تعد قصته مصدرًا لإلهام رواد الأعمال حول العالم؛ إذ تمكن رائد الأعمال الأيرلندي باتريك كوليسون من تحقيق نجاحات مُذهلة في عالم التكنولوجيا؛ حيث أسس مع شقيقه الأصغر جون شركة سترايب في عام 2010. والتي أصبحت إحدى الشركات الرائدة في مجال معالجة المدفوعات عبر الإنترنت.
كما أن شغفه بالعلوم والتكنولوجيا ظهر مبكرًا؛ ففاز بالمعرض الواحد والأربعين للعلماء الشباب والتكنولوجيا في عام 2005، وهو لم يتجاوز السادسة عشرة من عمره.
باتريك كوليسون
علاوة على ذلك لم يكتفِ كوليسون بنجاحه في عالم الأعمال، بل سعى إلى المساهمة في خدمة المجتمع. فخلال عام 2020 أسس برنامج “Fast Grants” بالتعاون مع الخبير الاقتصادي تايلر كوين. بهدف تسريع الأبحاث العلمية المتعلقة بمكافحة جائحة “كوفيد-19”.
من ناحية أخرى لم يغب عن باله أهمية البحث العلمي بمجالات أخرى، فخلال عام 2021 شارك في تأسيس معهد آرك. وهو منظمة بحثية غير ربحية، بالتعاون مع علماء الأحياء سيلفانا كونيرمان وباتريك هسو؛ بهدف دعم الأبحاث العلمية المتقدمة.
وفي حين يرى البعض أن باتريك كوليسون مجرد رائد أعمال ناجح يرى آخرون فيه نموذجًا يُحتذى به في الجمع بين النجاح المهني والمسؤولية الاجتماعية. كذلك يظل إسهامه في مجالات التكنولوجيا والعلوم والبحث العلمي محل تقدير وإعجاب. بينما يستمر في إلهام الأجيال الشابة لتحقيق أحلامهم والمساهمة في بناء مستقبل أفضل.

حياته المُبكرة
وُلد باتريك كوليسون في 9 سبتمبر عام 1988م، لأبوين شغوفين بالعلم؛ حيث كانت والدته عالمة في علم الأحياء الدقيقة. ووالده مهندسًا للإلكترونيات، ونشأ في قرية درومينير الصغيرة بمقاطعة تيبيراري، وكان الأكبر بين ثلاثة إخوة.
والتحق بأول دورة في علوم الحاسب الآلي في سن الثامنة بجامعة ليمريك. وبدأ تعلم برمجة الكمبيوتر في سن العاشرة. وهو ما يشير إلى نبوغه المبكر في هذا المجال.
تلقى “كوليسون” تعليمه في مدارس متميزة؛ إذ التحق بمدرسة غيلسكول أوناش أورمومهان. ثم انتقل بعد ذلك إلى كلية كاسلتوري في مقاطعة ليمريك. وهو ما ساهم في صقل مهاراته وتنمية قدراته الأكاديمية. من ناحية أخرى لم يكتفِ كوليسون بالتعليم الأكاديمي، بل كان شغوفًا بالتعلم الذاتي. واستكشاف مجالات جديدة في عالم التكنولوجيا.
وفي حين أن كوليسون بدأ حياته في بيئة ريفية بسيطة إلا أن شغفه بالمعرفة والتكنولوجيا دفعه إلى مرحلة متقدمة من الإبداع والابتكار. كما لم تمنعه بداياته المتواضعة من تحقيق إنجازات كبيرة في مجال ريادة الأعمال، بينما كان صغيرًا في السن، ونبوغه المبكر في مجال البرمجة كان له دور كبير لنجاحه اللاحق في تأسيس شركة سترايب. وهي إحدى أنجح شركات التكنولوجيا في العالم.
بداياته في عالم البرمجة
بدأ باتريك كوليسون مسيرته المهنية خلال سن مبكرة؛ حيث شارك في معرض العلماء الشباب والتكنولوجيا الأربعين بمشروعه حول الذكاء الاصطناعي. وأطلق عليه اسم “إسحاق” تيمنًا بالعالم إسحاق نيوتن الذي كان كوليسون معجبًا به، وحصل على المركز الثاني فرديًا.
علاوة على ذلك عاد كوليسون للمشاركة في المعرض بالعام التالي. وتمكن من الفوز بالمركز الأول وهو في السادسة عشرة من عمره؛ حيث تضمن مشروعه إنشاء لغة برمجة جديدة تدعى “كروما”. كما تم تقديم جائزته من قبل الرئيسة ماري ماك أليس، وشارك شقيقه الأصغر تومي بمشروعه حول التدوين في المعرض عام 2010.
تأسيس “أوتوماتيك”
التحق كوليسون بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، لكنه انسحب في النهاية عام 2009 بعد تأسيسه لشركات ناشئة. وفي عام 2007 أسس شركة برمجيات “شوبا” في ليمريك مع شقيقه جون كوليسون. ولكنهم اضطروا للانتقال إلى كاليفورنيا بعد أن أظهر مسرع الأعمال “واي كومبينيتور” في وادي السيليكون اهتمامًا؛ فاندمجوا مع خريجي أكسفورد، هارجيت وكولفير تاججار، وأصبحت الشركة “أوتوماتيك”.
من ناحية أخرى لم يقتصر اهتمام كوليسون على البرمجة فقط، بل كان لديه رؤية واسعة في مجال ريادة الأعمال.
تحقيق الثراء المبكر
في مارس 2008 باع كوليسون وشقيقه شركة “أوتوماتيك” لشركة “لايف كارنت ميديا” الكندية، ليصبحا من أصحاب الملايين بسن مبكرة. وفي مايو 2008 أصبح مديرًا للهندسة في القاعدة الجديدة للشركة في فانكوفر. ورغم أن كوليسون حقق ثراءً مبكرًا إلا أنه لم يتوقف عن السعي لتحقيق المزيد من النجاح. فخلال عام 2010 شارك كوليسون في تأسيس شركة “سترايب”، التي تلقت عام 2011 استثمارًا كبيرًا من مؤسسي “باي بال” وشركات رأس المال الاستثماري الكبرى.
وفي نوفمبر 2016 أصبح الأخوان كوليسون أصغر مليارديرين عصاميين في العالم؛ فبلغت ثروتهما 1.1 مليار دولار على الأقل، بعد استثمار في “سترايب” قيم الشركة بـ 9.2 مليار دولار. وبحلول عام 2017 بلغت ثروة كل من الأخوين نظريًا 3.2 مليار دولار على الأقل. كما ساهمت “سترايب”، تحت إدارة الأخوين كوليسون، بمبلغ مليون دولار لمنظمة الضغط المؤيدة لتطوير الإسكان “كاليفورنيا يمبي”.
وفي أواخر الربع الثالث من عام 2019 تم الكشف عن أن “سترايب” جمعت 250 مليون دولار إضافية بتقييم 35 مليار دولار. ويمتلك الأخوان معًا حصة مسيطرة في “سترايب”. كذلك يعكس نجاح “سترايب” رؤية كوليسون الثاقبة في مجال التكنولوجيا المالية.
ظهوره الإعلامي
تم عرض كوليسون وشقيقه الأصغر جون في قائمة أغنى الشباب الأيرلنديين التي تم بثها في برنامج تلفزيوني على قناة “آر تي إي” خلال فترة عيد الميلاد عام 2008. وفي 18 يوليو 2009 عرض كوليسون أفكاره لمستقبل أيرلندا في برنامج الحوار الشهير “ليلة السبت مع ميريام”. وبينما يركز على مجال التكنولوجيا إلا أنه يهتم بمجموعة واسعة من الموضوعات في التاريخ والتكنولوجيا والهندسة والخيال والفلسفة والفن.
مساهماته الفكرية
في نوفمبر 2018 نشر كوليسون مقالًا في “ذا أتلانتيك” مع مايكل نيلسن بعنوان “العلم يحصل على عائد أقل مقابل المال”، بحجة أن زيادة الاستثمار في العلوم لم تنتج مخرجات متناسبة.
وعام 2019 نشر مقال رأي في نفس المنفذ مع تايلر كوين يدعو إلى إنشاء تخصص أكاديمي جديد يسمى “دراسات التقدم”. والذي سيدرس الظروف الثقافية والمؤسسية التي تؤدي إلى أكبر قدر من التقدم ومستويات معيشة أعلى. كما أن كوليسون يساهم في إثراء النقاش حول مستقبل العلوم والتكنولوجيا.

قصة نجاح ملهمة
في النهاية.تشكل قصة نجاح باتريك كوليسون نموذجًا ملهمًا للشباب الطموح في جميع أنحاء العالم. حيث تمكن من تحقيق إنجازات استثنائية في عالم التكنولوجيا وريادة الأعمال. وذلك بفضل شغفه بالعلوم والتكنولوجيا، ونبوغه المبكر في مجال البرمجة، ورؤيته الثاقبة بمجال الأعمال.
ولم يقتصر نجاح كوليسون على الجانب المهني فحسب، بل امتد ليشمل الجانب الإنساني أيضًا. فسعى إلى المساهمة في خدمة المجتمع من خلال مبادراته بمجال البحث العلمي ومكافحة الأوبئة.
وفي حين يرى البعض في كوليسون مجرد رائد أعمال ناجح، يرى آخرون فيه نموذجًا يحتذى به في الجمع بين النجاح المهني والمسؤولية الاجتماعية. كما أن إسهاماته في مجالات التكنولوجيا والعلوم والبحث العلمي تظل محل تقدير وإعجاب، وتلهم الأجيال الشابة لتحقيق أحلامهم وبناء مستقبل أفضل.