أفصحت بعض الدراسات الاجتماعية والاقتصادية الحديثة، وبشكل غير متوقع، عن أن الأجيال الأصغر سنًا، خاصة جيل الألفية الجديدة، يفضلون دعم الشركات التي تلتزم بأسس المسؤولية الاجتماعية وتحاول أن تلعب دورًا محوريًا في تنمية المجتمع والدفع به قُدمًا.
ولعل أبرز هذه الدراسات هي تلك التي أجراها المؤلفان وخبيرا التسويق Afdhel Aziz وBobby Jones؛ بعنوان “Good Is the New Cool”، والتي بديا فيها متفائلين جدًا ليس بمستقبل الشركات فحسب، وإنما بمستقبل المجتمع ذاته؛ فإذا كانت هناك شركات كبرى مثل: “TOMS وTesla وEtsy وKickstarter وPatagonia وBen & Jerry’s وZappos وThe Honest Company وWarby Parker” بدأت في انتهاج المسؤولية الاجتماعية والالتزام بمقتضياتها فلا شك في أن ذلك سيعود بالنفع على المجتمع ككل.
اقرأ أيضًا: التنمية الاقتصادية المستدامة.. فلسفة الحلول الوسط
منافع الشركات
لكن ما الفائدة العملية/ المادية التي يمكن أن تحققها الشركات من وراء ذلك؟ ماذا يمكنها أن تجني من وراء الالتزام بتنمية المجتمع وتطويره؟
أول ما يتوجب الإشارة إليه هنا هو أن كون جيل الألفية يثق ويرغب في التعامل والشراء من الشركات المسؤولة اجتماعيًا، فمعناه أن هذه الشركات ضمنت توافد العملاء إليها بشكل دائم.
وهذا يقودنا إلى مسألة أخرى على قدر كبير من الأهمية وهي أن الالتزام بالمسؤولية الاجتماعية واستدامة العملاء وتحسين العلاقة معهم وجهان لعملة واحدة؛ فالناس يفضلون التعامل مع شركات حريصة عليهم، وعلى تحسين ظروفهم المعيشية.
اقرأ أيضًا: المسؤولية الاجتماعية.. الملاذ الآمن لنجاحك وقت الأزمات
بناء السمعة
إن الشركات التي تعمل على الصعيد الاجتماعي، وتحافظ على البيئة، وعلى الموارد الطبيعية، سيكون لديها بالفعل ما تقوله عن نفسها، ومجرد الإفصاح عن مثل هذه الأنشطة والمبادرات يُعد أفضل طريقة دعائية وتسويقية لها؛ فهي لا تتحدث عما ستفعله أو تخطط له، وإنما تتحدث عن نتائج ما قامت به بالفعل.
يساعدها ذلك في أمرين مهمين: الأول هو بناء سمعة قوية وراسخة في السوق، ما يجعل من اليسير عليها السيطرة على المنافسين والتغلب عليهم هذا من جهة.
والأمر الثاني هو أن هذه الأنشطة وتلك المبادرات تساعدها ليس في جذب عملاء جدد فحسب، وإنما في الحفاظ على العملاء الحاليين، ما يعني أن التزام الشركات بالمسؤولية الاجتماعية نظرية وممارسة، لا يساعدها في تحسين علاقتها بالعملاء الحاليين واستدامتهم فقط، وإنما، وفي الوقت ذاته، سيقيها من خطر داهم آخر وهو تآكل العملاء؛ إذ إن أدوارها الاجتماعية الإيجابية ستمكنها من جذب عملاء جدد وبشكل مطرد.
اقرأ أيضًا: مفهوم حوكمة الشركات.. أهميته وأبعاده
ضمان دعم العملاء
لن يقتصر الأمر على استدامة العملاء الحاليين ولا جذب عملاء جدد، بل سيتطور الحال ليصبح هؤلاء العملاء _الذين لمسوا بالفعل الأثر الإيجابي للشركة_ أكثر استعدادًا لدعم الشركة، ما سيمكّنها من تخطي الأزمات التي قد تعترض سبيلها.
ووجدت دراسة أجرتها مؤسسة Nielsen أن معظم المستهلكين الذين شملهم الاستطلاع في 60 دولة سيدفعون سعرًا أعلى للسلع التي تُباع من قِبل الشركات المسؤولة اجتماعيًا.
هذا بالطبع مكسب لا يقدر بثمن، ليس لأن العملاء مستعدون للدفع أكثر، وإنما لأن هذا الاستعداد ذاته ما هو إلا تعبير أو انعكاس لمدى عمق العلاقة التي تربطهم بالشركة، وهو أمر لم تكن للشركة أن تصل إليه من دون التزامها بالمسؤولية الاجتماعية على الصعيدين العملي والنظري معًا.
اقرأ أيضًا: أهم 5 مفاهيم عن المسؤولية الاجتماعية
معدلات رضا الموظفين
تلعب مسؤولية الشركات أيضًا دورًا رئيسيًا في رضا الموظفين ومعدلات الاحتفاظ بهم، عندما تُشرك قيادة الشركة الموظفين في اتخاذ القرارات بشأن المؤسسات الخيرية التي يجب أن تخدمهم أو كيف تساعدهم، فإنها تمنح الموظفين إحساسًا أكبر بأهمية المؤسسة ذاتها وأهمية دورهم ومحورية رأيهم.
وعلى الرغم من أن الاحتفاظ بالموظفين ورفع معدلات رضاهم الوظيفي مكسب كبير وقائم بحد ذاته، إلا أنه ليس الوحيد؛ إذ تؤدي تلك المسؤولية إلى تحسين الخدمة المقدمة للعملاء، ما يسهم في استدامتهم وتحسين علاقتهم بالشركة.
اقرأ أيضًا:
أخلاقيات العمل.. الأهمية والأبعاد
نماذج من واقع المسؤولية الاجتماعية للشركات
دمج المسؤولية الاجتماعية في نطاق الأعمال