انضمت المملكة العربية السعودية رسميًا إلى مجموعة «بريكس» في مطلع الربع الأول من العام الجاري، وتعد هذه الخطوة بمثابة إنجاز استراتيجي يعزز مكانة المملكة على الصعيد الدولي، ويسهم في تعزيز قوة ومتانة اقتصادها الوطني، وذلك في خطوة تاريخية تعيد رسم خريطة القوى الاقتصادية العالمية.
تضم مجموعة “بريكس” الآن، مع انضمام السعودية، كلًا من: البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا والسعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر وإيران والأرجنتين وإثيوبيا، ويعد هذا التوسع الأكبر للمجموعة منذ تأسيسها عام 2009؛ ما يعزز مكانتها كأحد أهم التكتلات الاقتصادية الدولية.
جاء انضمام المملكة العربية السعودية إلى مجموعة “بريكس” بعد تلقيها دعوة رسمية في 25 أغسطس 2023، من قبل رئيس جنوب إفريقيا سيريل رامافوسا، وتضمنت الدعوة آنذاك 6 دول أخرى، تم قبول انضمامها لاحقًا، يأتي توسع المجموعة في وقت تشهد فيه بعض الدول الأعضاء، مثل: روسيا والصين، توترات متزايدة مع الغرب.
يثير توسع مجموعة “بريكس” تساؤلات حول مستقبل العملة الأمريكية؛ إذ تتحدث بعض الدول الأعضاء عن إمكانية التخلص من هيمنة الدولار الأمريكي في المعاملات التجارية واستخدام عملات أخرى بديلة، كما تناقش المجموعة إمكانية إصدار عملة مشتركة، وهو أمر اعتبره المحللون غير قابل للتطبيق في المستقبل القريب، وفي هذا الصدد، صرح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أن مسألة العملة المشتركة “مسألة صعبة” لكنه أضاف “سنتحرك نحو حل هذه المشكلات”.
خطوة نحو تعزيز العلاقات وتوسيع الفرص
يرى محللون اقتصاديون أن انضمام المملكة العربية السعودية إلى مجموعة “بريكس” بصفة مراقب، ستكون خطوة مهمة ذات فوائد اقتصادية متعددة للمملكة، وتتيح هذه الخطوة للسعودية المشاركة في بعض أنشطة المجموعة الاقتصادية، وتعزيز علاقاتها التجارية والاقتصادية مع الدول الأعضاء، وتأكيد موقفها الداعم لاستقرار الاقتصاد العالمي.
وفي هذا الجانب، أوضح الدكتور محمد مكني؛ أستاذ المالية والاستثمار في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية -في تصريحات صحفية- أن انضمام السعودية لمجموعة “بريكس” سيفتح أمام اقتصاد المملكة والأسواق الخليجية مسارات جديدة وفرصًا كبيرة للتوسع، كما ستسهم هذه الخطوة في تعزيز الاستقرار الاقتصادي عالميًا، وستمكن السعودية من لعب دور مهم كلاعب رئيسي في المجموعة، خاصة في مجال تجارة النفط والغاز التي تشكل 30% من الصادرات السعودية للأسواق العالمية.
وأكد الدكتور مكني على انفتاح السعودية على جميع الدول، وعدم اقتصار سياساتها على الاتجاه نحو الغرب فقط، مشيرًا إلى انضمام المملكة في مارس 2023 إلى منظمة شنغهاي للتعاون الاقتصادي والأمني، كدليل على سعيها لتوسيع علاقاتها وتعزيز التعاون الدولي، مشددًا على أن هذه الخطوات لن تؤثر على علاقات الرياض القوية مع واشنطن وبقية دول الغرب، بل تؤكد قوة ومتانة الاقتصاد السعودي وحكمة المملكة في إدارة علاقاتها مع الجميع وتوازن مصالحها لتحقيق أهداف رؤية السعودية 2030.
السعودية ومجموعة “بريكس”
أكد الدكتور محمد بن دليم القحطاني؛ أستاذ الاقتصاد بجامعة الملك فيصل -في تصريحات صحفية- أهمية انضمام السعودية إلى مجموعة “بريكس” بصفة مراقب، مشيرًا إلى أن ذلك سيسهم في تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية مع الدول الأعضاء، ومع ذلك، قلل القحطاني من التوقعات بشأن التأثير الفوري لانضمام المملكة على اقتصادها، راجعًا ذلك إلى عوامل رئيسية تشمل:
- هيمنة الدولار الأمريكي: ترتبط العملات العالمية الرئيسية، مثل: اليورو والين والريال، بالدولار الأمريكي، كما تسيطر العملة الأمريكية على احتياطيات البنوك المركزية العالمية.
- القوة الاقتصادية الأمريكية: تمتلك الولايات المتحدة أكبر 500 شركة في العالم، ثلثها أمريكي، كما تستثمر الدول ذات الاقتصاديات الكبرى، مثل: الصين واليابان والسعودية، في السوق والسندات الأمريكية.
- العلاقات الثنائية القوية: تمتلك المملكة العربية السعودية بالفعل العديد من الاتفاقيات الاقتصادية الثنائية مع جميع دول مجموعة “بريكس”.
- طبيعة اقتصادات “بريكس”: تعد اقتصادات دول “بريكس” ناشئة وليست متقدمة، وتعاني من كثافة سكانية عالية؛ ما قد يحد من العوائد الاقتصادية المتوقعة على المملكة.
بدلًا من التركيز على “بريكس” حصريًا، دعا القحطاني إلى إعادة هيكلة منظمة “أوبك” لتشمل كل أشكال الطاقة، وتوسيع عضويتها لتضم الدول المتقدمة في مجال الطاقة المتجددة، واقترح نقل مقر “أوبك” إلى إحدى المدن السعودية، مثل: الرياض أو نيوم، لتعزيز مكانة المملكة كمركز عالمي للطاقة. وتأتي هذه الدعوة في إطار رؤية السعودية 2030، والتي تهدف إلى تنويع الاقتصاد، وتعزيز مكانة المملكة على الصعيد الدولي.
»
من فكرة طموحة إلى تكتل اقتصادي عالمي
تعد مجموعة “بريكس” أحد أهم التكتلات الاقتصادية الدولية في العصر الحديث، والتي ضمت في رحلتها خمسة من أكبر الاقتصاديات الناشئة في العالم، بدأت الفكرة في عام 2001، عندما صاغ جيم أونيل؛ كبير الاقتصاديين في بنك جولدمان ساكس آنذاك، مصطلح “بريك” لوصف مجموعة الدول التي تضم البرازيل وروسيا والهند والصين.
وفي مطلع الربع الثاني من عام 2006، عقد وزراء خارجية الدول الأربع اجتماعًا على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، ناقشوا خلاله إمكانية تعزيز التعاون الاقتصادي بين بلدانهم، وبعد مرور ثلاث سنوات، عقد أول مؤتمر قمة رسمي لزعماء “بريك” في مدينة يكاترينبورغ الروسية عام 2009، ليعلن رسميًا عن تأسيس المجموعة، وانضمت جنوب إفريقيا إلى “بريك” عام 2010، ليصبح اسم المجموعة “بريكس” كما نعرفه اليوم.
قوة اقتصادية ضخمة
تمثل الدول الأعضاء في مجموعة “بريكس” قوة اقتصادية هائلة؛ إذ يقدر عدد سكانها بنحو 3.5 مليار نسمة، أي ما يعادل حوالي 45% من سكان العالم، كما يقدر حجم اقتصاداتها مجتمعة بأكثر من 28.5 تريليون دولار، أي ما يمثل 28% من الاقتصاد العالمي، وفقًا لتقارير صندوق النقد الدولي.
تنتج دول “بريكس” أيضًا نحو 44% من النفط الخام في العالم؛ ما يعزز من مكانتها كلاعب رئيسي في سوق الطاقة العالمي، وتسعى المجموعة إلى كسر هيمنة الدول الغربية على المؤسسات المالية العالمية، مثل: صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وتدعو إلى “صوت وتمثيل أكبر” للاقتصادات الناشئة في النظام العالمي.
وفي عام 2014، أنشأت دول “بريكس” بنك التنمية الجديد بهدف تقديم القروض للدول والحكومات لتمويل مشاريع التنمية، وبحلول نهاية عام 2022، بلغ إجمالي القروض التي قدمها هذا البنك حوالي 32 مليار دولار للدول الناشئة، لدعم مشاريع في مجالات البنية التحتية، مثل: الطرق والجسور والسكك الحديدية، وإمدادات المياه.
في الختام، تشكل مجموعة “بريكس” قوة اقتصادية ضخمة تسعى إلى تغيير قواعد اللعبة في النظام العالمي، وتمثل هذه المجموعة فرصة هائلة لتعزيز التعاون الاقتصادي بين الدول الناشئة، وتعزيز مكانتها على الصعيد الدولي.