في عالم يموج بالتحديات والفرص المتغير يُصبح بناء فريق عالي الأداء أشبه بسيمفونية ساحرة تُعزف على أوتار المواهب والمهارات المُتناسقة؛ فليس كافيًا جمع مجموعة من الأفراد الموهوبين بل يتطلب الأمر رحلة مُتقنة لتنمية خصائص وسلوكيات وممارسات تُميز الفرق الاستثنائية.
فريق عالي الأداء
عادة ما يتكون الفريق عالي الأداء من مجموعة أفراد يُشكلون قوة متكاملة، مستفيدين من مهاراتهم الجماعية، وتنوع وجهات نظرهم، وخبرات تخصصهم، ومهاراتهم التكميلية لتحقيق أهداف صعبة.
تتمحور هذه الفرق حول تحقيق نتائج واضحة ومتميزة، وتزدهر على أساس من الثقة والتعاون والشعور المشترك بالهدف؛ فمن خلال الاستفادة من مواهبهم الجماعية وتنسيق جهودهم تُوضع معايير جديدة للتميز.
خصائص الفريق عالي الأداء
تُمثل الفرق عالية الأداء نماذج استثنائية في عالم العمل؛ فهي تُجسد روح التعاون والتكاتف بين أفرادها، وتعمل بتناغم لتحقيق أهداف مشتركة، وغالبًا ما تُبنى هذه الفرق على أسسٍ راسخة من التوافق الذي يُعزز التفاعل الإيجابي بين أعضائها، ويُحفز على بذل أقصى الجهو؛ ما يُثمر عن نتائج استثنائية، وفيما يلي بعض الخصائص التي تُميز هذه الفرق:
-
أهدافٌ واضحة:
تُحدد الفرق عالية الأداء أهدافًا واضحة تتناغم مع أولويات الفريق والمؤسسة؛ فالأهداف ليست مجرد كلماتٍ على ورق، بل هي بوصلةٌ تُوجه سلوك كل عضوٍ، وتُلهمهم للعمل معًا لتحقيق إنجازاتٍ استثنائية.
وبحسب دراسة أجراها باحثون في جامعة “هارفارد” الأمريكية فإن الموظفين الذين يملكون أهدافًا واضحة هم أكثر انخراطًا في العمل بمقدار الضعف؛ ما يُعزز شعورهم بالمسؤولية والالتزام.
-
فهمٌ عميق لرسالة المؤسسة:
عندما يرى الموظفون ارتباط عملهم بأهداف ورسالة المؤسسة يُصبح العمل أكثر وضوحًا ومغزى، ويزداد تحفيزهم لإنجاز المهام بكفاءة؛ ففي الفرق ذات الأداء العالي يُدرك كل فرد دوره ويساهم في تحقيق رؤية مشتركة.
بالطبع يُعزز هذا الشعور بالانتماء والمسؤولية، ويُحفز الموظفين على بذل أقصى جهدٍ لتحقيق أفضل النتائج.
-
أدوارٌ محددة ومسؤولياتٌ واضحة:
تُحدد الفرق عالية الأداء أدوار ومسؤوليات كل عضوٍ بوضوحٍ تام؛ ما يُقلل من احتمالية نشوب الصراعات والالتباس، ويُحافظ على سير العمل بشكلٍ سلسٍ وفعال.
وبلا شك يُساعد تحديد الأدوار والمسؤوليات في ضمان المساءلة على جميع المستويات، ويُعزز شعور كل عضوٍ بالمسؤولية عن دوره في تحقيق أهداف الفريق.
-
تواصلٌ فعّال واحترامٌ متبادل:
يُعد التواصل الفعّال من أهم أسس نجاح أي فريق؛ إذ تُضع الفرق عالية الأداء توقعاتٍ واضحة، وتُنشئ قنوات تواصلٍ فعّالة؛ بحيث يعلم كل عضوٍ متى وأين يتواصل، ومع من.
وبطبيعة الحال تُدرك هذه الفرق أن الخلافات أمرٌ طبيعي لكنها تتعامل معها بطريقةٍ صحيةٍ لا تُعوق سير العمل بل تُعزز التفاهم والاحترام المتبادل بين أعضاء الفريق.
-
التغذية الراجعة ثنائية الاتجاه:
في قلب الفرق عالية الأداء نجد ثقافةً تُشجع على مشاركة الأفكار والمخاوف دون خوفٍ من اللوم؛ إذ يشعر أعضاء الفريق بحرية التعبير عن آرائهم واقتراحاتهم، بينما يسعى المديرون بنشاطٍ للحصول على ملاحظاتٍ من موظفيهم،د؛ تقديرًا لوجهات نظرهم وإيمانًا بأهمية مساهماتهم في تطوير العمل.
-
فوائد التغذية الراجعة ثنائية الاتجاه:
1- تحسين أداء الأفراد: تمنح الملاحظات البناءة الموظفين فرصةً للتعلم من أخطائهم وتطوير مهاراتهم؛ ما يُعزز كفاءتهم وإنتاجيتهم.
2- تقوية ديناميكية الفريق: تُساهم مشاركة الملاحظات في بناء الثقة والاحترام بين أعضاء الفريق؛ ما يُعزز التعاون والقدرة على التكيف مع التحديات.
3- تطوير فرص جديدة: يُمكن ترجمة الملاحظات التي يتم جمعها إلى فرصٍ لتطوير مهارات الموظفين، سواء من خلال الدورات التدريبية أو البرامج التعليمية أو غيرها من الوسائل.
-
إدارة العمل والمواعيد النهائية بناءً على الأولويات:
لا يخفى على أحدٍ منا أن الفرق عالية الأداء تُدرك تمامًا أهمية الوقت، وتُركز جهودها بشكلٍ كبير على المهام ذات الأولوية القصوى والتأثير الأعلى؛ ولهذا تُخطط بدقة وتُدير المشاريع بكفاءة، مع مراعاة المواعيد النهائية وتحديد الأولويات بدقة.
فوائد إدارة العمل والمواعيد النهائية بناءً على الأولويات:
1- ضمان تحقيق أهداف المؤسسة: يُساعد التركيز على المهام ذات الأولوية في ضمان سير العمل بالاتجاه الصحيح وتحقيق أهداف المؤسسة.
2- زيادة كفاءة الموظفين: يُمكن للموظفين التركيز على المهام الأكثر أهمية؛ ما يُعزز كفاءتهم وإنتاجيتهم.
3- تقليل التوتر والضغط: يُساعد التخطيط الجيد وإدارة الوقت في تقليل التوتر والضغط على الموظفين.
-
عقد اجتماعات فردية:
تُمثل عملية عقد اجتماعات فردية بين المديرين والموظفين حجر الزاوية لبناء فرق قوية، في الواقع تتجاوز هذه الاجتماعات مجرد تقديم تحديثات حول العمل، بل تُشكل مساحة مخصصة لمناقشات شخصية حول الأهداف والتقدم والتحديات.
وخلال هذه اللقاءات يُتيح المديرون المجال للموظفين للتعبير عن أفكارهم ومشاعرهم بحرية، ويقدمون التوجيه والدعم اللازم للتغلب على أي عقبات تواجههم.
-
الاحتفال بالنجاح:
تعلم الفرق عالية الأداء أن النجاح هو نتاج جهود الفريق بأكمله؛ لذا لا يقتصر الاحتفال بالإنجازات على الأفراد، بل يتعداه ليصبح لحنًا جماعيًا يُشارك فيه الجميع؛ فمن خلال التعبير عن الامتنان والتقدير لجهود كل عضو في الفريق تنتشر ثقافة التعاون ويتم تحفير الموظفين على بذل المزيد من الجهد.
-
التعلم المستمر:
لا يقف طموح الفرق عالية الأداء عند حدّ تحقيق النجاح بل تسعى جاهدةً لتطوير مهاراتها واكتساب خبرات جديدة؛ فالتعلم المستمر هو رحلة لا تنتهي نحو التطور، وفرصة لتنمية قدرات أعضاء الفريق وتعزيز إمكانياتهم.
-
إتقان فن التوازن:
تُجيد الفرق عالية الأداء فن التوازن بين تحقيق النتائج على المدى القصير وبناء الأساس للنمو على المدى الطويل؛ فهم يُدركون أنّ التركيز على الأهداف المباشرة ضروري لكنهم لا يغفلون عن الاستثمار في التعلم والنمو والتطوير لضمان استمرارهم في الريادة.
بناء فريق عالي الأداء
لا يُبنى الفريق المتميز بين ليلة وضحاها؛ فهو رحلةٌ مستمرة تتطلب التزامًا راسخًا واستثمارًا في النمو والتطوير على المدى الطويل، ولكن ما الخطوات التي يجب اتباعها لبناء فريق عالي الأداء؟
-
إتاحة هدف مشترك:
تعدّ إتاحة هدف مشترك بمثابة نغمة أساسية في سيمفونية النجاح؛ فمن خلال وضوح الرؤية وتحديد أهداف موحّدة يُصبح العمل مُنسّقًا، وأهداف المؤسسة لحنًا يُردّده الجميع.
وكما هو معروف في ساحة الأعمال يقع على عاتق القائد مسؤولية تقييم الأولويات وضبط إيقاع العمل بشكل دوري؛ لضمان تناغم الأداء مع أهداف المؤسسة، كما يجب الحرص على التواصل المنتظم مع أعضاء الفريق، لشرح الرؤية وربطها بعملهم اليومي.
-
تحسين الاتصال:
يُعدّ التواصل الفعّال بمثابة اللغة التي تُترجم بها أفكار العمل وتُنسّق بها جهود الفريق؛ فهو يُتيح تبادل المعلومات بوضوح، ويُساعد في حلّ المشكلات، ويُعزّز التنسيق بين أعضاء الفريق.
ومن المهم وضع قواعد واضحة للتواصل داخل الفريق، وتحديد الأدوات المُستخدمة، مثل: البريد الإلكتروني، أو قنوات التواصل الاجتماعي، أو الاجتماعات الدورية، كما يجب تشجيع أعضاء الفريق على التعبير عن آرائهم ومشاركة أفكارهم بحرية لتوفير بيئة تفاعلية تُثري العمل.
-
تمكين صنع القرار:
تُشجع الفرق عالية الأداء أعضاءها على العزف منفردين، مُتّخذين قراراتهم بثقة ومسؤولية؛ فمن خلال منحهم الثقة والتحفيز يُصبحون أكثر إبداعًا، ويزداد شعورهم بالملكية والانتماء للفريق.
وعلى القائد دعم أعضاء الفريق وتقديم التوجيه والنصح عند الحاجة، دون فرض آرائه أو قراراته. كما من الضروري أيضًا تشجيعهم على تبادل الأفكار ومناقشة الخيارات المختلفة قبل اتخاذ القرارات لإتاحة بيئة عمل تُحفّز على الإبداع والابتكار.
-
الاعتراف والإشادة:
الاعتراف بإنجازات الأفراد والفِرق هو بمثابة لحنٍ تحفيزي يُعزّز الروح المعنوية ويُلهم أعضاء الفريق لبذل المزيد من الجهد، إنه بلا شك يوفر بيئة عمل إيجابية تُشجّع على الابتكار والإبداع.
ومن منطلق ذلك ينبغي على القائد أن يُخصص وقتًا للاعتراف بجهود أعضاء الفريق وتقدير مساهماتهم، سواء من خلال الشكر والتقدير اللفظي، أو تقديم المكافآت، أو منحهم فرصًا للتطور والنمو؛ فهذا يُشعرهم بالتقدير ويُحفّزهم على بذل المزيد من الجهد.
-
التعلم والتطور:
لا يقف طموح الفرق عالية الأداء عند حدّ تحقيق النجاح بل تسعى جاهدةً لتطوير مهاراتها واكتساب خبرات جديدة؛ فالتعلم المستمر هو رحلة لا تنتهي نحو التطور، وفرصة لتنمية قدرات أعضاء الفريق وتعزيز إمكانياتهم.
ولهذا يجب على القائد تشجيع أعضاء الفريق على التعلم والتطور من خلال توفير فرص التدريب والتطوير المهني، ودعم حضورهم للمؤتمرات والندوات، وتبادل المعرفة والخبرات مع بعضهم البعض.
في ختام هذه الرحلة نؤكد أن بناء فريق عالي الأداء هو استثمارٌ مُربحٌ على المدى الطويل، يُساهم في تحقيق أهداف المؤسسة وتعزيز قدرتها على التنافس في عالمٍ يزداد تعقيدًا يومًا بعد يوم.
اقرأ أيضًا:
ساعات عمل أقل وإنتاجية أكبر.. رمضان سر زيادة كفاءتك المهنية
بيئة عمل إيجابية ومثمرة.. كيف يمكن لتحفيز الموظفين معنوياً زيادة أرباح شركتك في رمضان
حياة الكبار واكتئاب ما بعد التخرج.. كيف تتجاوز المراحل الأولى في عالم الأعمال