك بكل ما يتحقق، مشيرًا إلى أن المملكة تتعرض اليوم لحملة إعلامية شعواء تشكك في مشاريعنا الوطنية وتشيطن مملكتنا وولي عهدنا، وتعمل على نزع شرعيّتنا الدولية، ومع ذلك لا ينبغي أن تتزعزع ثقتنا بأنفسنا وبقدرتنا على تجاوز هذا الوضع، لقد سبق أن تعرضت المملكة لمثل هذه الحملات الكبرى، ومع ذلك تمكّنّا من تجاوز تداعيات هذه الحملات؛ وفق تصريحه.
الاستقرار السياسي وشروط نجاح الأعمال
وذكر «تركي الفيصل»، أن الاستقرار السياسي من شروط نجاح عالم المال والأعمال والابتكار والإبداع والاستثمار، وأنه لا يعيق هذا النجاح عائق أكثر من الاضطراب السياسي في البيئة المحلية والإقليمية والدولية، مؤكداً أن حالات عدم اليقين الناتجة عن عدم الاستقرار السياسي والحروب الأهلية والتغيرات المتكررة للأنظمة السياسية والتطرف والإرهاب؛ هي عدو عالم المال والأعمال وعدو للنجاح الاقتصادي، واعتبر الاستقرار السياسي العامل الأول في جذب الأسواق الناشئة للمستثمرين أو صدّهم عنها، وأنه لا يزدهر اقتصاد ولا تتوفر بيئة جاذبة للأعمال إلا في مكان يخلو من الاضطرابات السياسية والاجتماعية والاقتصادية وتحت حماية قوانين واضحة ومستقرة، رافضاً ما يقال من أن رأس المال جبان، ولكن لا يمكن أن يبقى رأس المال في مكان لا يربح فيه ويتعرض فيه للتهديد الدائم؛ على حد وصفه.
وفي نهاية كلمته قدم الأمير تركي الفيصل الشكر للقائمين على تنظيم هذا المؤتمر، مثمنًا دعوته للمشاركة وإتاحة الفرصة لسموه لتبادل الرأي مع أعضاء منظمة الرؤساء الشباب؛ هذه المنظمة الرائدة التي تعمل منذ أكثر من ستين عاماً على ربط الرؤساء التنفيذيين الشباب ورؤساء الشركات ورجال الأعمال الشباب في جميع أنحاء العالم لتبادل الأفكار والخبرات. وعبّر عن أمله أن يقوم أعضاء هذه المنظمة بدورهم في تقديم صورتنا الكاملة للآخرين، وليست تلك المجتَزَأة التي تسوّق حولنا؛ حسب تعبيره.